الأحد، 11 سبتمبر 2022

المقنع في علوم الحديث سراج الدين عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

 المقنع في علوم الحديث

سراج الدين عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد

ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين

أحمد الله على آلائه وأشكره على نعمائه وأصلي على محمد وآله وصحبه وأسلم

وبعد

فالعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وروايته من أشرف العلوم إذ هو ثاني الأساس والمقدم على الإجماع والقياس

وقد صنف فيه الأئمة الترمذي في جامعه وعلله والحاكم في أصوله ومدخله والخطيب في كفايته وجامعه ومن أجمعها كتاب العلامة الحافظ تقي الدين أبي عمرو بن الصلاح سقى الله ثراه وجعل الجنة مأواه فإنه جامع لعيونها ومستوعب لفنونها

وجعل أنواعه زائدة على الستين وأنها تزيد على ذلك

وقد وقع الاختيار بفضل الله وقوته على تلخيصه وتقريبه وتنقيحه

 

 

وتهذيبه مع زيادات عليه مهمة وفوائد جمة لا تلفى مسطورة ولا تكاد توجد في الكتب المشهورة من الله تعالى بالوقوف عليها وتفضل بإفادة المتشوقين إليها

وعلمت للزيادة علامة دائرة بالحمرة في أولها وآخرها وربما قلت في أولها قلت وفي آخرها علامة الدائرة المذكورة

جعله الله لوجهه خالصا وللمشتغل به نافعا فإنه بيده والقادر عليه وهو حسبي ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

 

 

النوع الأول

الصحيح

وهو لغة ضد المكسور والسقيم

وفيه مسائل

الأولى

لا شك أن الحديث ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف فالصحيح المجمع عليه

ما اتصل إسناده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة

وفي هذه الأوصاف احتراز عن المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ وما فيه قادحة وما في رواته نوع جرح

 

 

قال الشيخ تقي الدين في الاقتراح وفي هذين الشرطين نظر على مقتضى مذهب الفقهاء فإن كثيرا من العلل التي يعلل بها المحدثون لا تجري على أصول الفقهاء

فإذا قيل حديث صحيح فهذا معناه لا أنه مقطوع به في نفس الأمر إذ منه ما ينفرد بروايته عدل وليس من الأخبار التي أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول

 

 

وكذا إذا قيل هذا حديث غير صحيح فمعناه لم يصح إسناده إذ قد يكون صدقا في نفس الأمر

قال الشافعي إذا روى الثقة عن الثقة حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو ثابت

 

 

ثم الصحيح ينقسم إلى متفق عليه ومختلف فيه كما في المرسل عند القائل به

وينقسم إلى مشهور وغريب كما ستعلمه

ثم إن درجات الصحيح تتفاوت في القوة لأن تفاوت مراتب الصحة مرتب على تمكن الإسناد في شروط الصحة

 

 

ويعز وجود أعلى درجات القبول في كل فرد فرد في ترجمة واحدة بالنسبة لجميع الرواة بحسب تمكن الصحيح من الصفات المذكورة التي تبنى الصحة عليها

وتنقسم باعتبار ذلك إلى أقسام يستعصي إحصاؤها على العاد الحاصر

ولهذا نرى الإمساك عن الحكم لإسناد أو حديث بأنه الأصح على الإطلاق

وخاض جماعة غمرة ذلك فاضطربوا

فقال إسحاق بن راهويه أصحها الزهري عن سالم عن أبيه ونحوه عن الإمام أحمد

وقال الفلاس وغيره أصحها ابن سيرين عن عبيدة عن علي ثم منهم من عين الراوي عن محمد بن سيرين وجعله أيوب السختياني ومنهم من جعله ابن عون

وقال يحيى بن معين أجودها الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود

وقال أبو بكر بن أبي شيبة أصحها الزهري عن علي بن الحسين

 

 

عن أبيه عن علي

وقال البخاري أصحها مالك عن نافع عن ابن عمر

قال أبو منصور التميمي فعلى هذا أجلها الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر لإجماع أهل الحديث على أنه لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الشافعي

قلت هذا أجلها الإمام أحمد عن الشافعي عن مالك به

وقد وقع كذلك في مسند الإمام أحمد في هذه أحاديث منها حديث ابن عمر مرفوعا لا يبع بعضكم على بيع بعض الحديث بطوله

 

 

وقال آخرون أصحها يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة حكاة الحاكم

وقيل شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عامر أخي أم سلمة عن أم سلمة حكاه الحاكم أيضا

 

 

وفي المتصل والمنقطع للحافظ أبي بكر البرديجي الأحاديث الصحاح التي أجمع أهل الحدي على صحتها من جهة النقل مثل الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر والزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية مالك بن أنس وابن عيينة ومعمر والزبيدي وعقيل والأوزاعي ما لم يختلف فيه فإذا وقع الاختلاف في مثل هذا بين هؤلاء الذين ذكرناهم توقف عنه وقد خالف سالما في أحاديث

قال ومثل الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ومثل الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية الأوزاعي وهشام ما لم يقع الاختلاف والاضطراب فيه ثم أوضح ذلك

 

 

وقال الحاكم لما حكى الخلاف السالف في أصح الأسانيد قد ذكر كل واحد منهم ما أدى إليه اجتهاده في ذلك ولكل صحابي رواة من التابعين ولهم أتباع وأكثرهم ثقات لا يمكن أن نقطع بالحكم في أصح الأسانيد لصحابي واحد فنقول

إن أصح أسانيد أهل البيت جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي إذا كان الراوي عن جعفر ثقة

 

 

وأصح أسانيد الصديق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عنه

وأصح أسانيد عمر الزهري عن سالم عن أبيه عن جده

وأصح أسانيد أبي هريرة الزهري عن سعيد بن المسيب عنه

وقال خ أصحها أبو الزناد عن الأعرج عنه

ولعبد الله بن عمر مالك عن نافع عنه

ولعائشة عبيد الله بن عمر عن القاسم عنها

 

 

قال يحيى بن معين ترجمة مشبكة بالذهب

والزهري عن عروة عنها

ولابن مسعود الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عنه

ولأنس بن مالك مالك عن الزهري عنه

وأصح أسانيد المكيين سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر

وأصح أسانيد اليمانيين معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة

وأثبت أسانيد المصريين الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر

وأثبت أسانيد الشاميين الأوزاعي عن حسان بن عطية عن الصحابة

 

 

وأثبت أسانيد الخرسانيين الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه

 

 

@ 53 @

 

 

الثانية

من رأى في هذه الأزمان حديثا صحيح الإسناد في كتاب أو جزء لم ينص على صحته حافظ معتمد فلا يحكم بصحته لضعف أهلية هذه الأزمان

قلت فيه نظر لا جرم خالفه فيه النووي وقال الأظهر عندي جوازه لمن تمكن وقويت معرفته وهو كما قال لعدم المعنى

 

 

الذي علل به الشيخ وقد صحح غير واحد من المعاصرين لابن الصلاح وبعده أحاديث لمن تقدمهم فيها تصحيحا كأبي الحسن بن القطان والضياء المقدسي والزكي عبد العظيم ومن بعدهم

 

 

الثالثة

أول من صنف الصحيح يعني المجرد البخاري ثم تلاه مسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه ومع ذلك يشاركه في كثير من شيوخه

قلت وادعى القرطبي في أول مفهمه أن مسلما أخذ كتاب البخاري فجعله في كتابه ولعل جوابه ما ذكره الشيخ من مشاركته له في كثير من شيوخه

 

 

واحترزت بـ الصحيح المجرد عن موطأ مالك فإن فيه الصحيح وغيره من البلاغ والمقطوع المنقطع وغير ذلك وإن كان ذلك في صحيح البخاري أيضا فستعرف جوابه في المسألة السادسة وكذا مسند أحمد فإنه بعد الموطأ وفيه أيضا الصحيح وغيره

وكتابهما أصح الكتب بعد القرآن أعني كتاب البخاري ومسلم

 

 

وقول الشافعي مثل ذلك في الموطأ كان قبل وجودهما

ثم صحيح البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد

قلت قال النسائي ما في هذه الكتب أجود من البخاري وقرر ذلك الإسماعيلي في مدخله

ومما يرجح به أنه لا بد من ثبوت اللقاء عنده وخالفه مسلم واكتفى بإمكانه

 

 

وعكس بعض شيوخ المغرب ففضل صحيح مسلم عليه وقال الحافظ أبو علي النيسابوري ما تحت أديم السماء أصح منه فإن أراد أنه لم يمزجه غير الصحيح بخلاف ما فعل البخاري من ذكره في تراجمه أشياء لم يسندها على الوصف المشروط في

 

 

الصحيح فهذا لا بأس به ولا يلزم منه الترجيح أيضا في نفس الصحيح وإن أطلق فمردود

قلت ورأيت لبعض المتأخرين حكاية قول ثالث وهو أنهما سواء ولم يعزه لأحد

الرابعة

لم يستوعبا الصحيح ولا التزما ذلك

قلت فإلزام الدارقطني والحاكم لهما أحاديث على شرطهما لم يخرجاها ليس بلازم فقد قال البخاري ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول وقال مسلم ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هنا يعني في صحيحه إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه ولعل مراده ما فيه شرائط الصحيح

 

 

المجمع عليها عنده لا اجتماعهم على وجودها في كل حديث منه عند بعضهم أي فإن فيه أحاديث تكلم عليها الدارقطني وغيره

ثم إن أبا عبد الله محمد بن الأخرم الحافظ قال قل ما يفوت البخاري ومسلما مما ثبت من الحديث يعني في كتابيهما

وفيه نظر فإن المستدرك على الصحيحين للحاكم أبي عبد الله كتاب كبير يشتمل مما فاتهما على شيء كثير وإن يكن عليه في بعضه مقال فإنه يصفو له منه صحيح كثير

 

 

وقد قال البخاري أحفظ مئة ألف حديث صحيح ومئتي ألف حديث غير صحيح

قلت ولعل مراد أبي عبد الله الأخرم بقوله هذا الصحيح المجمع عليه لا الصحيح المطلق

والصواب أنه لم يفت الأصول الخمسة إلا اليسير اعني الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والنسائي

قلت ونقل بعض الفقهاء المتأخرين أن مجموع ما صح عنه صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث وهو من العجائب فقد قال شيخ هذه الصناعة الإمام أحمد كما نقله الحاكم في مدخله صح من الحديث عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعمئة ألف حديث وكسر وهذا الفتى يعني

 

 

أبا زرعة يحفظ ستمئة ألف حديث

وأغرب من المقالة الأولى وأعجب ما رأيته في أصول الفقه لابن سراقة من أصحابنا أنه قيل إن أكثر ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطرق الصحاح والرجال الثقات المعروفين والأسانيد المتصلة ثلاثة آلاف حديث

وأول بعض الفقهاء كلام البخاري السالف فقال مراده والله أعلم بما ذكره تعدد الطرق والأسانيد وآثار الصحابة والتابعين وغيرهم وسمى الجميع حديثا وقد كان السلف يطلقون الحديث على ذلك وأن هذا أولى من تأويله أنه أراد المبالغة في الكثرة بل هو متعين لا يجوز العدول عنه وما أدري ما حمله على ذلك أترى أحاط بذلك علما حتى أول

 

 

وجملة ما في صحيح البخاري سبعة آلاف ومئتان وخمسة وسبعون حديثا بالأحاديث المكررة

وقد قيل إنها بإسقاط المكررة أربعة آلاف حديث

إلا أن هذه العبارة قد تندرج تحتها عندهم آثار الصحابة والتابعين وربما عد الحديث المروي بإسنادين حديثين

قلت ومن الغرائب ما في كتاب الجهر بالبسملة لأبي سعيد إسماعيل بن أبي القاسم البوشنجي نقل عن البخاري أنه صنف كتابا أورد فيه مئة ألف حديث صحيح

ولم يذكر الشيخ عدد ما في مسلم من الأحاديث وأفاد في القطعة التي له على صحيح مسلم أن فيه أربعة آلاف حديث أصول دون المكرر كما ذكره عن صحيح البخاري وبه جزم النووي في تقريبه فقال إنه بإسقاط المكرر نحو أربعة آلاف

وأما أحمد بن سلمة فقال هو اثنا عشر ألف حديث

وروى الخطيب البغدادي عن مسلم رحمه الله أنه قال صنفت

 

 

هذا المسند الصحيح من ثلاثمئة ألف حديث مسموعة

وقال أبو حفص عمر بن عبد المجيد الميانشي في إيضاح ما لا يسع المحدث جهله الذي اشتمل عليه كتاب البخاري من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة آلاف حديث وستمئة وأنيف قال واشتمل كتاب مسلم على ثمانية آلاف حديث قال واشتمل الكتابان على ألف حديث ومئتي حديث من الأحكام فروت عائشة رضي الله تعالى عنه الله عنها من جملة الكتابين مئتين ونيف وسبعين حديثا لم يخرج غير الأحكام منه إلا يسيرا

قال الحاكم فحمل عنها ربع الشريعة

قال بقي بن مخلد روت ألفي ومئتي حديث وعشرة أحاديث

والذين رووا الألوف أربعة أبو هريرة وابن عمر وأنس وعائشة

وجملة ما في كتاب أبي داود أربعة آلاف وثمانمئة فإنه قال كتبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسمئة ألف حديث انتخبت منها هذا السنن فيه أربعة آلاف وثمانمئة حديث

 

 

ولم أر من عدد أحاديث الترمذي والنسائي

وأما ابن ماجة فقال أبو الحسن بن القطان صاحب ابن ماجة عدته أربعة آلاف حديث

ثم إن الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين تعرف من السنن المعتمدة ك سنن أبي داود والنسائي وجامع الترمذي وصحيح ابن خزيمة وسنن الدارقطني وغيرهم منصوبا على صحته ولا يكفي وجوده في كتاب أبي داود والترمذي والنسائي وسائر من جمع في كتابه بين الصحيح وغيره ويكفي مجرد كونه موجودا في كتب من شرط الاقتصار على الصحيح ككتاب ابن خزيمة والكتب المخرجة على الصحيحين ككتاب أبي عوانة وأبي بكر الإسماعيلي وأبي بكر البرقاني وغيرهما من تتمة لمحذوف أو زيادة شرح وهذا كثير في الجمع بين الصحيحين لأبي عبد الله الحميدي

 

 

واعتنى الحاكم أبو عبد الله بالزيادة في عدد الحديث الصحيح على ما في الصحيحين أودعه ما ليس في واحد من الصحيحين مما رواه على شرطهما قد أخرجا عن رواته في كتابيهما أو على شرط أحدهما وما أدرى اجتهاده إلى تصحيحه وإن لم يكن على شرط واحد منهما وهو واسع الخطو في شرط الصحيح متساهل في القضاء به فالأولى أن نتوسط في أمره فنقول ما حكم بصحته ولم نجد ذلك فيه لغيره من الأئمة إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن يحتج ويعمل به إلا أن تظهر فيه علة توجب فيه علة توجب ضعفه

قلت قول الشيخ عن الحاكم أنه أودع فيه على شرط الشيخين ما قد أخرجا عن رواته في كتابيهما تبعه على ذلك النووي وابن دقيق العيد وغيرهما وعبارة الحاكم نفسه في خطبة مستدركة منافية له فإنه قال

وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما

نعم خالف هذا الاصطلاح في أثناء كتابه وقال لما أخرج التاريخ والسير ولا بد لنا من نقل كلام ابن إسحاق والواقدي

 

 

وادعى الحاكم في المدخل إلى الإكليل أن شرط البخاري ومسلم أن لا يذكر إلا ما رواه صحابي مشهور له راويان ثقتان فأكثر ثم يرويه عنه تابعي مشهور بالرواية عن الصحابة له أيضا راويان ثقتان فأكثر ثم يرويه عنه من أتباع الأتباع الحافظ المتقن المشهور على ذلك الشرط ثم كذلك

قال والأحاديث المروية بهذا الشرط لا يبلغ عددها عشرة آلاف

وهذا الشرط الذي ذكره غلط فيه فإنهما أخرجا عدة أحاديث ليس لها إلا راو واحد كما سيأتي بيانها في النوع السابع والأربعين

وأغرب من هذا قول الميانشي إن شرطهما في صحيحهما أن لا يدخلا فيه إلا ما صح عندهما وذلك ما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان فصاعدا وما نقله عن كل واحد من الصحابة أربعة من التابعين فأكثر وأن يكون عن كل واحد من التابعين أكثر من أربعة

وقال ابن طاهر إن الأئمة الخمسة خ م د ت س لم ينقل عن واحد منهم أنه قال شرطت أن أخرج في كتابي ما يكون على شرط كذا لكن لما سبر كتبهم علم بذلك شرط كل واحد منهم

فشرط خ م أن يخرجا الحديث المجمع على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور فإن كان للصحابي راويان فصاعدا فحسن وإن لم يكن له إلا راو واحد وصح ذلك الطريق إلى ذلك الراوي أخرجاه

 

 

إلا أن مسلما أخرج حديث قوم ترك خ حديثهم لشبهة وقعت في نفسه ك حماد بن سلمة وسهيل بن أبي صالح وداود بن أبي هند وأبي الزبير والعلاء بن عبد الرحمن وغيرهم و خ لما تكلم في هؤلاء بما لا يزيل العدالة والثقة ترك إخراج حديثهم استغناء بغيرهم فتكلموا في سهيل وسماعه من أبيه فقيل صحيفة وتكلموا في حماد بأنه أدخل في حديثه ما ليس منه وعند مسلم ما صح هذا النظر فأخرج أحاديثهم لإزالة الشبهة عنده

وأما د س فإن كتابيهما ينقسم على ثلاثة أقسام

الأول الحسن المخرج في الصحيحين فحكمه على ما ذكرنا

الثاني صحيح على شرطهما

وقال ابن منده إن شرطهما إخراج أحاديث أقوام لم يجمع على تركهم إذا صح الحديث باتصال الإسناد من غير قطع ولا إرسال

فيكون هذا القسم من الصحيح لما بينا أنهما تركا كثيرا من الصحيح الذي حفظاه

الثالث أحاديث أخرجاها من غير قطع منهما بصحتها وقد أبانا علتها بما يفهمه أخل المعرفة فأورداها وبينا سقهما لتزول الشبهة

وأما الترمذي فقسم كتابه على أربعة أقسام

قسم صحيح مقطوع به وهو ما وافق البخاري ومسلم

وقسم على شرط د س كما بينا في القسم الثاني لهما

 

 

وقسم آخر كالثالث لهما أخرجه أبان عن علته

ورابع أبان هو عنه وقال ما أخرجت في كتابي إلا حديثا قد عمل به بعض الفقهاء

فعلى هذا الأصل كل حديث احتج به محتج أو عمل بموجبه عامل أخرجه سواء صح طريقه أو لم يصح وقد أزاح عن نفسه فإنه تكلم على كل حديث بما فيه وكان من طريقه أن يترجم الباب الذي فيه حديث مشهور عن صحابي في حكم قد صح الطريق إليه وأخرج حديثه في الكتب الصحاح فيورد في الباب ذلك الحكم من صحابي آخر لم يخرجوه من حديثه ولا يكون الطريق إليه كالطريق إلى الأول إلا أن الحكم صحيح ثم يتبعه بأن يقول وفي الباب عن فلان وفلان ويعد جماعة منهم الصحابي والأكثر الذي أخرج ذلك الحكم من حديثه وما سلك هذه الطريق إلا في أبواب معدودة

وقال ابن منده إن من حكم الصحابي إذا روى عنه تابعي وإن كان مشهورا مثل الشعبي وسعيد بن المسيب ينسب إلى الجهالة فإذا روى عنه رجلان صار مشهورا واحتج به وعلى هذا بنى خ م صحيحهما إلا أ حرفا يتبين أمرها

قال الشيخ ويقاربه أعني مستدرك الحاكم في حكمه صحيح أبي حاتم بن حبان

 

 

قلت لأن شرطه في خطبته في صحيحه أن يكون الراوي ثقة غير مدلس سمع من فوقه وسمع منه بالأخذ عنه والحديث ليس بمرسل ولا منقطع

الخامسة

الكتب المخرجة على الصحيحين لم يلتزم فيها موافقتهما في الألفاظ لكونهم رووها من غير جهتهما طلبا للعلو فحصل فيها تفاوت في اللفظ

وكذا ما رواه البيهقي والبغوي وغيرهما مما قالوا فيه أخرجه البخاري ومسلم وقع في بعضهما تفاوت في المعنى فمرادهم أنهما رويا أصله

فلا يجوز أن ينقل منها حديثا ويقول هو هكذا فيهما إلا أن يقابل بهما أو يقول المصنف أخرجاه بلفظه

بخلاف المختصرات من الصحيحين فإنهم نقلوا فيها ألفاظهما غير أن الجمع بين االصحيحين للحميدي يشتمل على زيادة تتمات لبعض الأحاديث كما قدمناه ذكره فليتأملها الحافظ ولا يعزيها إليهما من أول وهلة

ثم إن الكتب المخرجة عليهما لها فائدتان

 

 

علو الإسناد

والزيادة في قدر الصحيح فإن تلك الزيادة صحيحة لكونهما بإسنادهما

قلت وفائدة ثالثة وهي زيادة قوة الحديث بكثرة الطرق

السادسة

ما رواه الشيخان في صحيحهما بالإسناد المتصل فهو المحكوم بصحته

وأما المعلق وهو الذي حذف من مبتدإ إسناده واحد فأكثر وهو غالب في صحيح البخاري قليل جدا في صحيح مسلم ففي بعضه نظر

وينبغي أن يقال ما كان منه بصيغة الجزم كـ قال و روى وشبههما فهو حكم بصحته عن المضاف إليه

ثم إذا كان علق الحديث عنه دون الصحابة فالحكم بصحته

 

 

متوقف على اتصال الإسناد بينه وبين الصحابي

وما لم يكن فيه جزم كـ روي أو في الباب كذا وكذا وما أشبههما مما ليس فيه حكم بصحة ذلك عمن ذكره عنه لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الضعيف أيضا ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله

