الأحد، 11 سبتمبر 2022

ج3.كتاب المزهر في معرفة اللغة للسيوطي الجزء الثالث والاخير{من النوع الحادي والأربعون معرفة آداب اللغوي الي الخاتمة}

 النوع الحادي والأربعون

معرفة آداب اللغوي 

أول ما يلزمه الإخلاص وتصحيح النية لقوله ﷺ: « الأعمال بالنيات » ثم التحري في الأخذ عن الثقات لقوله ﷺ: " إن العلم دِينٌ فانظروا عمن تأخذون دينكم " [1] ولا شك أن علم اللغة من الدِّين لأنه من فروض الكفايات وبه تعرف معاني ألفاظ القرآن والسنة.

 

أخرج أبو بكر بن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لا يُقْرِئ القرآن إلا عالم باللغة.

 

وأخرج أبو بكر بن الأنباري في كتاب الوقف عن طريق عكرمة عن ابن عباس قال: إذا سألتم عن شيء من غريب القرآن فالتمسوه في الشعر فإن الشعر ديوان العرب.

 

وقال الفارابي في خطبة ديوان الأدب: القرآن كلام الله وتنزيله، فصلَ فيه مصالح العباد في معاشهم ومعادهم مما يأتون ويَذَرُون ولا سبيل إلى علمه وإدراك معانيه إلا بالتبحر في علم هذه اللغة وقال بعض أهل العلم:

 

حفظ اللغات علينا ** فرض كفرض الصلاة

 

فليس يُضْبط دين ** إلا بحفظ اللغات

 

وقال ثعلب في أماليه: الفقيه يحتاج إلى اللغة حاجة شديدة.

فصل [الدؤوب والملازمة]

 

وعليه الدؤوب والملازمة فبهما يدرك بغيته.

 

قال ثعلب في أماليه: حدثني الحزامي أبو ضمرة قال: حدثني مَنْ سمع يحيي ابن أبي كثير اليماني يقول: كان يقال: لا يدرك العلم براحة الجسم.

 

قال ثعلب: وقيل للأصمعي: كيف حفظت ونسي أصحابُك قال: دَرَسْتُ وتركوا.

 

قال ثعلب: وحدثني الفضل بن سعيد بن سلم قال: كان رجل يطلب العلم فلا يقدر عليه فعزم على تركه فمرَّ بما يَنْحَدِر من رأس جبل على صخرة قد أثَّر فيها فقال: الماء على لطافته قد أثَّر في صخرة على كثافتها والله لأطلبنَّ فطلب فأدرك.

 

قلت: وإلى هذا أشار من قال:

 

اطلب ولا تضجر من مطلب ** فآفة الطالب أن يضجرا

 

أما ترى الماء بتكراره ** في الصخرة الصماء قد أثرا

فصل [الكتابة والقيد]

 

وليكتب كل ما يراه ويسمعه فذاك أضبط له وفي الحديث: " قيدوا العلم بالكتابة ".

 

وقال القالي في أماليه: حدثنا أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش حدثنا محمد بن يزيد عن أبي المحلم قال: أنشدت يونس أبياتًا من رجز فكتبها على ذراعه ثم قال لي: إنك لجيَّاء بالخير.

 

وقال ابن الأعرابي في نوادره: كنت إذا أتيت العقيلي لم يتكلم بشيء إلا كتبته فقال: ما ترك عندي قابَّة إلا اقْتَبَّها ولا نُقَارة إلا انتقرها.

 

وقال القالي في المقصور والممدود: قال الأصمعي: قال عيسى بن عمر: كنت أنسخ بالليل حتى ينقطع سَوائي يعين وسطه وفي فوائد النَّجَيْرَميّ بخطه: قال شُعْبَة: كنت أجتمع أنا وأبو عمرو بن العلاء عند أبي نوفل بن أبي عقرب فأسأله عن الحديث خاصة ويسأله أبو عمرو عن الشعر واللغة خاصة فلا أكتب شيئا مما يسأله عنه أبو عمرو ولا يكتب أبو عمرو شيئا مما أسأله أنا عنه.

فصل [الرحلة]

 

وليرحل في طلب الفوائد والغرائب كما رحل الأئمة.

 

قال القالي في أماليه: حدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن قال: سمعت عمي يحدث أن أبا العباس ابنَ عمه - وكان من أهل العلم - قال: شهدت ليلة من الليالي بالبادية وكنت نازلًا عند رجل من بني الصَّيداء من أهل القَصِيم فأصبحت وقد عزمت على الرجوع إلى العراق فأتيت أبا مَثْواي فقلت: إني قد هَلِعْت من الغربة واشْتَقْتُ أهلي ولم أُفِدْ في قَدْمتي هذه عليكم كبيرَ علم وإنما كنت أغْتَفِر وَحشة الغربة وَجَفاء البادية للفائدة فأظهر توجُّعًا ثم جفاء ثم أبرز غداء فتغديت معه وأمر بناقة له مَهْرية فارتحلها واكْتَفلها ثم ركب وأرْدَفَني وأَقْبَلَهَا مَطْلِع الشمس فما سرنا كبير مسير حتى لَقِيَنَا شيخٌ على حمار وهو يترنم فسلّم عليه صاحبي وسأله عن نسبه فاعْتَزَى أسديًا من بني ثعلبة فقال: أتُنشد أم تقول فقال: كُلًّا فقال: أينَ تُؤم فأشار بيده إلى ماء قريب من الموضع الذي نحن فيه فأناخ الشيخ وقال لي: خذ بيد عمك فأنزِلْه عن حماره ففعلت فألقى له كساء ثم قال: أنشدنا - يرحمك الله - وتصدَّق على هذا الغريب بأبيات يَعِيهنّ عنك ويذكرك بهن فقال: إي ها الله إذًا ثم أنشدني:

 

لقد طال يا سوداء منكِ المواعد ** ودون الجَدَا المأمولِ منك الفَراقِدُ

 

تمنيننا غدًا وغيمكم غدًا ** ضَبابٌ فلا صحوٌ ولا الغيم جائد

 

إذا أنت أُعْطِيتَ الغنى ثم لم تَجُدْ ** بِفَضْل الغنى أُلْفيتَ مالَك حامدُ

 

وقلّ غَناءً عنك مالٌ جمعته ** إذا صار ميراثًا ووَاراك لاحد

 

إذا أنت لم تَعْرُك بجنبك بعض مَا ** يريبُ من الأدْنى رَمَاك الأباعِدُ

 

إذا الحلم لم يَغلب لك الجهلَ لم تزل ** عليك بُرُوقٌ جَمّةٌ ورواعد

 

إذا العزم لم يَفرُج لك الشدّ لم تزل ** جنيبًا كما استتلى الجنيبة قائد

 

إذا أنت لم تترك طعامًا تحبُّه ** ولا مَقْعَدًا تُدعى إليه الولائد

 

تجللّت عارًا لا يزال يشُبُّه ** سِباب الرجال: نثرهم والقصائد

 

وأنشدني أيضا:

 

تعزّ فإن الصبر بالحرّ أجمل ** وليس على ريب الزمان مُعَوَّل

 

فلو كان يغني أن يُرى المرءُ جازعًا ** لنازلة أو كان يُغْني التَّذَلُّلُ

 

لكان التعزِّي عند كل مصيبة ** ونازلةٍ بالحرّ أوْلَى وأجْمَل

 

فكيف وكلٌّ ليس يعدو حِمامَه ** وما لامرئٍ عما قضى الله مَزْحَل

 

فإن تكن الأيام فينا تبدَّلَت ** بِبُؤْسَى ونعمى والحوادث تفْعل

 

فما ليَّنَتْ منا قناة صليبة ** ولا ذلّلَتْنا للتي ليس يَجْمُل

 

ولكن رَحَلْناها نفوسًا كريمة ** تُحَمَّل ما لا يستطاع فتحمل

 

وقَيْنَا بعزم الصبرِ مِنَّا نفوسَنَا ** فَصَحَّتْ لنا الأعراض والناس هُزَّل

 

قال أبو بكر قال عبد الرحمن قال عمي: فقمت والله وقد أنسيت أهلي وهان علي طول الغربة وشظف العيش سرورًا بما سمعت. ثم قال لي: يا بُنيَّ مَنْ لم تكن استفادةُ الأدب أحبَّ إليه من الأهل والمال لم يَنْجُب.

 

وقال محمد بن المعلى الأزدي في كتاب الترقيص: حدثنا أبو رياش عن الرياشي عن الأصمعي قال: كنت أغشى بيوت الأعراب أكتب عنهم كثيرا حتى أَلِفوني وعرفوا مُرادي فأنا يومًا مارٌّ بَعذَارى البصرة قالت لي امرأة: يا أبا سعيد ائت ذلك الشيخ فإنَّ عنده حديثًا حسنًا فاكتبه إن شئت قلت: أحسن الله إرشادَك فأتيت شيخًا هِمًّا فسلمت عليه فرد عليَّ السلام وقال: من أنت قلت: أنا عبد الملك بن قُرَيْب الأصْمَعي قال: ذُو [2] يتتبع الأعراب فيكتب ألفاظهم قلت: نعم وقد بلغني أن عندك حديثًا حسنًا مُعْجبًا رائعًا وأخبرني باسمك ونسبك قال نعم أنا حذيفة بن سور العَجلاني ولد لأبي سبعُ بنات متواليات وحملت أمي: فقلق قلقًا كاد قلقه يفلُق حبةَ قلبه من خوف بنت ثامنة فقال له شيخ من الحي: ألا استغثت بمَنْ خَلَقهنّ أن يكفيك مؤْنتهن قال: لا جَرَم لا أدعوه إلا في أحب البقاع إليه فإنه كريم لا يضيع قَصْد قاصديه ولا يخيب آمال آمليه فأتى البيت الحرام وقال:

 

يا رب حسبي من بناتٍ حَسْبي ** شيَّبن رأسي وأكلن كَسْبي

 

إن زدتني أخرى خلعتَ قلبي ** وزدتني همًّا يَدُقُّ صلبي

 

فإذا بهاتف يقول:

 