قلت يؤيد ذلك ما قاله أبو العباس القرطبي في كتابه في السماع البخاري لا يعلق في كتابه إلا ما كان في نفسه صحيحا مسندا لكنه لم يسنده ليفرق بين ما كان على شرطه في أصل كتابه وبين ما ليس كذلك

قلت على أن البخاري نفسه ذكره مرة التعليق بغير صيغة جزم ثم أسنده في موضع آخر من صحيحه فقال في كتاب الصلاة ويذكر عن أبي موسى قال كنا نتناوب النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء ثم أسنده في موضع آخر باب فضل العشاء وقال حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى

وقال في كتاب الإشخاص ويذكر عن جابر أنه عليه الصلاة والسلام رد على المتصدق صدقته ثم أسنده في موضع آخر دبر رجل عبدا ليس له مال فباعه النبي صلى الله عليه وسلم من نعيم بن النحام

 

 

وقال في كتاب الطب ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرقى بفاتحة الكتاب وأسنده مرة

قال الشيخ ثم إنما يتقاعد من ذلك عن شرط الصحيح قليل يوجد في كتاب البخاري في مواضع من تراجم الأبواب دون مقاصد الكتاب وموضوعه الذي يشعر به اسمه الذي سماه وهو الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه

وإلى الخصوص الذي بيناه يرجع مطلق قوله ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح

وكذلك مطلق قول الحافظ أبي نصر السجزي الوائلي أجمع أهل العم الفقهاء وغيرهم على أن رجلا لو حلف بالطلاق أن جميع ما في كتاب البخاري مما روي عن رسول الله قد صح عنه ورسول اله صلى الله عليه وسلم قاله لا شك فيه أنه لا يحنث

 

 

وكذلك ما ذكره الحميدي في جمعه من قوله لم نجد من الأئمة الماضين من أفصح لنا في جميع ما جمعه بالصحة إلا هذين الإمامين

فإنما المراد بكل ذلك مقاصد الكتاب وموضوعه ومتوان الأبواب دون التراجم ونحوها لأن في بعضها ما ليس كذلك قطعا مثل قول البخاري باب ما يذكر في الفخذ ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم الفخذ عورة وقوله في أول باب من أبواب الغسل وقال بهز عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم الله أحق أن يستحي منه فهذا قطعا ليس من شرطه وكذلك لم يورده الحميدي في جمعه بين الصحيحين فاعلم ذلك فإنه مهم خاف

السابعة

الصحيح أقسام

أعلاه ما اتفق عليه الشيخان

قلت وأعلى منه ما اتفق عليه معهما باقي الكتب الستة وفيه قلة

 

 

ثم ما انفرد به البخاري

ثم مسلم

ثم ما على شرطهما

ثم ما على شرط البخاري

ثم مسلم

ثم صحيح غيرهما

وأعلاها الأول على ما سلف وهو الذي يقال فيه كثيرا صحيح متفق عليه يعنون به اتفاق البخاري ومسلم لا اتفاق الأمة عليه لكن اتفاق الأمة لازم من ذلك وحاصل معه لاتفاق الأمة الأمة على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول وكذا ما انفرد به أحدهما وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته والعلم القطعي حاصل فيه خلافا لقول من نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد في أصله إلا الظن وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن والظن قد يخطئ

قال الشيخ وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويا ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولا هو الصحيح لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ ولهذا كان الإجماع المبني على الاجتهاد حجة مقطوعا بها وأكثر إجماعات العلماء كذلك

قلت قال النووي خالف الشيخ المحققون والأكثرون فقالوا يفيد الظن ما لم يتواتر أي لان أخبار الآحاد لا تفيد إلا الظن

 

 

ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع به من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقد اشتد إنكار ابن برهان الإمام على من قال بما قاله الشيخ

وممن عاب هذه المقالة على الشيخ الشيخ عز الدين أيضا فقال إن المعتزلة يرون أن الأمة إذا علمت بحديث اقتضى ذلك القطع بصحته وهو مذهب رديء

وأيضا إن أراد كل الأمة فهو أمر لا يخفى فساده

وإن أراد الأمة الذين وجدوا بعد وضع الكتابين فهم بعض الأمة لا كلها لا سيما على قول أهل الظاهر فإنهم لا يعتدون إلا بإجماع الصحابة خاصة وكذلك الشيعة وإن كنا لا نعتبر خلافهم على ما هو المشهور من قول العلماء

وإن أراد كل حديث منهما تلقي بالقبول من كافة الناس فغير مسلم لأن جماعة من الحفاظ تكلموا على بعض أحاديثهما وأيضا فإنه وقع فيهما أحاديث متعارضة لا يمكن الجمع بينهما والقطعي لا يقع فيه التعارض

ثم إنا نقول أيضا التلقي بالقبول ليس بحجة فإن الناس اختلفوا أن الأمة إذا عملت بحديث وأجمعوا على العمل به هل يفيد القطع أو الظن

ومذهب أهل السنة أنه يفيد الظن ما لم يتواتر

 

 

وأغرب ابن طاهر المقدسي فنقل الإجماع أيضا على ما كان على شرطهما فقال في كتابه صفة التصوف أجمع المسلمون على ما أخرج في الصحيحين أو ما كان على شرطهما

ثم قول الشيخ أيضا أعني ابن الصلاح ولهذا كان الإجماع المبني على الإجتهاد حجة مقطوعا بها فيه نظر أيضا فإن الإجماع إن وصل إلينا بأخبار الآحاد كان ظنيا وإن وصل إلينا بالتواتر وهو قليل جدا فقد صحح الإمام في المحصول والآمدي في الإحكام ومنتهى السؤال أنه ظني أيضا

قال الشيخ نعم فيهما أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره معروفة عند أهل الشأن

قال في أوائل شرحه لمسلم وهذا مستثنى مما ذكرناه لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول

الثامنة

من أراد العمل بحديث من كتاب فطريقه أن يأخذه من نسخة معتمدة قابلها هو أو ثقة بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة ليحصل الاعتماد

 

 

قلت ولو قابلها بأصل معتمد محقق فلا يبعد الاكتفاء وبه جزم النووي في التقريب

وقال في شرح مسلم ما ذكره الشيخ محمول على الاستظهار والاستحباب أي لعسر ذلك غالبا أو تعذره ولأن الأصل الصحيح تحصل به الثقة

ومن النقول الغريبة ما ذكره الحافظ أبو بكر محمد بن خير الأموي الإشبيلي خال السهيلي في برنامجه حيث نقل اتفاق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا حتى يكون عنده ذلك القول مرويا ولو على أقل وجوه الروايات ثم استدل بحديث من كذب علي وليس مطابقا لما ادعاه

 

 

فائدتان أهملهما الشيخ رحمه الله

الأولى ذكر الحاكم في مدخله أن جملة من خرج له البخاري في صحيحه دون مسلم أربعمائة وأربعة وثلاثون شيخا وجملة من خرج له مسلم في صحيحه دون البخاري ستمئة وخمسة وعشرون شيخا

الثانية ذكر مسلم في أول صحيحه أنه يقسم الحديث ثلاثة أقسام واختلف الحفاظ هل ذكرها أو ذكر الأول فقط واختر منه المنية قبل الباقي

فقال القاضي عياض بالأول والحاكم والبيهقي بالثاني

فائدة ثالثة

ذكر الحاكم في مدخله إلى الإكليل أن الصحيح من الحديث ينقسم عشرة أقسام خمسة متفق عليها وخمسة مختلف فيها

فالأول أخبار البخاري ومسلم وهو الدرجة الأولى من الصحيح وهو أن الأول لا يذكر إلا ما رواه صحابي مشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم له راويان ثقتان فأكثر إلى آخر ما قدمناه عنه في المسألة الرابعة

 

 

وثانيهما ما ليس له إلا راو واحد من الصحابة

وثالثهما ما ليس له إلا راو واحد من التابعين

ورابعها الأحاديث الأفراد الغرائب التي يرويها الثقات العدول تفرد بها ثقة من الثقات

وخامسها أحاديث جماعة من الأئمة عن آبائهم عن أجدادهم ولم تتواتر الرواية عن آبائهم عن أجدادهم بها إلا عنهم كصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده وإياس بن معاوية بن قرة عن أبيه عن جده وأجدادهم صحابيون وأحفادهم ثقات

والخمسة المختلف فيها

المرسل وأحاديث المدلسين إذا لم يذكروا سماعهم وهي صحيحة عند جماعة من أهل الكوفة وما أسنده ثقة وأرسله عنه جماعة من الثقات ورواية الثقات غير الحفاظ العارفين كأكثر محدثي زماننا وهو صحيح عند أكثر أهل الحديث خلافا لأبي حنيفة ومالك ورواية المبتدعة وأصحاب الأهواء وأكثر أهل الحديث على قبولها إذا كانوا صادقين

 

 

قلت وأهمل قسما آخر وهو رواية المجهول وفيه خلاف ستعمله في موضعه

 

 

النوع الثاني

الحسن

قال الخطابي وهو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله قال وعليه مدار أكثر الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء

قلت كذا نقله الشيخ عن الخطابي والموجود بخطه إنما هو استقرت حاله بقاف م الاستقرار وتحت الحاء علامة الإهمال كذا نقله عنه أبو عبد الله بن رشيد وهو حد مدخول فإن الصحيح أيضا قد عرف مخرجه واشتهر رجاله والضعيف أيضا قد يعرف مخرجه ويشتهر رجاله لكن بالضعف

وفي الاحتجاج بالحسن إشكال وذلك أن ههنا أوصافا يجب معها قبول الرواية إذا وجدت في الراوي فإما أن يكون هذا الحديث المسمى بالحسن مما قد وجدت فيه هذه الصفات على أقل الدرجات التي يجب معها القبول أولا فإن وجدت فذاك حديث صحيح وإلا فلا يجوز الاحتجاج به وإن سمي حسنا اللهم إلا أن يرد هذا إلى أمر

 

 

اصطلاحي وهو أن يقال إن الصفات التي يجب معها قبول الرواية لها مراتب ودرجات فأعلاها الصحيح وكذا أوسطها وأدناها الحسن وحينئذ يرجع الأمر في ذلك إلى الاصطلاح ويكون الكل صحيحا في الحقيقة والأمر فيه في الاصطلاح

ومن أراد هذه الطريقة فعليه أن يعتبر ما سماه أهل الحديث حسنا ويحقق وجود الصفات التي يجب معها قبول الرواية في تلك الأحاديث وقد نبه على ذلك الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد في اقتراحه رحمه الله

وقال الترمذي الحافظ إنه يريد بالحسن أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون حديثا شاذا ويروى من غير وجه

قلت وفيه نظر أيضا لأن الصحيح شرطه أن لا يكون شاذا وأن لا يكون في رجاله من يتهم بالكذب

نعم فيه من لا يعرف إلا من وجه واحد خلافا لما ادعاه الحاكم

ويشكل على هذا أيضا ما يقال فيه إنه حديث حسن مع أنه ليس له مخرج إلا من وجه واحد

 

 

وقال بعضهم الحسن الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل

قلت كأنه عنى به ابن الجوزي فإنه قاله في موضوعاته وفيه نظر أيضا والضعف القريب ليس مضبوطا بضابط يتميز به القدر المحتمل من غيره وإذا اضطرب هذا الوجه لم يحصل الوصف المميز للحقيقة

قال الشيخ وكل هذا مستبهم لا يشفي الغليل وليس فيما ذكره الخطابي والترمذي ما يفصل الحسن من الصحيح وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث جامعا بين أطراف كلامهم ملاحظا مواقع استعمالهم فتنقح لي واتضح أن الحسن قسمان

أحدهما ما لا يخلو إسناده من مستور لم تتحقق أهليته وليس مغفلا كثير الخطأ ولا هو متهم بالكذب في الحديث ولا ظهر منه سبب يفسق به ويكون متن الحديث معروفا برواية مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر وكلام الترمذي ينزل على هذا

قلت في هذا نظر لأن الأصح أن رواية المستور الذي لم تتحقق أهليته مردودة فكيف يجعل ما يرويه من قسم الحسن وينزل عليه كلام الترمذي وليس في كلامه ما يدل عليه لكون الاحتجاج لم يقع به وحده

 

 

الثاني أن يكون راويه مشهورا بالصدق والأمانة ولم يبلغ درجة الصحيح لقصوره في الحفظ والإتقان وهو مرتفع عن حال من يعد تفرده منكرا أو معللا وعلى هذا القسم ينزل كلام الخطابي

وقال صاحب الاقتراح هذا كلام فيه مباحثات ومناقشات على بعض هذه الألفاظ

قلت قد حسن البخاري حديث أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في السواك ناوله أكبر القوم قال الترمذي سألت محمدا عن هذا الحديث فقال حديث حسن انتهى

وأسامة مختلف فيه وهو من رجال مسلم

وحسن أيضا حديث موسى بن عقبة عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس رفعه إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء الحديث قال الترمذي سألت محمدا عنه فقال حديث حسن وموسى سمع من صالح قديما انتهى

 

 

وله شاهد نحوه من حديث المسيء صلاته لهذا صار حسنا بل ينبغي أن يكون صحيحا

تذنيب

من الحفاظ من يعبر بـ الحسن عن الغريب والمنكر

ذكر السمعاني في أدب الاستملاء عن إبراهيم النخعي أنه قال كانوا يكرهون إذا اجتمعوا أن يخرج الرجل أحسن ما عنده قال عنى النخعي بالأحسن الغريب لأن غير الـ مألوف يستحسن أكثر من المشهور المعروف وأصحاب الحديث يعبرون عن المنكر بهذه

 

 

العبارة ولهذا قال شعبة بن الحجاج وقيل له مالك لا تروي عن عبد الملك بن أبي سليمان وهو حسن الحديث قال من حسنه هربت

فروع

أحدهما الحسن كالصحيح في الاحتجاج به وإن كان دونه في القوة

ولهذا أدرجه بعضهم في نوع الصحيح وهو ظاهر كلام الحاكم في تصرفه وإليه يومي في تسميته كتاب الترمذي بـ الجامع الصحيح وأطلق الخطيب اسم الصحيح عليه وعلى كتاب النسائي وكذا

 

 

السلفي حيث قال الكتب الخمسة اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب

وهذا فيه تساهل لأن منها ما صرحوا بكونه ضعيفا أو منكرا ونحو ذلك من أوصاف الضعف وصرح أبو داود بانقسام ما في كتابه إلى صحيح وغيره كما سيأتي والترمذي في كتابه بالتمييز بين الصحيح والحسن

قلت حمله النووي رحمه الله على أن مراده أن معظم الكتب الثلاثة سوى الصحيحين يحتج به لكن في هذا نظر إذ ليس كل صحيح محتجا به فإن المنسوخ صحيح غير محتج به فمراده إذا سلم عن معارض وليس كل غير صحيح غير محتج به فإن الحسن غير صحيح على ما ذكرناه مع أنه يحتج به

الثاني قولهم هذا حديث حسن الإسناد أو صحيحه دون قولهم حديث صحيح أو حسن لأنه قد يقال هذا حديث صحيح الإسناد ولا يصح أو حسن لأنه قد يقال هذا حديث صحيح الإسناد ولا يصح لكونه شاذا أو معللا فإن اقتصر على ذلك حافظ معتمد فالظاهر صحة المتن أي أو حسنه لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر

الثالث قول الترمذي وغيره هذا حديث حسن صحيح فيه إشكال لأن الحسن قاصر عن الصحة كما سلف وجوابه أن معناه أنه روي بإسنادين أحدهما يقتضي الحسن والآخر يقتضي الصحة فحسن بالنسبة إلى إسناد صحيح بالنسبة إلى آخر

 

 

قلت هذا لا يصح لأنه يرد عليه ذو السند الواحد حيث يقول الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه اللهم إلا أن يراد بقوله لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث بعض الرواة لا أن المتن لا يعرفه إلا من هذا الوجه بدليل أن الترمذي نفسه لما خرج في كتاب الفتن حديث خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة من أشار إلى أخيه بحديدة الحديث قال هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه يستغرب من حديث خالد

قال الشيخ ويجوز أن يكون المراد بالحسن اللغوي وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب دون المعنى الاصطلاحي الذي نحن بصدده

قلت اعترض عليه قاضي القضاة تقي الدين ابن دقيق العيد في الاقتراح فقال يلزم من هذا أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ أنه حسن وذلك لا يقوله أحد في الاصطلاح

91 - ولك أن تقول لا يرد على الشيخ ما ألزمه به لأنه ذكر هذا التأويل للحسن الذي يقال مع الصحيح لا للحسن المطلق والموضوع لا يقال إنه صحيح

ووهاه بعضهم أيضا بأن أحاديث الوعيد نحو من نوقش الحساب عذب وشبهه لا يوافق القلب ولا يهواه بل يجد منها كربا وألما من الخوف وهي من الأحاديث الحسان

 

 

@ 92 @

 

 

@ 93 @

 

 

@ 94 @

 

 

قال قاضي القضاة تقي الدين والذي أقول في جواب هذا أنه لا يشترط في الحسن قيد القصور عن الصحيح وإنما يجيئه القصور ويفهم ذلك فيه إذا اقتصر على قوله حسن فالقصور يأتيه من قيد الاقتصار لا من حيث حقيقته وذاته

 

 

وشرح هذا وبيانه أن ههنا صفات للرواة تقتضي قبول الرواية ولتلك الصفات درجات بعضها فوق بعض كالتيقظ والحفظ والإتقان مثلا

فوجود الدرجة الدنيا كالصدق مثلا وعدم التهمة بالكذب لا ينافيه وجود ما هو أعلى منه كالحفظ والإتقان فإذا وجدت الدرجة العليا لم يناف ذلك وجود الدنيا كالصحة مع الحسن فيصح أن يقال في هذا إنه حسن باعتبار وجود الصفة الدنيا وهي الصدق مثلا صحيح باعتبار الصفة العليا وهي الحفظ والإتقان

ويلزم على هذا أن يكون كل صحيح حسنا ويلتزم ذلك ويؤيده قولهم هذا حديث حسن في الأحاديث الصحيحة وهذا موجود في كلام المتقدمين انتهى كلامه

وقد يرد على هذا ما لو كان السند اتفق الناس على عدالة رواته ويجاب بندرة ذلك

واعلم أن العدالة والضبط إما أن ينتفيا في الراوي أو يجتمعا أو يوجد واحد منهما فقط فإن انتفيا فيه لم يقبل حديثه أصلا وإن اجتمعا فيه قبل وهو الصحيح المعتبر وإن وجدت العدالة وحدها دون الضبط قبل حديثه لعدالته وتوقف فيه لعدم ضبطه على شاهد منفصل يجبر ما فات من صفة الضبط وإن وجد فيه الضبط دون العدالة لم يقبل حديثه لأن العدالة هي الركن الأكبر في الرواية ثم كل واحد من

 

 

الضبط له مراتب عليا ووسطى ودنيا وتحصل بتركيب بعضها مع بعض مراتب الحديث في القوة فتنبه لذلك ترشد

الرابع تقسيم البغوي أحاديث المصابيح التي جمعها إلى صحاح وحسان مريدا بـ الصحاح ما في الصحيحين وبـ الحسان ما في أبي داود والترمذي وشبههما اصطلاح لا يعرف وليس الحسن عند أهل الحديث عبارة عن ذلك وهذه الكتب تشتمل على حسن وغيره

قلت قد التزم صاحب المصابيح بيانها فإنه قال بعد أن ذكر أنه يريد بـ الصحيح ما في كتب الشيخين وبـ الحسن ما أورده أبو داود والترمذي وغيرهما وما كان فيهما من ضعيف أو غريب أشرت إليه وأعرضت عن ذكر ما كان منكرا أو موضوعا

هذا لفظه ولا إيراد عليه في اصطلاحه إذا

الخامس كتاب الترمذي رحمه الله أصل في معرفة الحسن وهو الذي شهره

ويوجد متفرقا في كلام من قبله كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما

وتختلف النسخ منه في قوله حسن أو حسن صحيح فينبغي الاعتناء بمقابلة أصلك بجماعة أصول وتعتمد ما اتفقت عليه ونص الدارقطني في سننه على كثير من ذلك

 

 

ومن مظانه سنن أبي داود

روينا عنه أنه قال ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه

وروينا عنه أيضا ما معناه أنه يذكر في كل باب أصح ما عرفه في ذلك الباب

وقال ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض

فعلى هذا ما وجدناه في كتابه مطلقا وليس في واحد من الصحيحين ولا نص على صحته أحد معتمد فهو حسن عند أبي داود وقد يكون ذلك ما ليس بحسن عند غيره

قال ابن منده أبو داود يأخذ مأخذ النسائي في أن يخرج عن كل من لم يجمع على تركه ويخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه أقوى عنده من رأي الرجال

قلت وإنما اقتصر الشيخ على كونه حسنا عنده لأنه المحقق فلا يرد عليه اعتراض ابن رشيد بالصحة

واعترض شيخنا أبو الفتح اليعمري فقال عمل أبي داود شبيه

 

 

بعمل مسلم فهلا ألزم مسلم أيضا

جواب هذا أن مسلما التزم الصحة

ثم في كلام أبي داود السالف إشكال فإن في سننه أحاديث ظاهرة الضعف لم يبنها مع أنها متفق على ضعفها عند أهل الفن كالمرسل والمنقطع ورواية مجهول كشيخ ورجل ونحوه وقد قال وما كان في وهن شديد بينته

وأجاب النووي رحمه اله في كلامه على سننه بأنه ترك التنصيص على ضعف ذلك لظهوره

السادس كتب المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة وما جرى مجراها في الاحتجاج بها والركون إلى ما يورد فيها مطلقا كـ مسند أبي داود الطياليسي وعبيد الله بن موسى والإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وعبد بن حميد والدارمي كما عده ابن الصلاح لكنه على الأبواب وأبي يعلى والحسن بن سفيان والبزار وأشباهها فعادتهم فيها أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير مقيدين بالصحة فلهذا تأخرت رتبتها وإن جلت لجلالة مصنفيها عن مرتبة الكتب الخمسة وما التحق بها من الكتب المصنفة على الأبواب

السابع إذا كان راوي الحديث دون درجة أهل الحفظ والإتقان غير أنه من المشهورين بالصدق والستر وروي مع ذلك حديثه من غير

 

 

وجه فقد اجتمعت له القوة من الجهتين فيرتقي من درجة الحسن إلى الصحيح

مثاله حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة

فمحمد بن عمرو من المشهورين بالصدق والصيانة لكن لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته فحديثه من هذه الجهة حسن

فلما انضم إلى كونه روي من أوجه أخر زال بذلك ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه وأنجب به ذلك النقص اليسير فصح هذا الإسناد والتحق بدرجة الصحيح

الثامن إذا روي الحديث من وجوه ضعيفة مثل الأذنان من الرأس ونحوه فلا يلزم أن يتحصل من مجموعها وصفة بالحسن

101ب - ل إن كان ضعفه لضعف راويه الصدوق الأمين زال بمجيئه من وجه آخر وصار حسنا وكذا إذا كان ضعفه بالإرسال زال بمجيئه من وجه آخر

قلت وإن كانت الحجة لا تقوم بإسناده لكونه ضعيفا كما صرح به في المحصول

 

 

وإن كان ضعفه لتهمة الراوي بالكذب أو كون الحديث شاذا فلا ينجبر ذلك بمجيئه من وجه آخر

 

 

النوع الثالث

الضعيف

وهو كل حديث لم تجتمع فيه صفات الصحيح ولا الحسن ويتفاوت ضعفه كصحيح الصحيح

ومنه ماله لقب كـ الموضوع و المقلوب وغيرهما مما سيأتي

وهي كثيرة وأطنب أبو حاتم ابن حبان فبلغ أقسامه خمسين إلا واحد

والملحوظ فيما نورده من الألفاظ عموم أنواع علوم الحديث لا خصوص أنواع التقسيم التي فرغنا الآن من أقسامه

فرع إذا رأيت حديثا بإسناد ضعيف فلك أن تقول هذا ضعيف وتريد ضعف إسناده ولا يجوز أن تطلق وتريد ضعف متنه بناء على مجرد ضعف ذلك الإسناد فقد يكون مرويا بإسناد آخر صحيح

فإن قال إمام إنه لم يرو من وجه صحيح أو إنه حديث ضعيف مفسرا ضعفه جاز فإن أطلق فسيأتي الكلام عليه

فرع إذا أردت رواية الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه قال رسول

 

 

الله صلى الله عليه وسلم وما أشبهه من صيغ الجزم بل قل روي كذا أو بلغنا أو ورد أو جاء أو روى بعضهم وما أشبهه وكذا ما يشك في صحته وضعفه

فرع الضعيف لا يحتج به في الأحكام والعقائد

ويجوز روايته والعمل به في غير الأحكام كالقصص وفضائل الأعمال والترغيب والترهيب كذا ذكره النووي وغيره وفيه وقفة فإنه لم يثبت فإسناد العمل إليه يوهم ثبوته ويوقع من لا معرفة له في ذلك فيحتج به

وقل عن ابن العربي المالكي أن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقا

وقال الشيخ تقي الدين القشيري في شرح الإلمام يعمل به فيما ذكر من الفضائل ونحوها إذا كان ثم أصل شاهد لذلك كاندراجه في عموم أو قاعدة كلية وأما في غير ذلك فلا يحتج به

وحاصل ما ذكره أن العمل يكون بتلك القاعدة أو العموم وهذا مقو مرجح

ونقل عن أحمد أنه يعمل بالضعيف إذا لم يوجد غيره ولم يكن ثم ما يعارضه

وقال مرة اللضعيف عندنا أولى من القياس

وقد يحمل على الحسن فإن المتقدمين يطلقون عليه

 

 

الضعيف

فائدة لم يذكرها الشيخ أيضا وذكرها الحاكم وغيره

وهي الكلام على أوهى الأسانيد وهي نظير ما تقدم في أصح الأسانيد

فأوهى أسانيد أهل البيت عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن الحارث الأعور عن علي

 

 

وأوهى أسانيد الصديق صدقة الدقيقي عن فرقد السبخي عن مرة الطيب عن أبي بكر

وأوهى أسانيد العمريين محمد بن القاسم بن عبد الله بن عمرو بن حفص بن عاصم عن أبيه عن جده

فإن محمدا والقاسم وعبد الله لا يحتج بهم

وأوهى أسانيد أبي هريرة السري بن إسماعيل عن داود بن يزيد الأودي عن أبيه عن أبي هريرة

وأوهى أسانيد عائشة نسخة عند البصريين عن الحارث بن شبل عن أم النعمان عن عائشة

 

 

وأوهى أسانيد عبد الله بن مسعود شريك عن أبي فزارة عن أبي زيد عن عبد الله إلا أن أبا فزارة راشد بن كيسان كوفي ثقة

وأوهى أسانيد أنس بن مالك داود بن المحبر بن قحذم عن أبيه عن أبان بن أبي عياش عن أنس

وأوهى أسانيد المكيين عبد الله بن ميمون القداح عن شهاب بن خراش عن إبراهيم بن يزيد الخوزي عن عكرمة عن ابن عباس

وأوهى أسانيد اليمانيين حفص بن عمر العدني عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس

وأوهى أسانيد المصريين أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين عن أبيه عن جده عن قرة بن عبد الرحمن بن حيويل عن كل من روى عنه فإنها نسخة كبيرة

وأوهى أسانيد الشاميين محمد بن قيس المصلوب عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة

وأوهى أسانيد الخراسانيين عبد الله بن عبد الرحمن بم مليحة عن نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس

وابن مليحة ونهشل نيسابوريان

 

 

@ 108 @

 

 

النوع الرابع

المسند

قال الخطيب البغدادي هو عند أهل الحديث ما اتصل سنده إلى منتهاه وأكثر ما يستعمل فيما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره

وقال ابن عبد البر هو كل ما جاء عن الني صلى الله عليه وسلم خاصة متصلا كان أو منقطعا كمالك عن الزهري عن ابن عباس فإن الزهري لم يسمع من ابن عباس

وقال الحاكم لا يستعمل إلا في المرفوع المتصل وحكاه ابن عبد البر أيضا

فهذه ثلاثة أقوال مختلفة قلت وظاهر كلام صاحب الاقتراح ترجيح الأخير فإنه قال هو ما اتصل سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم حكى قول ابن عبد البر

 

 

وصرح به المحب الطبري في المعتصر من المخلص من كتاب ابن الصلاح هذا حيث قال المسند هو المرفوع المتصل وقيل المرفوع وإن لم يتصل وقيل المتصل وإن لم يرفع والأول أصح إذ لا تمييز إلا به

فائدة

الإسناد رفع الحديث إلى قائله

والسند الإخبار عن طريق المتن مأخوذ من السند وهو ما ارتفع وعلا عن سفح الجبل لأن المسند يرفعه إلى قائله ويجوز أن يكون مأخوذا من قولهم فلان سند أي معتمد فسمى الإخبار عن طريق المتن سندا لاعتماد النقاد في الصحة والضعف عليه

والمحدثون يستعملون السند والإسناد لشيء واحد

وفي أدب الرواية لحفيد القاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن جعفر يقال أسندت الحديث أسنده إسنادا وأشيده أشيده إشادة وعزوته وعزيته أعزوه وأعزيه عزوا وعزيا وذلك إذا رفعته تقول أسندت الشيء إلى الشيء إذا وصلته وجعلته عمادا له

ومنه قو الأعشى ... لو أسندت ميتا إلى صدرها ... عاش ولم ينقل إلى قابر ...

والأصل في الحرف راجع إلى المسند وهو الدهر

 

 

فيكون معنى إسناد الحديث اتصاله في الرواية اتصال أزمنة الدهر بعضها ببعض

فائدة ثانية

ما انتهى إليه السند من الكلام هو المتن

مأخوذ إما من المماتنة وهي المباعدة في الغاية لأن المتن السند

وإما من متنت الكبش إذا شققت جلدة بيضه واستخرجتها فكأن المسند استخرج المتن بسنده

وإما من المتن وهو ما صلب وارتفع من الأرض لأن المسند يقويه بالسند ويرفعه إلى قائله

وإما من تمتين القوس بالعصب وهو شدها به وإصلاحها لأن المسند يقوي الحديث بسنده

 

 

النوع الخامس

المتصل

ويسمى الموصول

وهو ما اتصل إسناده مرفوعا كان أو موقوفا

 

 

النوع السادس

المرفوع

وهو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة لا يقع مطلقه على غيره متصلا كان أو منقطعا أو مرسلا

وقال الخطيب هو ما أخبر به الصحابي عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو قوله

فخصصه بالصحابة فيخرج مرسل التابعي

 

 

النوع السابع

الموقوف

وهو المروي عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم قولا لهم أو فعلا أو نحوه متصلا كان أو منقطعا

ويستعمل في غيرهم مقيدا فيقال وقفه فلان على عطاء ونحوه

وموجود في اصطلاح الفقهاء الخراسانيين تعريف الموقوف باسم الأثر

قال الفوراني منهم الفقهاء يقولون الخبر ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والأثر ما يروى عن الصحابة

قلت وفي التقريب للنووي عن المحدثين أن كله يسمى أثرا

وأصل الأثر ما ظهر من مشي الشخص على الأرض قال زهير ... والمرء ما عاش ممدود له أمل ... لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأثر ...

وفي كفاية الخطيب من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جده

 

 

مرفوعا ما جاء عن الله فهو فريضة وما جاء عني فهو حتم كالفريضة وما جاء عن أصحابي فهو سنة وما جاء عن أتباعهم فهو أثر وما جاء عن دونهم فهو بدعة

فائدة

الخبر في الاصطلاح الأصولي هو المحتمل للتصديق والتكذيب

كذا حده الإمام في المحصول مرة وزيفه في باب الأخبار وقال إنه حد رديس لأن التصديق والتكذيب عبارة عن الإخبار عن كون الخبر صدقا أو كذبا فتعريفه ه دور

ثم قال والحق أن الخبر تصوره ضروري لا يحتاج إلى حد ولا رسم وهو منحصر في الصدق والكذب خلافا للجاحظ حيث أثبت بينهما واسطة

وينقسم إلى ما علم صدقة وإلى ما علم كذبه

ومحل الخوض في ذلك كتب الأصول فليراجع منه

 

 

النوع الثامن

المقطوع

وهو غير المنقطع الآتي ذكره إن شاء الله

وجمعه المقاطع والمقاطيع

وهو الموقوف على التابعي قولا له أو فعلا

والستعمله الشافعي ثم الطبراني في المنقطع

فروع

أحدهما قول الصحابي كنا نفعل أو كذا إن لم يضفه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم فهو موقوف وإلا فمرفوع على الصواب لأن الظاهر إطلاعه عليه وتقريرهم

وقال الإسماعيلي موقوف

قلت والحاكم والفخر الرازي لم يقيداه بعهده عليه السلام وجعلاه مرفوعا

 

 

قال ابن الصباغ في العدة وهو الظاهر ومثله قول عائشة كانت اليد لا تقطع في الشيء التافه

 

 

والآمدي أطلق ذلك ولم يقيده بعهده

وقال به كثير من الفقهاء كما حكاه النووي في شرح المهذب قال وهو قوي من حيث المعنى

قلت وإذا كان القصد الإطلاع فهو مرفوع قطعا كقول ابن عمر كنا نقول ورسول الله حي أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان ويسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينكره رواه الطبراني في أكبر معاجمه وأصله في لصحيح بدون إطلاعه عليه السلام على ذلك

 

 

صريحا

قال الشيخ ومن هذا القبيل قول الصحابي كنا لا نرى بأسا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا أو كان يقال على عهده كذا وكذا وكانوا يفعلون كذا وكذا في حياته فكل ذلك وشبهه مرفوع

 

 

وقول المغيرة كانوا يقرعون بابه بالأظافير مرفوع خلافا

 

 

@ 121 @

 

 

للحاكم والخطيب ولعلهما أرادا أنه موقوف لفظا مرفوع معنى لإطلاعه عليه الصلاة والسلام عليه

ونقل النووي في أوائل شرح مسلم في لفصول المعقودة قبل الخطبة عن جماعات في أصل المسالة أنه كان ذلك الفعل لا يخفى غالبا كان مرفوعا وإلا كان موقوفا كقول بعض الأنصار كنا نجامع فنكسل ولا نغتسل قال وبه قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي

 

 

@ 123 @

 

 

من الشافعية

وقال في القطعة التي له على البخاري إن ظاهر كلام كثيرين من المحدثين والفقهاء أنه مرفوع مطلقا قال وهو قوي فإنه ظاهره قلت وإذا قال التابعي كانوا يفعلون قال الغزالي فلا يدل على فعل جميع الأمة فلا حجة فيه إلا أن يصرح بنقل الإجماع وفي ثبوت الإجماع بخبر الواحد كلام

قلت بل هو خلاف مشهور واختار الغزالي أنه لا يثبت وهو

 

 

قول أكثر الناس واختار الرازي ثبوته وجزم المارودي به قال وليس آكد من سنة الرسول وهي تثبت به قال وسواء كان من أهل الاجتهاد أم لا قال أما إذا قال لا أعرف بينهم فيه خلافا فغن لم يكن من أهل الاجتهاد ولا ممن أحاط علما بالإجماع والاختلاف لم يثبت الأجماع بقوله وإن كان من أهل الاجتهاد فاختلف فيه أصحابنا فأثبت الإجماع به قوم ونفاه آخرون

الثاني قول الصحابي أمرنا بكذا ونهينا عن كذا أو من السنة كذا أو أمر بلال أن يشفع الأذان وما أشبهه كله مرفوع وقيل لا

ولا فرق بين أن يقول ذلك في حياة رسول الله وبعده

قلت وإن كان يحتمل إذا قاله بعده أن يكون الآمر أعرف بينهم أعرغأرأرعفوالناهي من أدركه من الخلفاء لكن احتمال إرادته رسول الله أظهر

وقد قال الشافعي في الأم في باب ما عدد كفن الميت بعد ذكر ابن عباس والضحاك ما نصه وابن عباس والضحاك بن قيس رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولان السنة إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

 

لكن نقل ابن داود من أصحابنا في شرحه للمختصر في كتاب الجنايات في باب أسنان الإبل عن الشافعي أنه كان يرى في القديم أن ذلك مرفوع إذا صدر من الصحابي أو التابعي ثم رجع عنه لأنهم قد يطلقون ويريدون به سنة البلد

لكن لما ذكر الشافعي عن سفيان عن أبي الزناد قال سئل سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال يفرق بينهما قال أبو الزناد قلت سنة فقال سعيد سنة قال أعني الشافعي والذي يشبه قول سعيد سنة أن يكون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

وحكى القاضي أبو الطيب وجهين لأصحابنا فيما إذا قال التابعي من السنة كذا أصحهما وأشهرهما أنه موقوف على بعض الصحابة وثانيهما أنه مرفوع مرسل

وقال الغزالي إذا قال التابعي أمرنا بكذا يحتمل أن يريد أمر الشارع أو أمر كل الأمة فيكون حجة ويحتمل أن يريد بعض الصحابة لكنه لا يليق بالعالم أن يطلق ذلك إلا وهو يريد من تجب طاعته

وفيه إشارة إلى أن فيه خلافا في أنه موقوف أو مرفوع مرسل

 

 

وجزم ابن الصباغ في العدة بأنه مرسل وحكى فيما إذا قال ذلك سعيد بن المسيب هل يكون حجة وجهين

فرع

إذا صرح الصحابي بالأمر كقوله أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا فلا خلاف وما حكاه صاحب العدة عن داود وبعض المتكلمين أنه لا يكون ذلك حجة حتى ينقل لنا لفظه غريب مردود

الثالث إذا قيل في الحديث عند ذكر الصحابي يرفعه أو ينميه أو يبلغ به أو رواية كحديث الأعرج عن أبي هريرة رواية تقاتلون قوما صغار الأعين الحديث وبه عن أبي هريرة يبلغ به قال الناس تبع لقريش الحديث فكل هذا وأمثاله مرفوع

وإذا قال الراوي عن التابعي يرفعه أو يبلغ به فمرفوع مرسل

الرابع تفسير الصحابي إن تعلق بسبب نزول آية أو نحوه مرفوع وإلا فموقوف

وأطلق الحاكم القول بأن تفسير الصحابي مرفوع وقال في

 

 

المستدرك ليعلم طالب العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند

 

 

النوع التاسع

المرسل

وهو قول التابعي الكبير كعبيد الله بن عدي بن الخيار وابن المسيب وأمثالهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعله

قلت عبيد الله هذا ذكره في الصحابة ابن حبان وأبو عمرو وابن منده

والمشهور التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك

وله صور اختلف فيها أهي من المرسل أم لا

إحداها إذا انقطع قبل التابعي واحد وأكثر

فقال الحاكم وغيره من المحدثين لا يسمى مرسلا بل الأول منقطع والثاني منقطع ومعضل

فإذا المرسل مخصوص بالتابعين

 

 

والأشهر في الفقه وأصوله أن الكل مرسل وبه قطع الخطيب قال إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما ما رواه تابعي التابعي عن رسول اله صلى الله عليه وسلم فيسمونه المعضل

قلت وسمى أبو نعيم الحافظ في مستخرجه التعليق مرسلا فقال في قول البخاري قال إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا رواه البخاري كذا مرسلا

وسمى أبو داود المنقطع مرسلا فقال في حديث خالد بن دريك عن عائشة في العورة هذا حديث مرسل لم يسمع خالد منها

الثانية قول الزهري وأبي حازم ويحيى بن سعيد الأنصاري وأشباههم من صغار التابعين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمشهور عند من خصه بالتابعي أنه مرسل كالكبير

وقيل ليس بمرسل بل منقطع لكونهم لم يلقوا من الصحابة

 

 

إلا الواحد والاثنين وأكثر روايتهم عن التابعين حكاه ابن عبد البر

قلت قوله كالواحد والاثنين كالمثال في قلة ذلك وإلا فالزهري قد رأى عدة من الصحابة وسمع منهم أنسا والسائب بن يزيد وسهل بن سعد ومحمود بن الربيع وأبا جميلة وأبا الطفيل وعبد الرحمن بن أزهر وربيعة بن عباد الأسلمي ورجلا من بلي له صحبة وعبد الله بن عامر بن ربيعة وعبد الله بن ثعلبة بن صعير وأبا أمامة ورأى ابن عمر ذكر الكل عبد الغني المقدسي في الكمال وأهمل مسعود بن الحكم ذكره ابن أبي حاتم وعبد الله بن سندر ذكره أبو نعيم وعبد الله بن الزبير والحسن والحسين وأم عبد الله الدوسية وأبا رهم ومروان وتمام بن العباس

 

 

وادعى الحاكم أن الزهري من كبار التابعين ولعل مراده في العلم وأما أبو حازم فروى عن جماعة من الصحابة أيضا منهم أبو

 

 

هريرة وابن الزبير وابن عمر والحسن بن علي

الثالثة إذا قيل في الإسناد فلان عن رجل أو عن شيخ عن فلان أو نحو ذلك

فقال الحاكم إنه لا يسمى مرسلا بل منقطعا وقال غيره مرسل

قلت وتبع الحاكم ابن القطان فقال إنه منقطع

وقال الإمام في البرهان وقول الراوي أخبرني رجل أو عدل موثوق به من المرسل أيضا

قال وكذا كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لم يسم حاملها

وفي المحصول إن الراوي إذا سمى الأصل باسم لا يعرف به فهو كالمرسل

وفي كلام غير واحد من المحدثين أنه متصل في إسناده مجهول وحكاه الـ رشيد ابن العطار في الغرر المجموعة عن الأكثرين

 

 

134 - 4وهو المختار ما لم يوجد مسندا بحال من وجه يصح

ثم المرسل ضعيف عند الجمهور كالشافعي خلافا لمالك وأبي حنيفة

قال مسلم في صدر كتابه المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة

نعم إن صح مخرج المرسل كمجيئه من وجه آخر مسندا أي وإن كان ضعيفا كما أسلفنا في آخر النوع الثاني أو مرسلا أرسله من أخذه من غير رجال الأول

قلت أو قول صحابي أو عوام أهل العلم كما قاله الشافعي

 

 

في الرسالة أو فعل صحابي أو بقياس أو بقول الأكثرين أو ينتشر من غير دافع أو يعمل به أهل العصر أو لا دلالة سواه كما قاله الشافعي في الجديد كما أفاده المارودي أو عرف أنه لا يرسل إلا عن عدل كان صحيحا ويتبين بذلك صحة المرسل أي وأنهما صحيحان لو عارضهما صحيح من طريق رجحناها عليه إذا تعذر الجمع

وفي هذا رد على من زعم أن الاعتماد حينئذ يقع على المسند دون المرسل

وقد احتج الشافعي بمرسل سعيد بن المسيب لأنها وجدت مسندة من وجوه أخر

قلت أو لأنه من كبار التابعين

وزعم بعض الحفاظ أنه أصح التابعين إرسالا

ولا يختص ذلك عنده بمرسل ابن المسيب

قلت وقوله في آخر باب الربا من المختصر عقب حديث سعيد بن المسيب أنه عليه السلام نهى عن بيع اللحم بالحيوان وذكر أثر أبي بكر فيه ومعه قول ثلاثة من التابعين غير سعيد إرسال ابن المسيب عندنا حسن

 

 

واختلف أصحابنا المتقدمون في معناه على وجهين حكاهما الشيخ أبو إسحاق والخطيب وغيرهما

أحدهما أن معناه أنه حجة عنده دون غيره لما سلف

وأصحهما أنها ليست حجة عنده كغيرها

قالوا وإنما رجح الشافعي بمرسله والترجيح بالمرسل جائز والشافعي إنما قال ذلك إثر حديث عضده قول الصديق مع جماعة من التابعين كما سلف لأن في مراسيل سعيد ما لم يوجد مسندا بحال من وجه يصح كما قال الخطيب في كتاب الفقيه والمتفقه قال وقد جعل الشافعي لمراسيل كبار التابعين مزية على غيرهم كما أستحسن مرسل سعيد

وذكر البيهقي أن لابن المسيب مراسيل لم يقبلها الشافعي حين لم

 

 

ينضم إليها ما يؤكدها ومراسيل لغيره قبلها حين انضم إليها ما يؤكدها انتهى كلامه

وقول الإمام أبي بكر القفال في شرح التلخيص قال الشافعي في الرهن مرسل ابن المسيب عندنا حجة محمول على ما أسلفناه

 

 

ثم هذا كله في مرسل غير الصحابي

أما مرسله وهي تسمية أصولية مثل ما يرويه ابن عباس وغيره م أحداث الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوه منه فمحكوم بصحته لأن روايتهم عن الصحابة والجهالة بهم لا تضر لأنهم عدول

قلت مراده بقوله لأن روايتهم عن الصحابة أي عن غالبهم وإلا فقد صنف الخطيب كتابا في رواية الصحابة عن التابعين فبلغ عددهم زيادة على العشرين لا جرم قد قيل إن مرسل الصحابي كمرسل غيره إلا أن تبين الرواية عن صحابي واختلف في سبب ذلك

فقال القرافي لاحتمال روايته عن صحابي قام به مانع كماعز وسارق رداء صفوان

وقيل لاحتمال روايته له عن تابعي كما أسلفناه

قال في المحصول فإذا تبين الصحابي بعد ذلك وسمى الأصل

 

 

الذي رواه عنه وجب قبوله أيضا

وما نقله المصنف عن الجمهور في منع قبول مرسل التابعي قد نقل الإمام في المحصول عن الجمهور قبوله فلا يخالف إذ مراد ابن الصلاح بالنسبة إلى المحدثين وكلام صاحب المحصول بالنسبة إلى الأصوليين

ونقل الآمدي قبوله عن أحمد أيضا واختاره

وبالغ بعضهم فجعله أقوى من المسند لأنه إذا أسنده فقد وكل

 

 

أمره إلى الناظر ولم يلتزم صحته

وذهب ابن الحاجب إلى قبوله من أئمة النقل دون غيرهم

وذهب عيسى بن أبان إلى قبول مراسيلهم ومراسيل تابعي التابعين وأئمة النقل مطلقا

وقال ابن عبد البر وغيره لا خلاف أنه ليس بحجة إذا كان المرسل لا يحترز ويرسل عن غير الثقات

 

 

النوع العاشر

المنقطع

وهو ما لم يتصل إسناده على أي وجه سواء كان يعزى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى غيره

وأكثر ما يستعمل في رواية من دون التابعي عن الصحابة كمالك عن ابن عمر

وقيل هو ما اختل فيه رجل قبل التابعي محذوفا كان أو مبهما كرجل

وقيل هو ما روي عن تابعي أو من دونه قولا له أو فعلا

وحديث عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع

 

 

عن حذيفة رفعه إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين الحديث إذا تأمل الحديثي إسناده وجد صورته صورة المتصل وهو منقطع في موضعين لأن عبد الرزاق لم يسمعه من الثوري وإنما سمعه من النعمان بن أبي شيبة الجندي عن الثوري ولم يسمعه الثوري أيضا من أبي إسحاق إنما سمعه من شريك عن أبي إسحاق

ومثال المبهم حديث أبي العلاء بن الشخير عن رجلين عن شداد بن أوس رفعه اللهم إني أسألك الثبات في الأمر قلت كذا وقع عن رجلين وصوابه عن رجل كما ذكره الحاكم في علومه

 

 

وكذا أخرجه الترمذي والنسائي وقالا عن رجل من بني حنظلة

قال بعضهم ويشبه أن يكون هذا الرجل هو المطلب بن عبد الله الحنظلي والله تعالى أعلم

 

 

@ 144 @

 

 

النوع الحادي عشر

المعضل

وهو ما سقط من إسناده اثنان فأكثر كمرفوع التابعي ورواية من دونه مرفوعا وموقوفا

ويسمى منقطعا أيضا

 

 

فكل معضل منقطع ولا عكس

وقوم يسمونه مرسلا كما سلف

وأصحاب الحديث يقولون أعضله فهو معضل بفتح الضاد وهو اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة

وبحثت فوجدت له قولهم أمر عضيل أي مغلق شديد ولا التفات في ذلك إلى معضل بكسر الضاد وإن كان مثل عضيل في المعنى

وذكر بعضهم أن قول الراوي بلغني كقول مالك بلغني عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال للمملوك طعامه وكسوته الحديث يسمى معضلا عند أصحاب الحديث

قلت وقد وصله الدارقطني في غرائبه والخطيب في كفايته فقالا من طريق مالك حدثني ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة

 

 

وقول المصنفين من الفقهاء وغيرهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ونحو ذلك كله من قبيل المعضل لما تقدم وسماه الخطيب أبو بكر في بعض كلامه مرسلا وهو مذهب كما سلف

وإذا روى تابع التابعي عن التابعي حديثا وقفه عليه وهو عند ذلك التابعي مرفوع متصل فهو نوع من المعضل قاله الحاكم

مثاله ما رويناه عن الأعمش عن الشعبي قال يقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا فيقول ما عملته فيختم على فيه فقد أعضله الأعمش وهو عند الشعبي عن أنس مرفوعا متصلا

 

 

وهذا جيد حسن لأن هذا الانقطاع بواحد مضموما إلى الوقف يشتمل على الانقطاع باثنين الصحابي ورسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك باستحقاق اسم الإعضال أولى

فائدة قال الجورقاني في أول الموضوعات المعضل عندنا أسوأ حالا من المنقطع والمنقطع عندنا أسوأ حالا من المرسل والمرسل عندنا لا تقوم به حجة

فروع

أحدهما الإسناد المعنعن كـ فلان عن فلان

قيل إنه من قبيل المرسل والمنقطع حتى يتبين اتصاله بغيره

والصحيح وادعى أبو عمرو الداني الإجماع عليه أنه من قبيل المتصل بشرط أن لا يكون المعنعن مدلسا وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضا

وفي اشتراط ثبوت اللقاء وطول الصحبة ومعرفته بالرواية عنه مذاهب

أحدها لا يشترط شيء من ذلك ونقل مسلم في مقدمة صحيحه

 

 

الإجماع عليه

وثانيهما يشترط ثبوت اللقاء وحده وهو قول البخاري والمحققين وثالثهما يشترط طول الصحبة

ورابعها يشترط معرفته بالرواية عنه

وكثر في هذه الأعصار استعمال عن في الإجازة فإذا قال أحدهم قرأت على فلان عن فلان أو نحو ذلك فظن به أنه رواه عنه بالإجازة ولا يخرجه ذلك من قبيل الاتصال

الثاني اختلف في قولهم إن فلانا قال كذا

كقولهم مالك عن الزهري أن سعيد بن المسيب قال كذا

فالأصح أن وعن سواء بالشرط المتقدم

قلت ولغة بني تميم إبدال العين من الهمزة

وقال أحمد وجماعة يكون منقطعا حتى يتبين السماع

الثالث التعليق الذي يذكره الحميدي وغيره في أحاديث من كتاب البخاري وسبقهم باستعماله الدارقطني صورته صورة الانقطاع وليس حكمه حكمه بل له حكم الصحيح كما تقدم في نوع الصحيح ولا التفات إلى ابن حزم الظاهري في رده حديث البخاري

 

 

في المعازف والحرير والحر بالانقطاع فإنه أخطأ من وجوه

والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح

والبخاري قد يفعل مثل ذلك لكون الحديث معروفا من جهة الثقات عن ذلك الشخص الذي علقه عنه وقد يفعل ذلك لكونه قد ذكر الحديث في موضع آخر من كتابه مسندا متصلا وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع

ثم إن لفظ التعليق وجدته يستعمل فيما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر

واستعمله بعضهم في حذف كل الإسناد كقوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو قال ابن عباس أو عطاء أو غير كذا

وقال أ [ و جعفر بن حمدان النيسابوري كل ما قال البخاري قال لي فلان فهو عرض ومناولة

 

 

وخالف بعض متأخري أهل المغرب فقال هذا لم يذكره البخاري على وجه الاحتجاج بل على ووجه الاستشهاد

ولم أجد لفظ التعليق مستعملا فيما سقط بعض رجال إسناده من وسطه أو من آخره ولا في غير صيغة الجزم كـ يروى ويذكر وشبههما وكأن هذا التعليق مأخوذ من تعليق الجدار والطلاق ونحوه لما يشترك الجميع فيه من قطع الاتصال

الرابع الحديث الذي رواه بعض الثقات مرسلا وبعضهم متصلا

كحديث لا نكاح إلا بولي أرسله شعبة وسفيان فروياه عن أبي إسحاق عن أبي بردة مرفوعا ووصله إسرائيل بن يونس في آخرين عن جده أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه مرفوعا

فالحكم لمن أسنده إذا كان عدلا ضابطا سواء خالف واحدا أو جماعة كذا صححه الخطيب وهو الصحيح في الفقه وأصوله

وقد حكم البخاري لمن وصل هذا الحديث وقال الزيادة من

 

 

الثقة مقبولة

قال هذا مع أن من أرسله شعبة وسفيان وهما جبلان في الحفظ

وقيل الحكم للمرسل

ونقله الخطيب عن أكثر المحدثين

أي لأن الإرسال جرح مقدم كذا علله المحب الطبري

قال ومن قدم المتصل يقول إنما قدم الجرح لأن الجارح معه زيادة علم والزيادة هنا مع المتصل

وقيل للأكثر

 

 

وقيل للأحفظ فإذا كان من أرسله أحفظ ممن وصله فالحكم لمن أرسله

ثم لا يقدح ذلك في عدالة من وصله وأهليته

وقيل من أسند حديثا قد أرسله الحفاظ فإرسالهم له يقدح في مسنده وفي عدالته وأهليته

ويلتحق بهذا ما لو وصله هو أو رفعه في وقت وأرسله ووقفه في وقت أو وقفه بعضهم ورفعه بعضهم فالحكم على الأصح في كل ذلك لما زاده الثقة من الوصل والرفع لأنه مثبت وغيره ساكت

ولو كان نافيا فالمثبت مقدم عليه لأنه علم ما خفي عليه

ولهذا الفرع تعلق بفصل زيادة الثقة في الحديث وسيأتي إن شاء الله تعالى

 

 

النوع الثاني عشر

معرفة التدليس وحكم المدلس

التدليس قسمان

أحدهما تدليس الإسناد

بأن يروي عمن لقيه أو عاصره ما لم يسمعه منه موهما سماعه قائلا قال فلان أو عن فلان ونحوه وربما لم يسقط شيخه وأسقط غيره

قلت في جامع الترمذي من حديث ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة مرفوعا لا نذر في معصية وكفارته يمين ثم قال هذا حديث لا يصح لأن الزهري لم يسمعه من أبي سلمة سمعت محمدا يقول روي عن غير واحد منهم موسر بن عقبة وابن أبي عتيق عن الزهري عن سليمان بن أرقم عن يحيى بن أبي كثير

 

 

عن أبي سلمة عن عائشة مرفوعا قال محمدا والحديث هو هذا

الثاني تدليس الشيوخ

بأن يسمي شيخه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كيلا يعرف

مثاله ما فعله أبو بكر بن مجاهد المقرئ الإمام حيث قال حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله يريد به عبد الله بن أبي داود السجستاني

وقال حدثنا محمد بن سند يريد به النقاش المفسر نسبه إلى جد له

 

 

قلت ومن أمثلته ما فعله الخطيب الحافظ حيث قال حدثنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي ومرة الروياني وهو هو

وقال حدثنا علي بن أبي علي المعدل ومرة البصري وهو هو

وقال حدثنا محمد بن أبي الحسن الساحلي ومرة الشيرازي وهو هو

وغير ذلك

أما الأول فمكروه جدا ذمه أكثر العلماء

 

 

وكان شعبة من أشدهم ذما له فقال مرة التدليس أخو الكذب وقال مرة أخرى لأن أزني أحب إلي من أن أدلس

وهذا منه إفراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير

ثم اختلفوا في قبول رواية من عرف بهذا التدليس فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحا بذلك وقالوا لا تقبل روايته بحال وإن بين السماع

والصحيح التفصيل فما رواه بلفظ محتمل لم يتبين فيه السماع والاتصال حكمه حكم المرسل وأنواعه وما بينه فيه كـ سمعت وحدثنا وأخبرنا وشبهها فمقبول محتج به

وفي الصحيحين وغيرهما من هذا الضرب كثير جدا كـ قتادة

 

 

والأعمش والسفيانين وهشيم بن بشير وغيرهم

وهذا لأن التدليس ليس كذبا وإنما هو ضرب من الإيهام بلفظ محتمل

والحكم بأنه لا يقبل من المدلس حتى يبين أجراه الشافعي فيمن عرفناه دلس مرة

قلت وما كان في الصحيحين وشبههما عن المدلسين بـ عن فمحمول على ثبوت السماع م جهة أخرى

وأما الثاني فأمره أخف وفيه تضييع للمروي عنه وتوعير لطريق معرفته على من يطلب الوقوف على حاله وأهليته

 

 

ويختلف الحال في كراهيته بحسب الغرض الحامل عليه فقد يحمله على ذلك كون شيخه الذي غير سمته غير ثقة أو كونه متأخر الوفاة قد شاركه في السماع منه جماعة دونه أو كونه أصغر سنا من الراوي عنه أو كونه كثير الرواية عنه فلا يحب الإكثار من ذكر شخص واحد على صورة واحدة وتسمح بذلك جماعة من الرواة المصنفين منهم الخطيب فقد كان لهجا به في تصانيفه

قلت كما أسلفناه عنه

ومن مقاصد المتأخرين في التدليس أن يذكروا لفظا مشتركا يطلق في المشهور على غير الموضع الذي أراده كما إذا قال حدثني فلان بالعراق يريد بـ إخيم أو بـ زبيد يريد موضعا بـ قوص أو بـ حلب يريد موضعا متصلا بـ القاهرة أو بـ ما وراء النهر ويريد أنه انتقل من أحد جانبي بغداد إلى الآخر والنهر دجلة

فهذا كله إذا كان صحيحا في نفس الأمر فليس بكذب إنما المقصود منه الإغراب

وقد يكون التدليس خفيا جدا ولذلك مثالان

أحدهما أنهم اختلفوا في سماع الحسن من أبي هريرة فورود في

 

 

بعض الروايات عن الحسن حدثنا أبو هريرة فقيل إنه أراد حدث أهل بلدنا وهذا إن لم يقم دليل قاطع على أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة لم يجز أن يصار إليه

 

 

الثاني قول أبي إسحاق ليس أبو عبيدة ذكره ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه فظاهره أن المراد سمعه من عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه بعدوله عن أبي عبيدة

 

 

فقيل إنه تدليس كما لو قال ابتداء عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه ولم يقل قبله ليس أبو عبيدة ذكره نبه على ذلك صاحب الاقتراح

 

 

قال ولتدليس مفسدة وفيه مصلحة

أما مفسدته فإنه قد يخفى ويصير الراوي مجهولا يسقط العمل بالحديث لكون الراوي مجهولا عند السامع مع كونه عدلا معروفا في نفس الأمر وهذه جناية عظمى ومفسدة كبرى وأما مصلحته فامتحان الأذهان في استخراج التدليسات وإلقاء ذلك إلى من يراد اختبار حفظه ومعرفته بالرجال

ووراء ذلك مفسدة أخرى يراعيها أرباب الصلاح والقلوب وهو ما في التدليس من التزين وقد تنبه لذلك ياقوتة العلماء المعافى بن عمران الموصلي وكان من أكابر العلماء والصلحاء

وينبغي أن يتنبه بعد ذلك لأمر مهم وهو أن ثم تدليس لهم خاص يعرف بـ تدليس التسوية وهو لا يختص بشيخ المدلس بل بشيخ شيخه

 

 

وقد رمي بذلك الوليد بن مسلم وبقية بن الوليد

مثاله أن يكون بين الأوزاعي ونافع مثلا من ضعف مع أن الأوزاعي روى عن نافع فيسقط بقية الضعيف ويروي الحديث عن الأوزاعي عن نافع

فتنبه لذلك

وفي كلام الشيخ في أول النوع إشارة إلى هذا

 

 

النوع الثالث عشر

معرفة الشاذ

وهو عند الشافعي وجماعة م علماء الحجاز ما روى الثقة مخالفا لرواية الناس لا أن يروي ما لا يروي غيره

قال الخليلي والذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة أو غيره فما كان عن غير ثقة فمتروك وما كان عن ثقة توقف عيه ولا يحتج به

وقال الحاكم هو ما انفرد به ثقة وليس له أصل بمتابع

وذكر أنه يغاير المعلل من حيث أن المعلل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه والشاذ لم يوقف فيه على علة كذلك

وما ذكراه أعني الخليلي والحاكم يشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط كحديث إنما الأعمال بالنيات فإنه حديث فرد تفرد به

 

 

عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تفرد به عن عمر علقمة بن وقاص ثم عن علقمة محمد بن إبراهيم ثم عنه يحيى بن سعيد على ما هو الصحيح عند أهل الحديث

وأوضح منه حديث النهي عن بيع الولاء وعن هبته

تفرد به عبد الله بن دينار عن ابن عمر

 

 

@ 167 @

 

 

وحديث مالك عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر

تفرد به مالك عن الزهري

فكل هذه مخرجة في الصحيحين مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد تفرد به ثقة

وفي غرائب الصحيح أشباه لذلك غير قليلة

وقد قال مسلم لزهري نحو تسعين حرفا يرويه كذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيه أحد بأسانيد جياد

 

 

والصواب التفصيل

وهو أن الراوي إذا انفرد بشيء فإن كان مخالفا لما رواه منهو أحفظ منه وأضبط كان تفرده شاذا مردودا وإن لم يكن مخالفا لغيره فإن كان المنفرد عدلا حافظا موثوقا بضبطه قبل تفرده وكان صحيحا كما سبق من الأمثلة وإن لم يكن موثوقا بضبطه لكن غير بعيد من درجة الحافظ الضابط كان حديثه حسنا وإن كان بعيدا من ذلك كان تفرده شاذا منكرا

فحصل من هذا أن الشاذ المردود هو الفرد المخالف والفرد الذي ليس في راوية من الثقة والضبط ما يجبر تفرده

مثال الحديث الفرد المخالف

ما رواه أبيض بن أبان الثقفي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا من كان مصليا فليصل قبلها أربعا وبعدها أربعا يعني الجمعة

تفرد بها أبيض

 

 

ومثال ما رواه غير الموثوق بحفظه وإتقانه منفردا به

حديث ابن عباس في التقاء الخضر وإلياس كل عام

 

 

قال الدارقطني لم يحدث به غير الحسن بن رزين عن ابن جريج عن عطاء عنه

قلت وهو صاحب مناكير

ومثال البعد من درجة الحافظ الضابط المقبول

حديث أبي سعيد الخدري في الدعاء بعد الوضوء بـ سبحانك اللهم وبحمدك

 

 

@ 172 @

 

 

@ 173 @

 

 

@ 174 @

 

 

@ 175 @

 

 

قال الدارقطني تفرد به عيسى بن شعيب

ومثال ما تفرد به الحافظ الضابط المقبول

كحديث مالك عن الزهري عن أنس أنه عليه السلام دخل مكة وعلى رأسه المغفر

فإن مالكا تفرد به عن الزهري كما سلف

ومثال المتفرد الذي هو غير بعيد من درجة الحافظ الضابط وتفرده حسن

 

 

حديث واثلة مرفوعا المرأة تحوز ثلاثة مواريث

رواه ق ت وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن حرب على هذا الوجه

 

 

@ 178 @

 

 

النوع الرابع عشر

معرفة المنكر

قال البرديجي الحافظ هو الفرد الذي لا يعرف متنه من غير روايته لا من الوجه الذي رواه منه ولا من غيره

وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث

 

 

والصواب فيه التفصيل الذي بيناه في الشاذ

 

 

فمثال القسم الأول وهو الفرد المخالف لما رواه الثقات

رواية مالك عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمر بن عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم

فخالف مالك غيره من الثقات في قوله عمر بن عثمان وإنما هو عمرو

قال مسلم في تمييزه كل من رواه من أصحاب الزهري قال فيه عمرو وذكر أن مالكا كان يشير بيده إلى دار عمر بن عثمان كأنه علم أنهم يخالفونه

وعمر أخو عمرو غير أن هذا الحديث إنما هو عن عمرو بفتح العين

وحكم مسلم وغيره على مالك بالوهم فيه

قلت على أن ابن المبارك ومعاوية بن هشام روياه عن مالك

 

 

كالجماعة ورواه يحيى بن بكير ورواه يحيى بن بكير في موطئه على الشك فقال عن عمرو أو عمر بن عثمان لكن قال النسائي الصواب عن مالك فيه عمر ولا نعلم أحدا تابعه على ذلك

والمراد بالنكارة السند لا المتن

نعم حديث أنس أنه عليه السلام كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه منكر كما قال أبو داود وفيه نظر

 

 

@ 183 @

 

 

ومثال القسم الثاني وهو الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يجبر تفرده

حديث أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كلوا البلح بالتمر

 

 

فإن الشيطان إذا رأى ذلك غاظه ويقول عاش ابن آدم حتى أكل الجديج بالخلق

 

 

تفرد به أبو زكير وهو شيخ صالح أخرج له مسلم غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده

قلت إنما أخرج له مسلم في المتابعات لا في الأصول

وذكر ابن الجوزي الحديث المذكور في موضوعاته

وقال النسائي حديث منكر

وقال الحاكم هو من أفراد البصريين عن المدنيين

والله أعلم

 

 

النوع الخامس عشر

معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد

وهي أمور يتداولونها في نظرهم في حال الحديث هل تفرد به راويه أم لا وهل هو معروف أولا

أما الاعتبار

فمثاله ما ذكره ابن حبان أن يروي حماد بن سلمة حديثا لا يتابع عليه عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم

فينظر هل رواه ثقة غير أيوب عن ابن سيرين

فإن وجد علم أن للخبر أصلا يرجع إليه وإن لم يوجد ذلك فثقة غير ابن سيرين عن أبي هريرة وإلا فصحابي غير أبي هريرة رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأي ذلك وجد علم أن للحديث أصلا يرجع إليه وإلا فلا

وأما المتابعة

فمثل أن يروي ذلك الحديث بعينه عن أيوب غير حماد وهي المتابعة التامة

 

 

فإن لم يروه أحد غيره عن أيوب لكن رواه بعضهم عن ابن سيرين أو عن أبي هريرة أو رواه غير أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك قد يطلق عليه اسم المتابعة أيضا لكن تقصر عن المتابعة الأولى بحسب بعدها منها

ويجوز أن يسمى ذلك بالشاهد أيضا

وأما الشاهد

فأن يروى حديث آخر بمعناه ولم يرو الأول بوجه من الوجوه فهذا يسمى شاهدا من غير متابعة

فإن لم يرو أيضا بمعناه حديث آخر فقد تحقق فيه التفرد المطلق حينئذ

وينقسم عند ذلك إلى

مردود منكر وغير مردود كما سلف

وإذا قالوا في مثل هذا تفرد به أبو هريرة وتفرد به عن ابن سيرين أيوب وتفرد به عن أيوب حماد بن سلمة كان في ذلك إشعار بانتفاء وجوه المتابعات فيه

ثم اعلم أنه يدخل في المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج بحديثه وحده بل يكون معدودا في الضعفاء

 

 

وفي الصحيحين جماعة من الضعفاء ذكروا في المتابعات والشواهد

وليس كل ضعيف يصلح لذلك ولهذا يقول الدارقطني وغيره في الضعفاء فلان يعتبر به وفلان لا يعتبر به

مثال المتابع والشاهد

حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به

ورواه ابن جريج عن عمرو عن عطاء ولم يذكر الدباغ

فذكر البيهقي لحديث ابن عيينة متابعا وشاهدا

أما المتابع فإن أسامة بن زيد تابعه عن عطاء عن ابن عباس أن

 

 

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا نزعتم جلدها فدبغتموه فانتفعتم به

وأما الشاهد فحديث عبد الرحمن بن وعلة عن ابن عباس رفعه أيما إهاب دبغ فقد طهر

والله أعلم

 

 

النوع السادس عشر

معرفة زيادات الثقات وحكمها

وهو فن لطيف تستحسن العناية به

وقد كان أبو بكر بن زياد النيسابوري وأبو نعيم الجرجاني وأبو الوليد القرشي الأئمة مذكورين بمعرفة زيادات الألفاظ الفقهية

ومذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين قبول زيادة الثقة مطلقا

قلت وادعى ابن طاهر في مسألة الانتصار الاتفاق عليه

وشرط الصيرفي والخطيب كون من رواها حافظا

وابن الصباغ في العدة أن لا يكون من نقلها واحد ومن أسقطها

 

 

جماعة لا يجوز عليهم الوهم فإن كان كذلك سقطت

وقال ذاك فيما إذا روياه في مجلس واحد فإن كانا في مجلسين كانا خبرين وعمل بهما

وقيل لا مطلقا

وقيل إن زادها غير من رواه ناقصا قبلت وإلا فلا

وقال ابن الصباغ في العدة إذا زاد ثانيا فإن تعدد المجلس قبلنا وإلا فإن ادعى نسيانها قبلت وإلا توقف

وحكى عن بعض المتكلمين أنه إن كانت الزيادة مغيرة للإعراب تعارضا وإلا قبلت

وقيل لا تقبل إلا إذا أفادت حكما

وقيل تقبل في اللفظ دون المعنى

حكاهما الخطيب

قال الشيخ تقي الدين ابن الصلاح

وقد رأيت تقسيم ما ينفرد به الثقة ثلاثة أقسام

أحدهما زيادة تخالف الثقات فترد كما سبق في نوع الشاذ

ثانيهما مالا مخالفة فيه كتفرد بجملة حديث فتقبل

 

 

وقد ادعى الخطيب فيه اتفاق العلماء

وقد سبق مثاله في نوع الشاذ

ثالثهما زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر رواته

كحديث جعلت لنا الأرض مسجدا طهورا تفرد أبو مالك الأشجعي فقال وتربتها طهورا

 

 

@ 194 @

 

 

0

 

 

0 فهذا يشبه القسم الأول من حيث أن ما رواه الجماعة عام وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف به الحكم

ويشبه أيضا القسم الثاني من حيث أنه لا منافاة بينهما

قال النووي والصحيح قبول هذا الأخير

ومثله الشيخ أيضا بزيادة مالك عن نافع عن عمر في حديث الفطرة من المسلمين ونقل عن الترمذي أنه تفرد بها من بين

 

 

الثقات وأن عبيد الله بن عمر وأيوب وغيرهما رووا هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر بدون هذه الزيادة

واعترض عليه النووي فقال لا يصح التمثيل به فقد وافق مالكا

 

 

عمر بن نافع أي في البخاري والضحاك بن عثمان أي في مسلم

قلت ووافقه عشرة أنفس أيضا

أولهم عبيد الله بن عمر

 

 

@ 199 @

 

 

@ 200 @

 

 

@ 201 @

 

 

ثانيهم كثير بن فرقد

كلاهما عن نافع صححهما الحاكم

ثالثهم المعلى بن إسماعيل

صححه ابن حبان

 

 

رابعهم عبد الله بن عمر العمري

رواه الدارقطني في سننه وابن الجارود في منتقاه

خامسهم أيوب بن أبي تميمة

صححه ابن خزيمة

 

 

سادسهم ابن أبي ليلى

 

 

رواه الدارقطني في سننه

سابعهم يونس بن يزيد

رواه الطحاوي في مشكله وذكره الدارقطني في سننه

ثامنهم وتاسعهم وعاشرهم يحيى بن سعيد وموسى بن عقبة وأيوب بن موسى روى حديثهم البيهقي

 

 

فهؤلاء اثنا عشر نفسا تابعوا مالكا فاستفده فإنه من المهمات

وقول الترمذي إن عبيد الله بن عمر وأيوب روياه بدون هذه الزيادة فيه نظر فقد علمت أنهما روياه بها

ثم اعلم بعد ذلك أن أهل الأصول قسموا المسألة تقسيما حسنا غير ما سلف فقالوا

إذا زاد أحد الرواة وتعدد المجلس قبلت الزيادة وإن اتحد وجاز الذهول على الآخرين ولم يغير إعراب الباقي فكذلك خلافا لأبي حنيفة

وإن لم يجز الذهول لم تقبل

207و - إن غير الإعراب مثل في أربعين شاة شاة وروى الآخر نصف شاة طلب الترجيح

فإن جهل الاتحاد والتعدد فالحكم كما في الاتحاد

قاله الآمدي

وأما فشرط في القبول مع ما ذكرناه أن لا يكون الممسك عن الزيادة أضبط من الراوي لها وأن لا يصرح بنفيها فإن صرح به فقال إنه عليه السلام وقف على قوله ذكر أو أنثى في حديث الفطرة ولم يأت بعده بكلام آخر مع انتظاري له فإنهما متعارضان ونص الشافعي على قبول الزيادة من غير تعرض لهذه الشروط وممن نقله عنه إمام الحرمين في برهانه

وفصل بعضهم فقال إن كان راوي الزيادة واحدا والساكت عنها أيضا واحدا قبلت وإن كان جماعة فلا

واختار الأبياري شارح البرهان أن الراوي إن اشتهر بنقل

 

 

الزيادات في وقائع فلا تقبل روايته لأنه متهم وإن كان على سبيل الشذوذ قبلت

قال ابن الحاجب وإذا أسند الحديث وأرسلوه أو رفعه ووقفوه أو وصله وقطعوه فحكمه حكم الزيادة في التفصيل السالف

قالوا وإذا زاد الراوي الواحد في الحديث مرة وحذف أخرى والحال كما تقدم من اتحاد المجلس والإعراب فالاعتبار بكثرة المرات إلا أن يقول الراوي سهوت فيها ثم تذكرت فيأخذ بالأقل فإن تساويا فبالزيادة

والله أعلم

 

 

النوع السابع عشر

معرفة الأفراد

وقد سبق بيان المهم م هذا النوع في الأنواع التي تليه قبله لكن أفردته بترجمة تبعا للحاكم ولما بقي منه فنقول

الأفراد قسمان

أحدهما فرد عن جميع الرواة وقد تقدم

والثاني فرد بالنسبة إلى جهة خاصة وهو قريب من الأول

ومثل ما يقال فيه هذا حديث تفرد به أهل مكة أو الشام أو فلان عن فلان أو أهل البصرة عن أهل الكوفة وشبه ذلك

وليس في هذا ما يقتضي الحكم بضعف الحديث إلا أن يراد بتفرد المدنيين مثلا انفراد واحد منهم فتكون إضافته إليهم كإضافة الواحد من القبيلة إليها مجازا فيكون كالقسم الأول

قلت وقسم الحاكم هذا النوع ثلاثة أقسام

أحدهما ما تفرد به أهل مدينة عن صحابي

 

 

وثانيهما ما تفرد به رجل واحد عن إمام من الأئمة

ثالثهما ما تفرد به أهل مدينة عن أخرى

والله أعلم

 

 

النوع الثامن عشر

معرفة المعلل

ويسميه أهل الحديث المعلول

وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس العلة والمعلول مرذول عند أهل اللغة والعربية

قلت وقال النووي إنه لحن وينبغي أن يقال فيه المعل كما عبر به بعضهم والفعل منه أعل فهو معل قياسا

قال ابن سيده في محكمه استعمل أبو إسحاق لفظ المعلول في المتقارب من العروض

قال والمتكلمون يستعملون لفظ المعلول في مثل هذا كثير

قال وبالجملة فلست فيها على ثقة ولا ثلج لأن المعروف أعله الله فهو معل اللهم إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه من قولهم مجنون ومسلول من أنهما جاءا على جننته وسللته وإن لم يستعملا في الكلام استغني عنهما بـ أفعلت قالوا وإذا قالوا جن

 

 

وسل فإنما يقولون جعل فيه الجنون والسل كما قالوا حرق ونسل

وهذا النوع من أجل علوم الحديث وأدقها وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب

وهي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه

فالحديث المعل هو الحديث الذي يطلع على علة قادحة تقدح في صحته مع أن ظاهرة السلامة منها ويتطرق ذلك إلى الإسناد الجامع شروط الصحة ظاهرا

ويستعان على إدراكها بـ

تفرد الراوي

وبمخالفة غيره له

مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهم واهم بغير ذلك بحيث يغلب على ظنه ذلك فيحكم به أو يتردد فيتوقف فيه

وكل ذلك مانع من الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه

وكثيرا ما يعللون الموصول بالمرسل مثل أن يجيء الحديث

 

 

بإسناد موصول ويجيء أيضا بإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جمع طرقه

قلت وذكر ابن خشيش في كتابه علوم الحديث أن المعلل أن يروي عمن لم يجتمع به إما بطريق التاريخ كما تقدم كمن تتقدم وفاته عن ميلاد من يروي عنه وإما بطريق الجهة بأن يروي الخراساني عن المغربي ولم ينقل أن الخراساني انتقل من خراسان ولا أن المغربي انتقل من المغرب

وهذا يرجع إلى قول الشيخ أو إرسال في الموصول

قال الخطيب البغدادي والسبيل إلى معرفة علة الحديث أن تجمع طرقه وينظر في اختلاف رواته ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط

قال علي بن المديني إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه

ثم قد تقع العلة في الإسناد وهو الأكثر وقد تقع في المتن

 

 

ثم ما يقع في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعا كما في التعليل بالإرسال والوقف وقد يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعا كما في التعليل بالإرسال والوقف وقد يقدح في صحة الإسناد خاصة من غير قدح في المتن كحديث الثقة يعلى بن عبيد عن الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار الحديث فهذا إسناد متصل بنقل العدل عن العدل وهو معلل غير صحيح والمتن على كل حال صحيح والعلة في قوله عن عمرو بن دينار إنما هو عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان عنه فوهم يعلى بن عبيد وعدل عن عبد الله بن دينار إلى عمرو بن دينار وكلاهما ثقة

 

 

ومثال العلة في المتن

ما انفرد مسلم بإخراجه في حديث أنس من اللفظ المصرح بنفي قراءة البسملة

فعلل قوم رواية اللفظ المذكور لما رأوا الأكثرين إنما قالوا فيه فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين من غير تعرض لذكر

 

 

البسملة وهو الذي اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في الصحيح

ورأوا أن من رواه باللفظ المذكور رواه بالمعنى الذي وقع له ففهم من قوله كانوا يستفتحون بالحمد أنهم كانوا لا يسلمون فرواه على ما فهم وأخطأ لأن معناه أن السورة التي كانوا يستفتحون بها من السور هي الفاتحة وليس فيها تعرض لذكر البسملة

قلت ورواه أحمد والنسائي بلفظ لا يجهرون مكان لا يقرأون

قال المحب الطبري وإسناده صحيح

 

 

قال الشيخ وانضم إلى ذلك أمور منها

أنه ثبت عن أنس أنه سئل عن الافتتاح بالبسملة فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قلت و في إسناده أيضا علة خفية وهي أن مسلما رواه عن محمد بن مهران حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي عن عبده أن عمر كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك

وعن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك أنه حدثه قال صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها

 

 

وأخرجه البخاري إلى قوله رب العالمين

ثم قال مسلم حدثنا محمد بن مهران حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال أخبرني إسحاق بنم عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يذكر انتهى

وفيه علتان

الأولى أن في إسناده كتابة لا يعلم من كتبها ولا من حملها وقتادة ولد أكمه

الثانية أنه استحمل على عنعنة مدلس وهو الوليد ولا ينفعه تصريحه بالتحديث فإنه اشتهر بتدليس التسوية وهو أن لا يدلس شيخ نفسه ولكن شيخ شيخه

فهذا المثال الذي ذكره ابن الصلاح رحمه الله للمتن يصلح أن يكون مثالا للعلة في الإسناد أيضا كما قررته وهو مهم عزيز

 

 

وقول ابن الجوزي في تحقيقه اتفق الأئمة على حديث أنس فيه نظر فإن الشافعي ضعفه وكذا الدارقطني والترمذي

ثم اعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير مقتضاها المتقدم لكذب الراوي وغفلته وسوء حفظه ونحوها من أسباب ضعف الحديث

 

 

وسمى الترمذي النسخ علة

ولعل مراده لترك العمل به

وأطلق بعضهم العلة على مخالفة لا تقدح كإرسال ما وصله الثقة الضابط حتى قال من أقسام الصحيح صحيح معلل كما قال بعضهم من الصحيح ما هو شاذ والله أعلم

 

 

النوع التاسع عشر

المضطرب

وهو الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية

فإن رجحت إحدى الروايتين بحفظ راويها أو كثرة صحبته للمروي عنه أو غير ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة فالحكم للراجحة ولا يكون مضطربا

وإنما يسمى مضطربا عند تساويهما

وقد يقع الاضطراب في متن الحديث وقد يقع في الإسناد من راو أو جماعة

والاضطراب موجب ضعف الحديث لإشعاره بأنه لم يضبط

ومثله ابن الصلاح بحديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصلي إذا لم يجد عصا ينصبها بين يديه فليخلط خطا

وهذا الحديث قد صححه الإمام أحمد وابن حبان وغيرهما وقال البيهقي لا بأس به في مثل هذا الحكم إن شاء اله

وكأنهم رأوا أن هذا الاضطراب ليس قادحا

 

 

ففيما ذكره ابن الصلاح حينئذ نظر

 

 

@ 223 @

 

 

@ 224 @

 

 

@ 225 @

 

 

@ 226 @

 

 

النوع العشرون

المدرج

وهو أقسام

أحدها ما أدرج في الحديث من كلام بعض رواته بأن يذكر الصحابي فمن بعده عقبه كلاما لنفسه أو لغيره فيرويه من بعده متصلا فيوهم أنه من الحديث

ومن أمثلته المشهورة

حديث ابن مسعود في التشهد قال في آخره فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد

 

 

فقوله فإن شئت إلى آخره من كلام ابن مسعود أدرجت في الحديث

قلت وقد يدرج في أول الحديث وفي وسطه كما نبه عليه الخطيب وإن قيده الشيخ بالعقب

الثاني أن يكون عنده متن حديث بإسناد إلا طرفا منه فإنه عنده بإسناد ثان فيرويهما بالإسناد الأول

مثاله

حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي آخره أنه جاء في الشتاء فرآهم يرفعون أيديهم من تحت الثياب

 

 

والصواب رواية الأول كما ذكرنا ورواية رفع الأيدي عن عاصم عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل

 

 

الثالث أن يدرج في متن حديث بعض متن آخر مخالف للأول في الإسناد

مثاله

حديث أنس لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا

 

 

أدرج فيه ابن مريم من حديث أبي هريرة الآخر ولا تنافسوا

الرابع أن يسمع حديثا من جماعة مختلفين في إسناده أو متنه فلا يذكر الاختلاف ويذكر روايتهم على الاتفاق

ولا يجوز تعمد شيء من الإدراج المذكور

وقد صنف فيه الخطيب كتابا فشفى وكفى

قلت ويعرف الإدراج بأن يرد من طريق أخرى أن ذلك من كلام الراوي وهو طريق ظني قد يقوى كما إذا وقع في آخر الحديث وقد يضعف كما إذا وقع في أثنائه كما لو قال من مس أنثييه وذكره فليتوضأ

 

 

النوع الحادي والعشرون

الموضوع

وهو المختلق المصنوع وشر الضعيف

ولا تحل روايته مع العلم به في أي معنى كان إلا مقرونا ببيان وضعه بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل صدقها في الباطن فإنه يجوز روايتها في الترغيب والترهيب والمواعظ والقصص وفضائل الأعمال لا في صفات الله وأحكام الشريعة

 

 

ويعرف الوضع بـ

1 - ) إقرار واضعه

كما أقر نوح بن أبي مريم أنه وضع في فضائل القرآن سورة سورة

 

 

2 - ) أو بما ينزل إقراره أي إذا دل دليل على صدقه

كحديث أبي بن كعب المرفوع في فضائل القرآن سورة سورة

بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى إلى من اعترف بأنه وجماعة وضعوه

ولقد أخطأ الواحدي المفسر ومن ذكره من المفسرين في إيداعه تفاسيرهم

3 - ) أو بقرينة حال الراوي

 

 

أي كغياث بن إبراهيم لما زاد لأجل الرشيد في حديث لا سبق إلا في خف الحديث أو جناح

ونسبه القرطبي في أوائل تفسيره إلى أبي البختري القاضي

4 - ) أو بقرينة في المروي

كالأحاديث الطويلة التي يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها

قلت أو تخالف العقل ولا تقبل تأويلا بحال

واعترض قاضي تقي الدين ابن دقيق العيد على كونه يعرف بإقرار واضعه فقال قول واضعه ليس بقاطع بوضعه لجواز كذبه فيما أقر به

 

 

وقد سلف جوابه

قلت وفي مسند البزار بإسناد صحيح كما قاله القرطبي من حديث أبي حميد مرفوعا إذا سمعتم الحديث تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه قريب منكم فأنا أولاكم به وإذا سمعتم الحديث فتقشعر منه جلودكم وتتغير له قلوبكم وأشعاركم وترون أنه بعيد منكم فأنا أبعدكم منه

 

 

وفي الدارقطني من حديث أبي هريرة رفعه إذا حدثتم عني بحديث تنكرونه فكذبوه فأنا أقو ما يعرف ولا ينكر ولا أقول ما ينكر ولا يعرف

 

 

قال عبد الحق وهو صحيح

وقد أكثر جامع الموضوعات في نحو مجلدين أعني ابن الجوزي فذكر كثيرا مما لا دليل على وضعه وإنما حقه أن يذكر في موضع مطلق الأحاديث الضعيفة

ثم الواضعون أقسام أعظمهم ضررا قوم ينسبون إلى الزهد وضعوه حسبة فيما زعموا فقبلت موضوعاتهم ثقة بهم

وجوزت الكرامية الوضع في الترغيب والترهيب وهو خلاف الإجماع

 

 

قلت ومنهم الملاحدة كمحمد بن سعيد الشامي المصلوب في الزندقة وضع حديث لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله تنفيرا للعقلاء عن الدين ولأنه كان يدعو إلى الإلحاد والزندقة

وعجب من ابن عبد البر كيف ذكر في تمهيده هذا الحديث ولم يتكلم عليه بل أول الاستثناء على الرؤيا

ثم نهضت الجهابذة بكشف عوارها ومحو عارها ولله الحمد وحصل لهم ملكة يعرفون بها ذلك كما سئل بعضهم كيف تعرفون أن الشيخ كذاب فقال إذا روى لا تأكلوا القرعة حتى تذبحوها علمت أنه كذب

وربما أسند الواضع كلاما لنفسه أو لبعض الحكماء أو غيرهم

 

 

وربما غلط فوقع غالط فوقع في شبه الوضع من غير تعمد كما وقع لثابت بن موسى الزاهد في حديث من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار

 

 

النوع الثاني والعشرون

المقلوب

هو نحو حديث مشهور عن سالم جعل عن نافع

 

 

وقلب أهل بغداد على البخاري مئة حديث متونها وأسانيدها امتحانا حين قدم عليهم فرد كل متن إلى إسناده فأذعنوا بفضله

 

 

قال صاحب الاقتراح وهذا النوع على طريقة الفقهاء يجوز أن يكون عنهما جميعا لكن تقوم عند المحدثين قرائن وظنون يحكمون بها على الحديث بأنه مقلوب

وقد يطلق على راويه أنه يسرق الحديث

وقد يطلق المقلوب على اللفظ بالنسبة إلى الإسناد والإسناد بالنسبة إلى الفظ

وقد ذكر الشيخ ههنا فوائد ذكرتها في نوع الضعيف فإنه أليق بها

 

 

النوع الثالث والعشرون

معرفة من تقبل روايته ومن ترد وما يتعلق بذلك من قدح وجرح وتعديل

أجمع جماهير أئمة الفقه والحديث على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلا ضابطا لما يرويه بأن يكون مسلما بالغا عاقلا سليما من أسباب الفسق وخوارم المروءة متيقضا غير مغفل حافظا إن حدث من حفظه ضابطا لكتابه إن حدث منه عالما بما يحيل المعنى إن روى به

قلت ولا يشترط فيه الذكورة ولا الحرية ولا البصر ولا العدد ولا العلم بفقه أو عربية أو معنى الحديث

وشرط أبو حنيفة فقه الراوي إن خالف القياس

وأبو علي العدد

وذكر الخطيب وغيره أن المروءة لم يشترطها أحد غير الشافعي

وتوضح هذه الجملة بمسائل

 

 

الأولى

عدالة الراوي تثبت تارة بتنصيص عدلين عليها وتارة بالاستفاضة

فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل أو نحوهم من أهل العلم وشاع الثناء عليهم بها كفى فيها وهذا هو الصحيح في المذهب وعليه الاعتماد في الأصول

ومثله الخطيب بمالك وشعبة وأحمد والشافعي ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر واستقامة الأمر فلا يسأل عن عدالة هؤلاء وأمثالهم وإنما يسأل عن عدالة من خفي أمره على الطالبين

وتوسع ابن عبد البر في هذا فقال كل حامل علم معروف العناية به محمول أبدا على العدالة حتى يتبين جرحه لقوله عليه الصلاة والسلام يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله

وفيما قاله اتساع غير مرضي

ونقل ابن الصلاح في طبقاته عن عبد الله بن عبدان قاضي همذان من أصحابنا أنه حكى في كتابه شرائط الأحكام أن من أصحابنا من لم يعتبر في ناقل الخبر ما يعتبر في الدماء والفروج والأموال من التزكة بل إذا كان ظاهر الدين والصدق قبل خبره

 

 

ثم استغربه الشيخ

وما أجدره بذلك

ثم الحديث الذي استدل به ابن عبد البر روي من حديث أسامة وأبي هريرة وابن مسعود وعبد الله بن عمرو

وقال جماعة منهم الدارقطني لا يصح مرفوعا إنما هو مرسل

بل قال ابن عبد البر نفسه في كتابه جامع بيان العلم إن هذا الحديث روي عن أسامة وأبي هريرة بأسانيد وكلها مضطربة غير مستقيمة

فكيف يسوغ له إذا أن يستدل به

وأما عبد الحق فإنه قال حديث أبي هريرة أحسن من حديث عبد الله بن عمرو

ونازعه ابن القطان في ذلك

لكن سئل الإمام أحمد عنه فقال حديث صحيح

 

 

ويعضده كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء أو نسب

وهو أثر جيد وإن طعن ابن حزم فيه

وينبغي أن يحمل الحديث الأول على الأمر لا على الخبر لئلا يتطرق إليه الخلف وهو محال

قلت ووافق ابن عبد البر من المتأخرين أبو بكر بن المواق فقال

 

 

في كتابه بغية النقاد أهل العلم محمولون على العدالة حتى يظهر منهم خلاف ذلك

ثم إنما يصح الاستدلال بالحديث أن لو كان خبرا ولا يصح حمله على الخبر لوجود من يحمل العلم وهو غير عدل وغير ثقة فلم يبق له محمل إلا على الأمر كما قدمناه أي أنه أمر الثقات بحمله لأنه إنما يقبل عنهم

ويؤيده أن في رواية لابن أبي حاتم ليحمل هذا العلم بلام الأمر

الثانية

يعرف كونه ضابطا بموافقته الثقات المتقنين غالبا ولو من حيث المعنى ولا يضر مخالفته فإن كثرت اختل ضبطه ولم يحتج به

الثالثة يقبل التعديل من غير ذكر سببه على المذهب الصحيح المشهور لأن أسبابه كثيرة يصعب ذكرها ولا يقبل الجرح إلا مبين السبب لينظر فيه أهو جرح أم لا فقد يظن ما ليس بجارح جارحا

ولذلك احتج البخاري ومسلم وأبو داود بجماعة اشتهر طعنهم كعكرمة وإسماعيل بن أبي أويس وعاصم بن علي وعمرو بن

 

 

مرزوق وغيرهم

واحتج مسلم بسويد بن سعيد وجماعة اشتهر الطعن فيهم

وذلك دال على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يقبل إلا إذا فسر سببه

وقد قيل لشعبة لم تركت حديث فلان قال رأيته يركض على برذون

وسئل مسلم بن إبراهيم عن حديث صالح المري فقال ما يصنع بصالح ذكر يوما عند حماد بن سلمة فامتخط حماد

قلت ومجموع الخلاف في المسألتين للأصوليين أربعة مذاهب

أحدهما ما ذكره الشيخ أنه يجب ذكر سبب الجرح دون التعديل لأن الجرح يحصل بخصلة واحدة فيسهل ذكرها بخلاف التعديل ولأنه قد يظن ما ليس بجارح جارحا كما تقدم

وثانيهما عكسه لأن العدالة يكثر التصنع فيها يتسارع الناس إلى الثناء على الظاهر بخلاف الجرح

وثالثها لا بد من بيان سببهما للمعنيين السابقين حكاه إمام

 

 

الحرمين في البرهان والغزالي في المنخول تبعا له عن القاضي أبي بكر وهو وهم منهما فالمعروف عنه الرابع كما ستعلمه وقد حكاه عنه الغزالي في المستصفى

ورابعها لا يجب فيهما لأن المزكي إن كان بصيرا قبل جرحه وتعديله وإلا فلا واختاره القاضي أبو بكر ونقله عن الجمهور

وقال إمام الحرمين الحق إن كان المزكي عالما بأسباب الجرح

 

 

والتعديل اكتفينا بإطلاقه وإلا فلا

وهذا ما اختاره الغزالي والإمام فخر الدين والخطيب

والأول هو ما قاله الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه

فإن قلت إنما يعتمد الناس في جرح الرواة ورد حديثهم على كتب الجرح والتعديل وقل ما يتعرضون فيها لبيان السبب بل يقتصرون على مجرد قولهم فلان ضعيف وفلان ليس بشيء ونحو ذلك أو هذا حديث ضعيف أو غير ثابت ونحو ذلك فاشتراط السبب يفضي إلى تعطيل ذلك وسد باب الجرح في الأغلب

والجواب أن فائدتها التوقف فيمن جرحوه عن قبول حديثه لما حصل من الريبة في ذلك

ثم من انزاحت عنه الريبة بالبحث عن عدالته قبلنا حديثه من غير توقف كجماعة من الصحيحين وغيرهم بهذه المثابة

الرابعة الجرح والتعديل قيل لا يثبتان إلا باثنين كما في الشهادة

والصحيح أنهما يثبتان بواحد لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر

 

 

فم يشترط في جرح راويه وتعديله بخلاف الشهادة

قلت فعلى هذا تقبل تزكية المرأة والعبد العارفين في الرواية والشهادة أيضا وصرح به الإمام وغيره واختاره القاضي أبو بكر في المرأة قال إلا تزكيتها في الحكم الذي لا تقبل شهادتها فيه بعد أن حكى عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم المنع فيها

وقال في العبد يجب قبولها في الخبر دون الشهادة كما في القبول

قال والذي يوجب القياس وجوب قبو تزكية كل عدل مرضي ذكر وأنثى حر أو عبد كشاهد أو مخبر

قال الخطيب في كفايته والأصل في الباب سؤال الشارع بريرة في قصة الإفك عن حال عائشة وجوابها له

قلت وقياس ما أسلفناه قبول جرحها أيضا

الخامسة إذا اجتمع في شخص جرح وتعديل فالجرح مقدم

 

 

لأن المعدل يخبر عما ظهر من حاله والجارح يخبر عن باطن خفي عن المعدل

قلت ونقله الخطيب عن جمهور العلماء وصححه الأصوليون كالإمام فخر الدين والآمدي

وقيل إن زاد المعدلون قدم التعديل

قلت الخطيب لما حكاه خطأه

وقيل إذا لم يزد يتعارضان فلا يرجح أحدهما إلا بمرجح حكاه ابن الحاجب واقتضى كلام الخطيب نفيه

وعلى الأول إذا عين الجارح سببا فنفى المعدل بطريق معتبر كما إذا قال قتل فلانا ظلما وقت كذا فقال المعدل رأيته حيا بعد ذلك أو كان القاتل في ذلك الوقت عندي فإنهما يتعارضان

ويعرف ذلك من تعليل الشيخ فلهذا لم يستثنه

ويستثنى أيضا ما إذا قال المعدل عرفت سبب الجرح وتاب منه وأصلح فإنه يقدم على الجرح لأن معه زيادة علم

 

 

وذكر أصحابنا في الفقه مسألة أخرى وهي ما إذا شهدا بجرحه ببلد ثم انتقل إلي غيره فعدله آخران منها فيقدم التعديل

كذا أطلقوه ولا يبعد تقييده بما إذا كان بين انتقاله من الأول إلى الثاني مدة الاستبراء وإلا لم يقدم

السادسة لا يجزئ التعديل على الإبهام من غير تسمية المعدل

فإذا قال حدثني الثقة أو نحو ذلك مقتصرا عليه لم يكتف به خلافا لمن اكتفى بذلك

وحكاه ابن الصباغ في العدة عن أبي حنيفة

وذلك ولأنه قد يكون ثقة عنده وغيره قد اطلع على جرحه بما هو جارح عنده أو بالإجماع فيحتاج إلى أن يسميه حتى يعرف

بل إضرابه عن تسميته مريب يوقع في القلب ترددا فيه فإن كان القائل بذلك عالما أجزأ ذلك في حق من يوافقه في مذهبه على ما اختاره بعض الممحققين

وذكر الخطيب أن العالم إذا قال كل من رويت عنه ثقة وإن لم أسمه ثم روى عن من لم يسمه فإنه يكون مزكيا له غير أنا لا نعمل بتزكيته هذه

 

 

وهذا على ما قدمناه

السابعة إذا روى العدل عن من سماه لم يكن تعديلا له عند الأكثرين وهو الصحيح

وقيل هو تعديل لأن ذلك يتضمنه

وهذا مردود لأنه يجوز أن يروي عن غير عدل فلم تتضمن روايته عنه تعديله

قال الشيخ وهكذا نقول إن عمل العالم وفتياه على وفق حديثه ليس حكما منه بصحة ذلك الحديث وكذا مخالفته للحديث ليست قدحا منه في صحته ولا رواته

قلت صرح أهل الأصول بأن العمل بخبرة تزكية له إلا أن يمكن حمله على الاحتياط أو على العمل بدليل آخر وافق الخبر فلا قاله في المحصول

والمختار عند الآمدي وابن الحاجب وغيرهما في الأصول أن رواية من لا يروي إلا عن العدل تزكية للذي روى عنه

وقيل لا مطلقا كما أن ترك العمل ليس بجرح

وقيل نعم مطلقا

 

 

فهذه ثلاثة مذاهب للأصوليين

الثامنة في رواية المجهول وهو أقسام

أحدهما مجهول العدالة ظاهرا وباطنا

ولا يقبل عند الجماهير وعن أبي حنيفة قبوله

قلت وقيل إن كان الراوي عنه لا يروي إلا عن عدل قبل وإلا فلا

وثانيهما مجهول العدالة باطنا دون الظاهر وهو المستور

فيحتج بها بعض من رد الأول وهو قول بعض الشافعيين وبه قطع سليم الرازي قال لأن أمر الأخبار مبني على حسن الظن بالراوي ولأن رواية الأخبار تكون عند من يتعذر عليه معرفة العدالة في الباطن فاقتصر فيها على معرفة ذلك في الظاهر وتفارق الشهادة فإنها تكون عند الحكام ولا يتعذر ذلك عليهم فاعتبر فيها العدالة ظاهرا وباطنا

قال الشيخ ويشبه أن يكون العمل على هذا في كثير من كتب الحديث في جماعة من الرواة تقادم العهد بهم وتعذرت خبرتهم باطنا

وصححه المحب الطبري

 

 

وقال النووي في مقدمة شرح مسلم احتج بهذا القسم والذي بعده كثيرون من المحققين وأطلق الشافعي في اختلاف الحديث أنه لا يحتج بالمجهول

وكذا حكاه البيهقي في مدخله عنه ي

وحكى الرافعي في الصوم وجهين في قبول رواية المستور من غير ترجيح

وقال النووي في شرح المهذب الأصح قبول روايته

وقد سلف فيما مضى أن المستور من يكون عدلا في الظاهر ولا تعرف عدالته في الباطن وأن الشيخ نقله عن بعض أئمتنا وهو ما قاله البغوي ثم الرافعي

وفي اختلاف الحديث للشافعي ما يقتضي أنه من يحكم الحاكم بشهادته إذ قال في جواب سؤال أورده فلا يجوز أن يترك الحكم بشهادتهما إذا كانا عدلين في الظاهر

 

 

نعم في كلام الرافعي في الصوم أن العدالة الباطنة هي التي يرجع فيها إلى أقوال المزكيين

ونقل صاحب البحر عن نصه في الأم أنه لو حضر العقد رجلان مسلمان لا يعرف حالهما في الفسق والعدالة انعقد النكاح بهما ظاهرا لأن الظاهر من المسلمين العدالة

وثالثهما مجهول العين

وقد يقبل رواية المجهول العدالة من لا يقبل رواية المجهول العين

ومن روى عنه عدلان وعيناه ففقد ارتفعت عنه هذه الجهالة

قال الخطيب والمجهول عند المحدثين من لم يعرفه العلماء ولا عرف حديثه إلا من جهة راو واحد مثل عمرو ذي مر وجبار الطائي وسعيد بن ذي حدان لم يرو عنهم غير أبي إسحاق السبيعي ومثل الهزهاز بن ميزن لا يروي عنه غير الشعبي ومثل جري بن كليب لم يرو عنه إلا قتادة

قال الشيخ قد روى عن الهزاز الثوري أيضا

 

 

قلت هذا سهو فإن الثوري لم يرو عن الشعبي فكيف يروي عن شيخه نبه عليه الحافظ جمال الدين المزي

نعم روى عن الهزهاز الجراح بن مليح فيما ذكره ابن أبي حاتم وسمى أباه مازنا بالألف لا بالياء ولعل بعضهم أماله فكتبه بالياء

وقال البرديجي الحافظ في كتابه المتصل والمنقطع إذا روى الثقة من طريق صحيح عن رجل من الصحابة حديثا لا يصاب إلا عند الرجل الواحد لم يضره أن لا يرويه غيره إذا كان متن الحديث معروفا ولا يكون منكرا ولا معلولا

 

 

وهذا لا يخالف ما ذكره الخطيب عن المحدثين

قال أعني الخطيب وأقل ما يرفع الجهالة رواية اثنين مشهورين بالعلم

قلت ونقل ابن عبد البر عن أهل الحديث نحوه

قال الشيخ ردا على الخطيب قد روى البخاري عم مرداس الأسلمي ولم يرو عنه غير ابن حازم

قلت لا فقد روى عنه زياد بن علاقة وقد وقع في هذا الحاكم كما سيأتي في النوع السابع والأربعين

 

 

قال ومسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي ولم يرو عنه غير أبي سلمة بن عبد الرحمن

قلت لا فقد روى عنه محمد بن عمرو بن عطاء وأبو عمران الجوني ونعيم المجمر وحنظلة بنعلي

قال وذلك منهما مصير إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولا مردودا برواية واحد عنه

والخلاف في ذلك متجه نحو اتجاه الخلاف المعروف في الاكتفاء بواحد في التعديل كما قدمناه والصواب نقل الخطيب ولا يصح الرد عليه بما ذكره الشيخ من روايتهما لمرداس وربيعة لما بيناه

وأيضا فهما صحابيان مشهوران والصحابة كلهم عدول

وذكر الخطيب أيضا أن خملر بن مالك لم يرو عنه غير أبي إسحاق السبيعي

وليس كما ذكر بل روى عنه أيضا عبد الله بن قيس وذكره ابن حبان في ثقاته وسماه خمير بن مالك وذكر الخلاف في التصغير

 

 

والتكبير ابن أبي حاتم

وذكر الخطيب أيضا أنه لم يرو عن الهيثم بن حنش وعبد الله بن أعز ومالك بن أعز الهمذاني غير أبي إسحاق هذا

وليس كما قال أما الأول فروى عنه أيضا سلمة بن كهيل كما ذكره أبو حاتم الرازي وأما الثاني فقد جعلهما ابن ماكولا واحدا اختلف على أبي إسحاق في اسمه

قال الخطيب ومثل بكر قرواش وحلام بن جزل لم يرو

 

 

عنهما إلا أبو طفيل عامر بن واثلة

قلت قد روى عن الأول قتادة فيما ذكره البخاري وابن حبان في ثقاته وسمى ابن أبي حاتم أباه قريشا

وأما الثاني فذكره خ في تاريخه بالباء وصوابه بالميم كما ذكرناه نبه عليه ابن أبي حاتم في أوهام التاريخ

قلت وقال أبو العباس القرطبي التحقيق أنه متى عرفت عدالة الرجل قبل خبره سواء روى عنه واحد أم أكثر وعلى هذا كان الحال في العصر الأول من الصحابة وتابعيهم إلى أن تنطع المحدثون

وصرح ابن القطان أيضا بالاكتفاء بواحد ذكره في كلامه على أحكام عبد الحق واختار أنه إن زكاه أحد من أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه قبل وإلا فلا

 

 

وحاصل ما في جهالة العين خمسة أقوال

أصحها عدم قبوله

وثانيها نعم

وهذا قول من اكتفى بالإسلام خاصة

ثالثها إن كان المنفرد بالرواية عنه لا يروي إلا عن عدل كابن مهدي واكتفينا في التعديل بواحد قبل وإلا فلا

ورابعها إن كان مشهورا في غير العلم بالزهد أو النجدة قبل وإلا فلا

وهو قول ابن عبد البر

خامسها سلف

وذكر الشيخ في النوع السابع والأربعين عن ابن عبد البر أنه قال كل من لم يرو عنه إلا رجل واحد فهو عندهم مجهول إلا أن يكون رجلا مشهورا في غير حمل العلم كاشتهار مالك بن دينار بالزهد وعمرو بن معدي كرب بالنجدة

 

 

فرع لم يذكره الشيخ

من عرفت عينه وعدالته وجهل اسمه احتج به

وإذا قال أخبرني فلان أو فلان وهما عدلان احتج به فإن جهل عدالة أحدهما أو قال فلان أو غيره لم يحتج به

التاسعة من كفر ببدعته لم يحتج به يالاتفاق

قلت كذا ادعاه الشيخ وحكي للأصوليين الخلاف فيه ومنهم المجسمة إذا كفرناهم

فذهب القاضي أبو بكر إلى رد روايته مطلقا كالكافر المكلف

 

 

والمسلم الفاسق ونقله الآمدي عن الأكثرين وجزم به ابن الحاجب

وقال صاحب المحصول الحق أنه إن اعتقد حرمة الكذب قبلنا روايته وإلا فلا

ومن لم يكفر فيه مذاهب

أحدهما لا يحتج به مطلقا لأنه فاسق ببدعته وكما استوى في الكفر المتأول وغيره يستوي في الفسق المتأول وغيره

قلت نقله الآمدي عن الأكثرين وجزم به ابن الحاجب قال الخطيب ويروى عن مالك

وثانيهما يحتج به إن لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه سواء كان داعيا إلى بدعته أم لا

وحكي عن الشافعي رضي الله تعالى عنه لقوله أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة لأنهم يرون الشهادة بالزور

 

 

لموافقيهم

قلت قال الإمام في المحصول وهذا هو الحق

وعبارة البيهقي في مدخله عن الشافعي ما في أهل الأهواء قوم أشهد بالزور من الرافضة

والثالث يحتج به إن لم يكن داعية إلى بدعته ولا يحتج به إن كان داعية

وهذا مذهب الكثير أو الأكثر من العلماء

وحكى بعض أصحاب الشافعي خلافا بين أصحابه في قبول رواية المبتدع إذا لم يدع إلى بدعته وقال أما إذا كان داعية فلا خلاف في عدم قبولها

وقال ابن حبان إذا كان داعية لا تقبل روايته قطعا

 

 

قلت وكذا غيره قطعا كما ذكره في ثقاته في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي

وهذا المذهب الثالث أعدلها وأولاها

قلت وذهب إليه أحمد كما قال الخطيب

 

 

والأول بعيد فإن كتب أئمة الحديث طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة في الصحيحين كثير من أحاديثهم في الشواهد والأصول

قلت بل وقع في الصحيح الرواية عن المبتدعة الدعاة منهم عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني خرج له في الصحيحين

قال أبو داود كان داعية إلى الإرجاء

وعمران بن حطان حديثه عند البخاري وقد زعم جماعة أنه من الدعاة الشراة

 

 

وفي تاريخ نيسابور للحاكم في ترجمة الأخرم أن كتاب مسلم ملآن من الشيعة

 

 

وفي المسألة قول غريب بعيد وهو قبول أخبارهم مطلقا وإن كانوا كفارا أو فساقا بالتأويل

حكاه الخطيب عن جماعة من أهل النقل والمكلمين

العاشره تقبل رواية التائب من الفسق إلا التائب من الكذب في الحديث متعمدا فلا تقبل أبدا وإن حسنت توبته كذا قاله أحمد بن حنبل والحميدي شيخ البخاري وغيرهما

وأطلق الإمام أبو بكر الصيرفي في شرح الرسالة فقال كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب لم نعد لقبوله بتوبة تظهر ومن ضعفناه لم نقوه بعده بخلاف الشهادة انتهى

والظاهر أنه إنما أراد الكذب في الحديث بدليل قوله من أهل الحديث أي للحديث

ويؤيده عبارته في دلائله حيث قيد بالمحدث فقال وليس نطعن على المحدث إلا أن يقول عمدت الكذب فهو كاذب في الأول ولا يقبل خبره بعد ذلك

وقال أبو المظفر السمعاني من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه

 

 

قال النووي وكل هذا مخالف لقاعدة مذهبنا ومذهب غيرنا ولا يقوى الفرق بينه وبين الشهادة

قلت بل هو موافق لمذهبنا كما ستعلمه

وقال في شرح مسلم المختار الأظهر قبول توبته كغيره من أنواع الفسق

قال وحجة من ردها أبدا وإن حسنت حاله التغليظ وتعظيم العقوبة فيما وقع منه والمبالغة في الزجر عنه كما قال عليه الصلاة والسلام إن كذبا علي ليس ككذب على أحدكم

قلت ويؤيده أن مذهب الشافعي أنه إذا شهد فاسق أو عدو ثم تابا وأعادا شهادتها لا تقبل

ومذهب الحنفية أن قاذف المحصن إذا تاب لم تقبل شهادته أبدا

 

 

الحادية عشرة إذا روى ثقة عن ثقة حديثا ورجع المروي عنه فنفاه فالمختار أنه إن كان جازما بنفيه بأن قال ما رويته أو كذب علي أو نحو ذلك فقد تعارض الجزمان والجاحد هو الأصل فوجب رد حديث فرعه ذلك ثم لا يكون ذلك جرحا له يوجب رد باقي حديثه لأنه مكذب لشيخه أيضا في ذلك وليس قبول جرح شيخه له بأولى من قبول جرحه لشيخه فتساقطا

قلت ولو رواه شيخه بعد ذلك قبلناه صرح به القاضي أبو بكر فيما حكاه الخطيب عنه وكذا إذا حدث به فرع آخر ثقة عنه ولم يكذبه الأصل

أما إذا قال المروي عنه لا أعرفه أو لا أذكره أو نحو ذلك

 

 

فلا يقدح فيه

ومن روى حديثا ثم نسيه جاز العمل به على الصحيح وهو قول جمهور المحدثين والفقهاء والمتكلمين

وخالف بعض الحنفية وردوا حديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نكحت المرأة بغير إذن وليها فنكاحها باطل الحديث من أجل أن ابن جريج

 

 

قال ثم لقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه

قلت لم يصح إنكاره له فإن الترمذي لما أخرجه ذكر أن بعض أهل الحديث ضعفه من أجل أن ابن جريج قال ثم لقيت الزهري فسألته فأنكره

ذكر عن ابن معين أنه لم يذكر هذا الحرف عن ابن جريج إلا إسماعيل إبراهيم قال وسماعه عن ابن جريج ليس بذاك إنما صحح كتبه على كتب عبد المجيد بن أبي رواد ما سمع من ابن جريج

 

 

وضعف يحيى رواية إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج

 

 

وكذا حديث ربيعة الرأي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قضى بشاهد ويمين فإن الدراوردي قال لقيت سهيلا فسألته عنه فلم يعرفه

 

 

والصحيح ما عليه الجمهور كما سلف لأن المروي عنه بصدد السهو والنسيان والراوي عنه ثقة جازم فلا ترد بالاحتمال روايته

ولهذا كان سهيل بعد ذلك يقول حدثني ربيعة عني عن أبي ويسوق الحديث

وقد روى كثير من الأكابر أحاديث نسوها بعدما حدثوا بها عمن سمعها منهم فكان أحدهم يقول حدثني فلان عني عن فلان بكذا

وجمع الخطيب الحافظ ذلك في كتاب من حدث ونسي

قلت وقبله الدارقطني

ولأجل أن الإنسان معرض للنسيان كره من كره من العلماء الرواية عن الأحياء منهم الشافعي قال لابن عبد الحكم إياك والرواية عن الأحياء

قلت ولفظه فيما حكاه البيهقي في مدخله عنه لا تحدث عن حي فإن الحي لا يؤمن عليه النسيان

 

 

الثانية عشرة من أخذ على التحديث أجرا لا تقبل روايته عند أحمد وإسحاق وأبي حاتم الرازي وتقبل عند أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري وعلي بن عبد العزيز المكي وآخرين

وذلك شبيه بأخذ الأجرة على تعليم القرآن ونحوه غير أن في هذا من حيث العرف خرما للمروءة والظن يساء بفاعله إلا أن يقترن ذلك بعذر ينفي ذلك عنه فإن أبا الحسين بن النقور فعل ذلك لأن أبا إسحاق الشيرازي أفتاه بجواز أخذ الأجرة على التحديث لأن أصحاب الحديث كانوا يمنعونه عن الكسب لعياله

 

 

الثالثة عشرة لا تقبل رواية من عرف بالتساهل في سماع الحديث وإسماعه

كمن لا يبالي بالنوم في السماع أو يحدث لا من أصل مصحح

قلت ولا بأس بأدنى نعاس لا يختل معه فهم الكلام

وكان بعضهم إذا كتب طبقة السماع كتب وفلان وهو ينعس وفلان وهو يكتب

ومن هذا القبيل من عرف بقبول التلقين في الحديث

ولا تقبل رواية من كثرت الشواذ والمناكير في حديثه

جاء عن شعبة رضي الله تعالى عنه قال لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ

 

 

281 - 1ولا تقبل رواية من عرف بكثرة السهو في رواياته إذا لم يحدث من أصل صحيح

وكل هذا يخرم الثقة بالراوي وبضبطه

قال ابن المبارك وأحمد والحميدي وغيرهم من غلط في حديث فبين له فأصر على روايته سقطت رواياته

وفي هذا نظر وهو غير مستنكر إذا ظهر أن ذلك منه على جهة العناد أو نحو ذلك

الرابعة عشرة أعرض الناس في هذه الأعصار المتأخرة عن اعتبار مجموع ما بينا من الشروط في رواة الحديث ومشايخه فلم يتقيدوا بها في رواياتهم لتعذر الوفاء بذلك على نحو ما تقدم وكان عليه من تقدم

ووجه ذلك أن المقصود اليوم إبقاء سلسلة الإسناد المختص بهذه الأمة فليعتبر ما يليق بالمقصود وهو كون الشيخ مسلما بالغا عاقلا غير متظاهر بالفسق والسخف وفي ضبطه بوجود سماعه مثبتا بخط غير متهم وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه

 

 

وقد سبق إلى نحو ما ذكرناه البيهقي رحمه الله

الخامسة عشرة في ألفاظ الجرح والتعديل

قد رتبها ابن أبي حاتم فأحسن

فألفاظ التعديل مراتب

أعلاها ثقة أو متقن قاله ابن أبي حاتم

قال الشيخ وكذا إذا قيل ثبت أو حجة أو عدل حافظ أو ضابط

قلت لفظة ثبت في كتاب ابن أبي حاتم مع اللفظين الأولين أعني الثقة والإتقان كذا رأيته فيه فلعلها سقطت من نسخة الشيخ فاستدركها

قلت وإذا تكرر لفظ التوثيق كـ حجة ثبت فهو أعلى من هذه الرتبة

الثانية صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به أو ليس به بأس

 

 

قال ابن أبي حاتم فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه وهي المنزلة الثانية

وهو كما قال لأن هذه العبارات لا تشعر بالضبط فينظر في حديثه ويختبر حتى يعرف ضبطه وقد تقدم بيان طريقه في أول هذا النوع وإن لم يستوف النظر المعرف لكون ذلك المحدث في نفسه ضابطا مطلقا واحتجنا إلى حديث من حديثه اعتبرنا ذلك الحديث ونظرنا هل له أصل من رواية غيره كما تقدم بيان طريق الاعتبار في نوعه

 

 

ومشهور عن ابن مهدي الحافظ أنه حدث فقال حدثنا أبو خلدة فقيل له أكان ثقة فقال كان صدوقا وكان مأمونا وكان خيرا وفي رواية وكان خيارا الثقة شعبة وسفيان

ثم إن ذلك مخالف لقول يحيى بن معين إذا قلت ليس به بأس فهو ثقة أو هو ضعيف فليس هو بثقة لا يكتب حديثه

 

 

وقول ابن معين عن نفسه ولا يقاوم ذلك نقل ابن حاتم ابن أبي حاتم عن أهل الفن

قلت وللثقة مراتب وكلام ابن معين لا تنافي فيه

الثالثة شيخ فيكتب حديثه وينظر فيه

الرابعة صالح الحديث يكتب حديثه للاعتبار

وكان ابن مهدي ربما جرى ذكر الرجل فيه ضعف وهو صدوق فيقول صالح الحديث

 

 

وأما ألفاظ الجرح فمراتب

أولاها لين الحديث فيكتب حديثه وينظر فيه اعتبارا

قال الدارقطني إذا قلت لين لم يكن ساقطا متروك الحديث ولكن مجروحا بشيء لا يسقط عن العدالة

ثانيهما ليس بقوي فيكتب حديثه إلا أنه دون لين

ثالثهما ضعيف الحديث وهو دون الثاني لا يطرح حديثه بل يعتبر به

رابعها متروك الحديث أو ذاهبه أو كذاب فهو ساقط لا يكتب حديثه

قال الخطيب أرفع العبارات في أحوال الرواة أن يقال إنه حجة أو ثقة وأدونها أن يقال كذاب ساقط

وقال أحمد بن صالح المصري لا يترك حديث رجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه

 

 

قال الشيخ ومن ألفاظهم فلان روى عنه الناس وسط مقارب الحديث مضطربه لا يحتج به مجهول لا شيء ليس بذاك القوي فيه أو في حديثه ضعف وهو في الجرح أقل من قولهم فلان ضعيف الحديث قلان ما أعلم به بأسا وهو في التعديل دون قولهم لابأس به

ويستدل على معانيها بما تقدم المقنع في علوم الحديث

 

 

النوع الرابع والعشرون

معرفة كيفية سماع الحديث وتحميله وصفة ضبطه

ولنقدم على بيانها بيان أمور

أحدهما يصح التحميل قبل وجود الأهلية

فتقبل رواية من تحمل قبل الإسلام وروى بعده

وكذا رواية من سمع قبل البلوغ وروى بعده

قلت والفاسق أولى من الكافر

ومما علم أن الصحابي تحمله في حال الكفر ثم رواه بعد إسلامه حديث جبير بن مطعم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بـ الطور أفادة في الاقتراح وهو حديث أخرجه الشيخان وكان قد جاء في فداء أسارى بدر قبل ان يسلم

 

 

وفي رواية للبخاري وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي

ومنع الثاني أي رواية من سمع قبل البلوغ وأدى بعده قوم فأخطأوا لأن الناس قبلوا رواية أحداث الصحابة كالحسن بن علي وأخيه الحسين وابن عباس وابن الزبير والنعمان بن بشير وأشباهم من غير فرق من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ أو بعده ولم يزالوا قديما وحديثا يحضرون الصبيان مجالس الحديث والسماع ويعتدون برواياتهم لذلك

قلت وقاس من قبل روايته على شهادته

وقد يفرق بأن الرواية تقتضي شرعا عاما فاحتيط فيها بخلاف الشهادة وقد يجيب المانع عن إحضار الصبيان مجالس الحديث بأن الإحضار قد يكون للتبرك أو سهولة الحفظ أو الاعتياد ملازمة الخير

الثاني قال جماعة من العلماء يستحب أن يبتدي بسماع الحديث بعد عشرين سنة لأنها مجمع العقل

قال موسى بن هارون أهل البصرة يكتبون لعشر وأهل الكوفة لعشرين وأهل الشام لثلاثين

 

 

والصواب في هذه الأزمان التبكير به من حين يصح سماعه إذ المقصود إبقاء سلسة الإسناد وأما كتابته وتقييده فمن حين أهله له

ويختلف باختلاف الأشخاص ولا يتقيد بسن مخصوص

فقال موسى بن هارون إذا فرق بين البقرة والدابة

وقال أحمد إذا عقل وضبط فذكر له عن رجل أنه قال لا يجوز سماعه حتى يكون له خمس عشرة سنة فأنكر قوله وقال بئس القول

وقال القاضي عياض حدد أهل الصنعة ذلك أن أقله سن محمود بن الربيع الذي قال عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وإني ابن خمس سنين من دلو وفي رواية أخرى أنه كان ابن أربع تراجم عليه البخاري في صحيحه متى يصح سماع

 

 

الصغير

قال ابن الصلاح والتحديد بخمس هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث من المتأخرين فيكتبون لابن خمس فصاعدا سمع ودونه حضر أو أحضر

والذي ينبغي في ذلك اعتبار التمييز فإن فهم الخطاب ورد الجواب كان مميزا صحيح السماع وإن كان دون خمس وإن لم يكن كذلك لم يصح سماعه وإن كان ابن خمس با ابن خمسين

وقد بلغنا عن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال رأيت صبيا ابن أربع سنين قد حمل إلى المأمون قد القرآن ونظر في الرأي غير أنه إذا جاع بكى

 

 

وحفظ القرآن أبو محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني وله خمس سنين فامتحنه فيه أبو بكر ابن المقري وكتب له بالسماع وهو ابن أربع سنين

وحديث محمود لا يدل على التحديث بمثل سنه

بيان أقسام طرق الحديث وتحمله

ومجامعها ثمانية

الأول

السماع من لفظ الشيج وهو إملاء وغيره من حفظه ومن كتاب

 

 

وهذا القسم أرفع الأقسام عند الجماهير

قال القاضي عياض لا خلاف أنه يجوز في هذا أن يقول السامع منه حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت فلانا يقول وقال لنا فلان وذكر لنا فلان

قال ابن الصلاح وفي هذا نظر

وينبغي فيما شاع استعماله من هذه الألفاظ مخصوصا بما سمع من غير لفظ الشيخ على ما سيأتي أن لا يطلق فيما سمع من لفظ الشيخ لما فيه من الإبهام والإلباس

قال الخطيب وأرفع العبارات سمعت ثم حدثنا وحدثني فإنه لا يكاد أحد يقول سمعت في الإجازة والمكاتبة لأنه تدليس ما لم يسمعه وكان بعض أهل العلم يقول فيما أجيز له حدثنا وروي عن الحسن إذ ذاك بها إلا أنه لم يسمع منه شيئا

وأثبت بعضهم سماعه منه

قلت وذكر علي بن المديني قول الحسن أيضا خطبنا ابن عباس بالبصرة فقال إنما هو كقول ثابت قدم علينا عمران بن حصين

 

 

ومثل قول مجاهد خرج علينا علي والحسن لم يسمع من ابن عباس وما رآه قط كان بالمدينة أيام كان ابن عباس على البصرة

قال ابن القطان وحدثنا ليست بنص في أن قائلها سمع ففي صحيح مسلم حديث الذي يقتله الدجال فيقول أنت الدجال الذي حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ومعلوم أن ذلك الرجل متأجر الميقات أي فالمراد حدث أمته وهو منهم

وقد قال قوم إنه الخضر فحينئذ لا مانع من سماعه

ثم يتلو ذلك قوله أخبرنا وهو كثير في الاستعمال وكان هذا قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بالقراءة على الشيخ

 

 

كان عبد الرزاق يقول أخبرنا حتى قدم الإمام أحمد وابن راهوية فقالا له قل حدثنا

ثم يتلو ذلك قوله أنبأنا ونبأنا وهو قليل في الاستعمال

قال ابن الصلاح وحدثنا وأخبرنا أرفع من سمعت من جهة أنه ليس في سمعت ذلالة على أن الشيخ خاطبه وفي حدثنا وأخبرنا دلالة على ذلك أو هو ممن فعل به ذلك كما وقع للبرقاني مع شيخه أبي القاسم الآبندوني فإنه كان عسر الرواية فكان البرقاني يجلس بحيث لا يراه ابو القاسم ولا يعلم بحضوره فيسمع منه ما يحدث به فكان يقول سمعت ولا يقول حدثنا أو أخبرنا لأن قصده الرواية للداخل عليه وحده

وقد يرد ما ذكره ابن الصلاح بأن سمعت صريح في سماعه بخلاف حدثنا لاستعماله في الإجازة بعضهم

وأما قوله قال لنا فلان أو ذكر لنا فكحدثنا غير أنه لائق بسماع المذاكرة وهو أشبه من حدثنا

 

 

قلت خالف ابن منده في جزء له فقال إن البخاري حيق قال قال فلان فهو تدليس وهو يعبد فقد قال ابن القطان لما ذكر تدليس الشيوخ قال لم يصح ذلك عن البخاري قط

وأوضع العبارات في ذلك أن يقول قال فلان او ذكر فلان من غير قوله لي ولنا ونحو ذلك

وهو أيضا محمول على السماع إذا عرف اللقاء أي وسلم الراوي من التدليس على ما تقدم في فرع المعضل لا سيما إن عرف أنه لا يقول قال إلا فيما سمعه منه وقد خصص الخطيب القول

 

 

بحمل ذلك على السماع ممن عرف من عادته مثل ذلك والمحفوظ المعروف أنه ليس بشرط

القسم الثاني

القراءة على الشيخ

ويسميها أكثر المحدثين عرضا

كقراءة القارىء على المقرىء

وسواء قرأت أو قرأ غيرك وأنت تسمع من كتاب أو حفظ حفظ الشيخ ما يقرأ عليه أم لا لكن يمسك أصله إلا ما حكي عن بعض من لا يعتد بخلافه

 

 

واختلفوا في مساواتها للسماع من لفظ الشيخ في الرتبة أو دونه أو فوقه

فعن أبي حنيفة وابن أبي ذئب وغيرها ورواية عن مالك ترجيح القراءة على الشيخ على السماع من لفظه

وروى عن مالك وغيره أنهما سواء وقيل إنه مذهب معظم علماء الحجاز والكوفة ومذهب مالك وأشياخه من علماء المدينة ومذهب البخاري وغيرهم

قلت وحكاه الصيرفي في دلائله عن الشافعي

والصحيح ترجيح السماع من لفظ الشيخ والقراءة رتبة ثانية

وروينا إلى ابن سعد أخبرنا محمد بن عمر قال سألت مالكا وعبيد الله العمري وعبد ارحمن بن أبي الزناد وعبد الحكم بن عبد الله بن أبي فروة وعبد الرحمن بن وثاب وأبا بكر بن عبد الله بن ابي سبرة عن قراءة الحديث على المحدث أو حديثه هو به فقالوا هو سواء وهو علم بلدنا

 

 

والأجود الأسلم في الرواية بها قرأت على فلان أو قرئ على فلان وأنا أسمع فأقر به

ثم عبارات السماع مقيدة كـ حديث أو اخبرنا قراءة عليه وأنشدنا في الشعر قراءة عليه

قلت ولا يجوز في العرض سمعت على الأصح خلافا فيه على مذاهب

أحدهما المنع فيهما

وقيل إنه قول ابن المبارك ويحيى بن يحيى التميمي وأحمد بن المتكلمين

الثاني الجواز فيهما وأنه كالسماع من لفظ الشيخ في جواز إطلاق

 

 

حدثنا وأخبرنا وأنبأنا

وقد قيل إن هذا مذهب معظم الحجازيين والكوفيين وقول الزهري ومالك وابن عيينة ويحيى القطان والبخاري في آخرين

ومن هؤلاء من اجاز فيها أيضا أن يقول سمعت فلانا

قلت وصحح هذا المذهب ابن الحاجب ونقل هو وغيره عن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة

وصنف فيه الطحاوي جزءا

وحكاه عياض عن الأكثرين

وكذا قال ابن فارس ذهب إليه أكثر علمائنا

الثالث الفرق فالمنع في حدثنا والجواز في أخبرنا

وهو مذهب الشافعي وأصحابه ومسلم بن الحجاج وجمهور أهل المشرق

ونقل عن أكثر المحدثين أيضا منهم ابن جريح كذا نقله ابن الصلاح عنه والذي حكاه الخطيب عنه الأول والأوزاعي

 

 

فإن كان بيد القارئ وهو موثوق به دينا ومعرفة فكذلك الحكم فيه وأولى بالتصحيح

وأما إذا كان الأصل بيد من لا يوثق بإمساكه له ولا يؤمن إهماله لما يقرأ فسواء كان بيد القارئ أو غيره في أنه سماع غير معتد به إذا كان الشيخ غير حافظ للمقروء عليه

الثاني

إذا قرأ القارئ على الشيخ قائلا أخبرك فلان أو قلت أخبرنا فلان ونحو ذلك والشيخ ساكت ومضغ إليه فاهم لذلك غير منكر له فهذا كاف في ذلك

واشترط بعض أهل الظاهر وغيرهم إقرار الشيخ نطقا وبه قطع صاحب المهذب وابن الصباغ وسليم

قال أبو نصر ليس له ان يقول حدثني وأخبرني وله أن يعمل بما قرئ عليه وإذا أراد روايته قال قرأت عليه أو قرىء عليه وهو يسمع

وفي حكاية بعض المصنفين للخلاف في ذلك أن بعض الظاهرية اعتبر إقرار الشيخ عند تمام السماع بأن يقول القارئ للشيخ وهو كما قرأته عليك ؟ فيقول نعم

والصحيح أن ذلك غير لازم وأن سكوت الشيخ على الوجه المذكور نازل منزلة تصريحه بتصديق القارىء اكتفاء بالقرائن الظاهرة

 

 

وهذا مذهب الجماهير من المحدثين والفقهاء وغيرهم

وما قاله ابن الصباغ من أنهلا يطلق فيه حدثنا ولا أخبرنا هو ما صححه الغزالي وحكاه الآمدي عن المتكلمين وصححه وحكى تجويزه عن الفقهاء والمحدثين وصححه ابن الحاجب وحكى عن الحاكم أنه مذهب الأربعة

وإن أشار الشيخ برأسه أو أصبعه للإقرار به ولم يتلفظ فجزم صاحب المحصول بأنه لا يقول في الأداء حدثني ولا أخبرني ولا سمعت وفيه نظر

الثالث

قال الحاكم الذي أختاره في الرواية وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول فيما سمعه وحده من لفظ الشيخ حدثني ومع غيره حدثنا وفيما قرأ عليه أخبرني وفيما قرىء عليه بحضرته أخبرنا

وروينا نحوه عن ابن وهب صاحب مالك وهو حسن رائق

 

 

قلت وفي علل الترمذي عن ابن وهب قال ما قلت حدثنا فهو ما سمعت مع الناس وما قلت حدثني فهو ما سمعت وحدي وما قلت أخبرنا فهو ما قرىء على العالم وأنا شاهد وما قلت اخبرني فهو ما قرأت على العالم

وفي كلام الحاكم وابن وهب أن القارئ إذا كان معه غيره يقول أخبرنا

فسوى بين مسألتي التحديث والإخبار في ذلك

فإن شك هل كان وحده أو مع غيره فيحتمل أن يقول حدثني وأخبرني لأن عدم غيره هو الأصل

لكن قال يحيى القطان فيما إذا شك أن الشيخ قال حدثنا أو حدثني أنه يقول حدثنا

وهذا يقتضي فيما إذا شك في سماع نفسه مثل ذلك أن يقول حدثنا

وهو عندي يتوجه بأن حدثني أكمل مرتبة من حدثنا فيقتصر على الناقص لأن عدم الزائد هو الأصل

 

 

وهذا لطف

ثم وجدت البيهقي اختاره

وفي الكفاية للخطيب عن البرقاني أنه ربما شك في الحديث هل قرأه أو قرئ وهو يسمع فيقول فيه قرأنا على فلان

وهو حسن بل لا بأس بقوله قرأنا على فلان إذا تحقق أنه سمع بقراءة غيره صرح به احمد بن صالح حين سئل عنه وقال النفيلي قرأنا على مالك وإنما قرئ عليه وهو يسمع

ثم إن هذا التفصيل من أصله مستحب كما حكاه الخطيب عن أهل العلم كافة فجائز إذا سمع أن يقول حدثنا ونحوه لجواز ذلك لواحد في كلام العرب وجائز إذا سمع في جماعة أن يقول حدثني لأن المحدث حدثه وحدث غيره

الرابع

قال الإمام أحمد اتبع لفظ الشيخ في حدثنا وحدثني وسمعت وأخبرنا ولا تعده

 

 

قال الشيخ وليس لك إبدال أخبرنا بـ حدثنا ونحوه في الكتب المؤلفة وإن كان في إقامة الآخر خلاف وتفصيل سبق لاحتمال أن يكون قائل ذلك لا يرى التسوية بينهما

ولو وجدت من ذلك إسنادا عرفت عن مذهب رجاله التسوية بينهما فإقامتك أحدهما مقام الآخر من باب تجويز الرواية بالمعنى

والذي نرى أن الخلاف فيه لا يجري هنا وما ذكره الخطيب في كفايته من إجزاء ذلك الخلاف هنا محمول عندنا على ما يسمعه الطالب من لفظ المحدث غير موضوع في كتاب مؤلف

واعتراض صاحب الاقتراح فقال هذا كلام فيه ضعف وأقل ما فيه أنه يقتضي تجويز هذا فيما ينقل من المصنفات المتقدمة إلى أجزائنا وتخاريجنا فإنه ليس فيه تغيير التصنيف المتقدم قال وليس

 

 

هذا جاريا على الاصطلاح

ولا نسلم أنه يقتضيه بل كلام الشيخ يشعر بأنه إذا نقل حديث من كتاب وعزي إليه لا يجوز فيه الإبدال سواء نقلنا في تأليف لنا أو لفظا

وعبارة صاحب الاقتراح الاصطلاح على أن لا يغير الألفاظ بعد الأنتهاء إلى الكتب المصنفة سواء رويناها فيها أو نقلناها منها

وفي كلام بعضهم ما يدل على امتناعه وفيه ضعف

وقبل الانتهاء إليها ينبغي أن يحفظ في أسماء روايتها إذا تصرف فيها شروط الرواية بالمعنى فلا يزيد في تعريف الراوي بما لو عرض عليه لم يختره

قال وبعض المحدثين لا يلتزم عدم الزيادة والنقص فيزيد تاريخ السماع وتعيين القارئ والمخرج قال ولا يجري ذلك على قانون الأصول

الخامس

اختلف أهل العلم في صحة سماع من ينسخ عند القراءة

فال إبراهيم الحربي وابن عدي والأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني لا يصح السماع

 

 

وقال أبو بكر الصبغي يقول حضرت ولا يقول حدثنا ولا أخبرنا

وورد عن الحافظ موسى بن هارون تجويز ذلك

وكتب ابن المبارك وهو ينسخ شيئا آخر ما يقرأ

ولا فرق بين النسخ من السامع ومن المسمع

قال الشيخ وخير من هذا الإطلاق التفصيل فإن فهم المقروء صح كالحكاية المشهورة عن الدارقطني وإلا فلا

 

 

قلت مثلها عن أبي مسعود الضبي الرازي أنه حضر مجلس يزيد بن هارون على شاطىء نهر وهو يغيب المجلس كله

السادس

ما ذكرناه في النسخ من التفصيل يجري مثله فيما إذا تحدث الشيخ أو السامع أو أفراط القارئ في الإسراع أو هينم بحيث يخفي بعض الكلام أو بعد السامع عن القارئ وما أشبه ذلك

ثم الظاهر أنه يعفى في ذلك عن القدر اليسير نحو الكلمة والكلمتين

ويستحب للشيخ أن يجيز لجميع السامعين رواية ذلك الجزء أو الكتاب وإن جرى على كله اسم السماع

وإن كتب لأحدهم كتب سمعه مني وأجزت له روايته عني أو نحو ذلك كما كان بعض الشيوخ يفعل

 

 

قلت وأول من كتب الإجازة في طبقات السماع أبو الطاهر الأنماطي وهو حسن بالغ فقد يحصل فوت فلا يقدر على روايته إلا بذلك كما وقع لابن الصواف شيخ شيوخنا راوي غالب النسائي عن ابن باقا

وقال الفقيه أبو محمد بن أبي عبد الله بن عتاب الأندلسي عن أبيه أنه قال لا غنى في السماع عن الإجازة لأنه قد يغلط القارئ ويغفل الشيخ إن كان القارئ ويغفل السامع فينجبر له ما فاته بالإجازة

وقال الإمام أحمد في الحرف يدغمه الشيخ فلا يفهم أرجو أن لا

 

 

تضيق روايته عنه

قلت وأما أبو نعيم الدكيني فكان يرى فيما سقط عنه من الحرف الواحد والاسم مما سمعه من سفيان والأعمش واستفهم من أصحابه أن يرويه عن أصحابه لا يرى غير ذلك واسعا

وكان ابن عيينة يقول ثنا عمرو بن دينار يريد حدثنا نه لم يسمع منه إلا الثاء والنون لكثرة الزحام

 

 

ومجلس الإملاء كان عظيما أولا حتى ربما يبلغ ألوفا فإذا بلغ عنه المستملي فذهب جماعة من المتقدمين وغيرهم إلى أنه يجوز لمن سمع المستملي أن يروي ذلك عن المملي حتى قال ابن منده لبعض أصحابه يا فلان يكفيك من السماع شمة وأباه آخرون

قال النووي وهو الصواب الذي قاله المحققون

قال الشيخ والأول فيه تساهل بعيد

وقد روى خلف بن تميم عن زائدة قال لا تحدث لا ما تحفظ بقلبك وتسمع بأذنك

السابع

يصح السماع من وراء حجاب إذا عرف صوته إن حدث بلفظه أو حضوره بمسمع منه إن قرئ عليه وينبغي أن يجوز الاعتماد في المعرفة على خبر ثقة

 

 

وقد كانوا يسمعون من عائشة وغيرها من أمهات المؤمنين من وراء حجاب ويروونه عنهن على الصوت

واحتج عبد الغني بن سعيد الحافظ في ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام إن بلالا يؤذن بليل الحديث وشرطه شعبة الحافظ رؤيته وقال إذا حدثك المحدث فلم تر وجهه فلا ترو عنه فلعله شيطان قد تصور بصورته ويقول حدثنا وأخبرنا

الثامن

من سمع من شيخ حدثنا ثم قال له لا تروه عني أو لا آذن لك في روايته أو لست أخبرك به أو رجعت عن إخباري إياك به فلا تروه عني غير مسند ذلك إلى أنه أخطأ فيه أو شك ونحوه لم تمتنع روايته

ولو خص بالسماع قوما فسمع غيرهم بغير علمه جاز لهم الرواية عنه قاله الأسناد أبو إسحاق

 

 

قال ولو قال أخبركم ولا أخبر فلانا لم يضره

القسم الثالث من أقسام نقل الحديث وتحمله

الإجازة وهي أنواع

أولها

أن يجيز لمعين في معين

كأجزتك البخاري أو ما اشتملت عليه فهرستي

وهذا أعلى أنواعها المجردة عن المناولة

وزعم بعضهم أنه لا خلاف في جوازها وزاد الباجي فقال لا خلاف في جواز الرواية بها وادعى الإجماع وحكى الخلاف في العمل بها

وفي هذا نظر فقد خالف في جواز الرواية بها جماعة من أهل الحديث والفقهاء والأصوليين وذلك إحدى الروايتين عن الشافعي وخالفه الربيع وقال بإبطالها أيضا القاضي حسين والماوردي من أصحابنا وعزياه إلى مذهب الشافعي قالا ولو جازت الإجازة لبطلت الرحلة

وحكي أيضا عن شعبة وجماعة من المحدثين حتى قيل إذا قال

 

 

أجزت لك أن تروي عنه تقديره أجزت لك ما لا يجوز شرعا أو أجزت لك أن تكذب علي لأن الشرع لا يبيح رواية مالم يسمع

ثم إن الذي استقر عليه العمل وقال به جماهير المحدثين وغيرهم القول بجوازها وإباحة الرواية بها

وفي الاحتجاج لذلك غموض ويتجه أن تقول إذا أجاز له أن يروي مروياته فقد أخبره بها جملة فهو كما لو اخبره بها تفصيلا

وإخباره بها غير متوقف على التصريح نطقا كما في القراءة على الشيخ كما سلف والغرض حاصل بالإجازة المفهمة

ثم أنه كما تجاوز الرواية بالإجازة يجب العلم بالمروي بها خلافا لمن قال من أهل الظاهر ومن تابعهم إنه لا يجب العمل به وإنه جار مجرى المرسل وهذا باطل لأنه ليس في الإجازة ما يقدح في اتصال المنقول بها وفي الثقة به

النوع الثاني

أن يجيز لمعين في غير معين

كأجزتك مسموعاتي أو مروياتي

فالخلاف فيه أقوى وكثر

والجمهور من المحدثين والفقهاء وغيرهم جوزوا الرواية بها وأوجبوا العمل بما روي بها بشرطه

 

 

الثالث

أن يجيز لغير معين بوصف العموم

كأجزت للمسلمين أو كل أحد أو لمن أدرك زماني وما أشبه ذلك

وفيه خلاف للمتأخرين ممن جوز الإجازة

فإن قيد بوصف خاص أو نحوه فهو إلى الجواز أقرب

ومثله القاضي عياض بقوله أجزت لمن هو الآن من طلبه العم ببلد كذا أو من قرأ علي قبل هذا قال فما أحسبهم اختلفوا في جوازه فيمن تصح عنه الإجازة ولا رأيت فيه خلاف لأحد لأنه محصور موصوف كقوله لأولاد فلان أو إخوة فلان

ومن المجوزين القاضي أبو الطيب والخطيب وأبو عبد الله بن منده وابن عتاب والحافظ أبو العلاء وآخرون

قلت وصححه ابن الحاجب والنووي في زوائده في

 

 

الروضة وجمع الحافظ أبو جعفر بن الحسين بن أبي الندر البغدادي كتابا في ذكر من جوزها وكتب بها

قال الشيخ ولم نر ولم نسمع عن أحد يقتدى به الرواية بهذه ولا عن الشرذمة المجوزة

والإجازة في أصلها ضعف وتزداد بهذا التوسع والاسترسال ضعفا كثيرا لا ينبغي احتماله

قال النووي والظاهر من كلام مصححها جواز الرواية بها وهذا مقتضى صحتها وأي فائدة لها غير الرواية بها

قلت وحدث بها خلق من المتأخرين أدركناهم وقرأت بها على الوجيه العوفي في رحلتي الأولى الإسكندرية عن الكاشغري وابن رواج والسبط وابن القبيطي

 

 

الرابع

الإجازة لمجهول أو بمجهول

ويتشبث بذيلها الإجازة المعلقة بالشرط وذلك مثل أن يقول أجزت لمحمد بن خالد الدمشقي وهناك جماعة مشتركون في هذا الاسم والنسب

أو أجزتك كتاب السنن وهو يروي كتبا في السنن

وهذه إجازة لجماعة مسمين معينين بأنسابهم والمجيز جاهل بأعيانهم غير عارف بهم صحت الإجازة كما لا يضر عدم معرفته به إذا حضر شخصيته في السماع

وإن أجاز لجماعة مسمين في الاستجازة ولم يعرفهم ولا تصفح أسماءهم فينبغي الصحة ايضا كسماعهم منه والحالة هذه

وإذا قال لجماعة مسمين أجزت لمن يشاء فلان أو نحو ذلك فهذا فيه جهالة وتعليق فالظاهر بطلانه وبه أفتى القاضي أبو الطيب معللا بأنها إجازة لمجهول وأجاز ذلك ابن الفراء الحنبلي وابن عمروس

 

 

المالكي

ولو قال أجزت لمن شاء الإجازة فهو كما لو قال اجزت لمن شاء فلان وأكثر جهالة من حيث أنها معلقة بمشيئة من لا يحصر عددهم

ثم هذا فيما إذا أجاز لمن شاء الإجازة منه له فإن أجاز لمن شاء الرواية عنه فهذا أولى بالجواز لأنه تصريح بمقتضى الحال لا تعليق حقيقة ولهذا أجاز بعض أصحابنا أن يقول بعتك هذا بكذا إن شئت فيقول قبلت

قلت وهو الأصح في المذهب

 

 

ووجد بخط أبي الفتح ألزدي الحافظ أجزت رواية ذلك لجميع من أحب ان يروي ذلك عني

أما إذا قال أجزت لفلان كذا إن شاء روايته عني أو لك إن شئت أو أحببت لو أردت فالأظهر الأقوى جوازه لانتفاء الجهالة وحقيقة التعليق ولم يبق سوى صيغته

الخامس

الإجازة للمعدوم

كأجزت لمن يولد لفلان

فإن عطفه على موجود كأجزت لفلان ومن يولد له أو لك ولعقبك ما تناسلوا فأولى بالجواز

ولمثل ذلك أجاز أصحابنا في الوقف القسم الثاني دون الأول وأجاز أصحاب مالك وأبي حنيفة كلاهما

وفعل الثاني في الإجازة أبو بكر بن أبي داود وأجاز الخطيب

 

 

الأول وحكاه عن ابن الفراء وابن عمروس وأبطلها القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وهو الصحيح الذي لا ينبغي غيره

فرع

الإجازة للطفل الذي لا يميز صحيحه

وبه قطع القاضي أبو الطيب والخطيب وخالف بعضهم

قلت وقياس سماع الكافر في حال كفره صحة بعضهم والفاسق والمبتدع أولى منه والمجنون وصرح بها الخطيب والحمل وهو أولى من المعدوم

السادس

إجازة ما لم يسمعه المجيز ولم يتحمله أصلا بعد ليرويه المجاز له إذا تحمله المجيز بعد ذلك

قال القاضي عياض لم أر متكلم فيه ورأيت بعضهم يصنعه ثم حكى عن قاضي قرطبة أبي الوليد يوني بن مغيث منع ذلك

 

 

قال القاضي وهو صحيح

قال الشيخ وينبغي أن يبنى هذا على أن الإجازة في حكم الإخبار فلا تصح أو في حكم الإذن فينبغي على الخلاف فيما إذا وكله ببيع عبد سيملكه وقد اجازه بعضهم

والصحيح بطلان هذه الإجازة

وقال النووي أنه الصواب

وعلى هذا يتعين على من أراد أن يروي عن شيخ أجاز له جميع مسموعاته أنه يبحث حتى يعلم أن هذا مما تحمله شيخه قبل الإجازة

وأما قوله أجزت لك ما صح ويصح عندك من مسموعاتي فليس من هذا القبيل وقد فعله الدراقطني وغيره وتجوز الرواية به لما صح عنده سماعه له قبل الإجازة ويجوز ذلك وإن اقتصر على قوله ما صح عندك ولم يقل وما يصح لأن المراد أجزت لك أن تروي عني ما يصح عندك فالمعتبر فيه إذا صحه ذلك عنده حالة الرواية

السابع

إجازة المجاز كأجزتك مجازاتي أو ما أجيز لي فمنعه بعض من لا يعتد به من المتأخرين والصحيح الذي عليه العمل جوازه

 

 

ولا يشبه ذلك ما امتنع من توكيل الوكيل بغير أذن الموكل

وممن جوزه الدارقطتي وابن عقدة وأبو نعيم وأبو الفتح نصر المقدسي وكان أبو الفتح ربما والى في روايته بين إجازات ثلاث وكذا ابن فارس وروى شيخنا عبد الكريم الحلبي في تاريخ مصر عن الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي بخمس أجايز متوالية في عدة مواضع

وينبغي لمن يروي بها أن يتأمل كيفية إجازة شيخ شيخه ومقتضاها لئلا يروي ما لم يدخل تحتها فإن كانت إجازة شيخ شيخه أجزت له ما صح عنده من سماعي فرأى سماع شيخ شيخه كونه من مسموعات شيخه الذي تلك إجازته ولا يكتفي بمجرد صحة ذلك عنده الآن عملا بلفظه وتقييده

 

 

ومن لا يتفطن لهذا وأمثاله يكثر عثاره

هذا آخر أنواع الإجازة التي تمس الحاجة إلى بيانها ويتركب منها أنواع أخر يعرف المتأمل حكمها

ثم هنا أمور

أحدها قال ابن فارس الإجازة مأخوذة من جواز الماء الذي يسقاه الماشية والحرث يقال استجزته فأجازتي إذا سقاك ماء لماشيتك وأرضك كذا طالب يستجيز العالم علمه فيجيزه

فعلى هذا يجوز أن يقول أجزت فلانا مسموعاتي أو مروياتي فيعديه بغير حرف جر

ومن جعل الإجازة إدنا وهو المعروف احتاج لذلك فيقول سبيل الحذف الذي لا يخفي نظيره

ثانيها إنما تستحسن الإجازة إذا علم المجيز ما يجيزه وكان المجاز من أهل العلم لأنها توسع يتأهل له أهل العلم لمسيس حاجتهم إليها

 

 

وبالغ بعضهم فجعل ذلك شرطا وحكي عن مالك وقال ابن عبد البر إنها لا تجوز إلا لماهر بالصناعة وفي شيء معين لا يشكل إسناده

ثالثهما ينبغي للمجيز كتابة أن يتلفظ بها فإن اقتصر على الكتابة مع قصد الإجازة صحت دون الأولى

القسم الرابع من أقسام طرق تحمل الحديث وتلقيه

المناولة وهي على نوعين

مقرونة بالإجازة ومجردة

فالأولى أعلى الأنواع الإجازة مطلقا ولها صور

منها أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو فرعا مقابلا به ويقول هذا سماعي أو روايتي عن فلان فاروه أو أجزت لك روايته عني ثم يملكه له أو يأذن له في نسخه ويقابله به

ومنها أن يدفع إليه الطالب سماعه فيتأمله وهو عارف متيقظ ثم يعيده إليه ويقول هو حديثي أو روايتي فاروه عني أو أجزت لك روايته

وهذا سماه غير واحد من أئمة الحديث عرضا وقد سبق أن القراءة عليه تسمى عرضا أيضا فليسم هذا عرض المناولة وذلك عرض القراءة

 

 

وهذه المناولة كالسماع في القوة عند الزهري ومالك وخلق

والصحيح أنها منحطة عن السماع والقراءة

وهو قول جماعة منهم باقي الأربعة قال الحاكم وعليه عهدنا أئمتنا وإليه ذهبوا نذهب

ومنها أن يتناول الشيخ الطالب سماعه ويجيز له ثم يمسكه الشيخ عنده ولا يمكنه منه

وهذا دون ما سبق وتجوز روايته إذا وجد الكتاب أو فرعا مقابلا به موثوقا بموافقته لما تناولته الإجازة على ما هو معتبر في الإجازات المجردة عن المناولة

ثم أن المناولة في مثل هذا لا يكاد يظهر حصول مزية بها على الإجازة المجردة في معين وقد صار غير واحد من الفقهاء الأصوليين إلى أنه لا تأثير لها ولا فائدة غير أن شيوخ الحديث قديما وحديثا يرون لها مزية معتبرة

ومنها أن يأتيه الطالب بكتاب أو جزء ويقول هذا روايتك فناولنيه وأجزني روايته فيجيبه إليه من غير نظر فيه وتحقيق لروايته فهذا لا يصح

فإن وثق بخبر الطالب ومعرفته اعتمده وصحت الإجازة كما يعتمد في القراءة

 

 

ولو قال حدث عني بما فيه إن كان حديثي مع البراءة من الغلط كان جائزا حسنا قاله الخطيب

النوع الثاني المناولة المجردة عن الإجازة

بأن الرواية يناوله مقتصرا على هذا سماعي فلا تصح الرواية بها وعابها غير واحد من الفقهاء والأصوليين على المحدثين الذين أجازوها وسوغوا الرواية بها وحكى الخطيب عن طائفة من أهل العلم أنهم صححوها وأجازوا الرواية بها وسيأتي إن شاء الله قول من أجاز الرواية بمجرد إعلام الشيخ الطالب أن هذا الكتاب سماعه من فلان

وهذا يزيد على ذلك ويترجح بما فيه من المناولة فإنها لا تخلو من إشعار بالإذن في الرواية بها على الصحيح الذي قاله الفقهاء والأصوليون

قلت ولم يشترط صاحب المحصول الإذن بل ولا المناولة بل الإشارة كافية خلافا لبعض المحدثين

نعم كلام الآمدي يقتضي اشتراط الإذن فيها

 

 

فرغ في عبارة الراوي بطريق المناولة والإجازة

جوز الزهري ومالك وغيرهما إطلاق ( حدثنا ) و ( أخبرنا ) في الرواية بالمناولة وهو لائق بقول من جعلها سماءا ( 1 )

وحكي عن أبي نعيم الأصبهاني وغيره جوازه في الإجازة المجردة وفعله أبو نعيم ( 2 )

وعيب على أبي عبيدالله المزرباني ( 3 ) فعل ذلك

والصحيح المختار الذي عليه الجمهور وأهل التحري والورع المنع وتخصيصهما بعبارة مشعرة بهاكـ ( ـحدثنا أو أخبرنا إجازة أو مناولة أو إذنا ) وشبه ذلك

ودلس جماعة فقالوا في الإجازة ( أخبرنا مشافهة أو كتابة أو في كتابه أو فيما كتب إلي )