لا تقنطن غشيت يا بن سور ** بذَكَرٍ من خيرة الذُّكور

 

ليس بمثمود ولا منزور ** محمدٍ من فعله مشكور

 

موجَّهٍ في قومه مذكور

 

فرجع أبي واثقًا بالله جلَّ جلالُه فوضعتني أمي فنشأت أحسن ما نشأ غلام عِفّةً وكرمًا وبلغتُ مبْلغ الرجال وقمت بأمر أخواتي وزوَّجتهن وكنَّ عوانس ثم قضى الله تعالى أن سترتهن ووالدتي ثم منَّ الله عليَّ أن أعطاني فأوسع وأكثر وله الحمد وولدت رجالًا كثيرا ونساء وإن بين يدي القوم من ظهري ثمانين رجلًا وامرأة.

فصل [حفظ الشعر]

 

وليعتن بحفظ أشعار العرب فإن فيه حكمًا ومواعظ وآدابًا، وبه يستعان على تفسير القرآن والحديث.

 

قال البخاري في الأدب المفرد: حدثنا سعيد بن بليد حدثنا ابن وهب أخبرني جابر بن إسماعيل وغيره عن عقيل عن ابن شهاب عن عُرْوة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: الشعر منه حَسَنٌ ومنه قبيح خذ الحسن ودع القبيح، ولقد رويت من شعر كعب بن مالك أشعارًا منها القصيدة فيها أربعون بيتًا ودون ذلك.

 

وقال أيضا: حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى سمعت عمرو بن الشريد عن الشريد قال: استنشدني النبي ﷺ شعر أمية بن أبي الصلت فأنشدته فأخذ النبي ﷺ يقول: هِيهِ هيه، حتى أنشدته مائة قافية.

 

وقال أيضا: حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثني معن حدثني عمرو بن سلام أن عبد الملك بن مروان دفع ولده إلى الشعبي يؤدبهم فقال: عَلّمْهم الشعر يَمجدوا ويَنْجدوا وأطعمهم اللحم تشتد قلوبهم وجزّ شعورهم تشتد رِقابُهم وجالس بهم عِلْيَة الرجال يُناقِضوهم الكلام.

 

وقال ثعلب في أماليه: أخبرنا عبد الله بن شبيب قال: حدثني ثابت بن عبد الرحمن قال: كتب معاوية بن أبي سفيان إلى زياد: إذا جاءك كتابي فأوفد إليّ ابنك عبيد الله فأوفده عليه فما سأله عن شيء إلا أنفذه له حتى سأله عن الشعر فلم يعرف منه شيئا قال: فما منعك من روايته قال: كرهت أن أجمع كلام الله وكلام الشيطان في صدري فقال: اعْزُب والله لقد وضعت رجلي في الرِّكاب يوم صِفِّين مرارًا ما يمنعني من الانهزام إلا أبيات ابن الإطْنابة حيث يقول:

 

أبتْ لي عِفَّتي وأبَى بَلائى ** وأخْذِي الحمدَ بالثَّمَن الرَّبيح

 

وإعطائي على الإعدام مالي ** وإقدامي على البطل المُشيح

 

وقولي كلما جَشأت وجَاشت ** مكانك تحمدي أو تستريحي

 

لأدفع عن مآثرَ صالحات ** وأحمي بعدُ عن عِرْض صحيح

 

وكتب إلى أبيه أن رَوِّهِ الشعر فروَّاه فما كان يسقط عليه منه شيء.

 

وقال القالي في أماليه: أخبرني أبو بكر بن الأنباري قال: أتى أعرابي إلى ابن عباس فقال:

 

تَخَوَّفني مالي أخٌ لي ظالمٌ ** فلا تَخْذُلَنِّي المال يا خير من بقي

 

فقال: تخوفكَ تَنقّصك؟ قال: نعم قال: الله أكبر { أوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ } أي على تنقص من خيارهم.

فصل

 

ولا يقتصر على رواية الأشعار من غير تفهم ما فيها من المعاني واللطائف فيدخل في قول مَرْوان بن أبي حفصة يذم قومًا استكثروا من رواية الأشعار ولا يعلمون ما هي:

 

زوامل للأشعار لا علم عندهم ** بجيّدها إلا كعلم الأباعر

 

لعمرك ما يدري البعير إذا غدا ** بأوساقه أو راح ما في الغرائر

فصل [التثبت في الرواية]

 

وإذا سمع من أحد شيئا فلا بأس أن يتثبت فيه.

 

قال في الصحاح: سألت أعرابيًا من بني تميم بنجْد وهو يستقي وبكرته نخيس فوضعت أصبعي على النِّخَاس فقلت: ما هذا - وأردت أن أتعرف منه الحاء والخاء - فقال: نِخاس بخاء معجمة فقلت: أليس قال الشاعر: * وَبَكْرَة نِحَاسُهَا نُحَاسُ * فقال: ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين. والنِّخاس: خُشَيبة تلقم في ثقب البَكْرة إذا اتسع مما يأكله المحور.

 

قال ابن دريد في الجمهرة: قال أبو حاتم: قال الأصمعي: سمعت أعرابيًا يقول: عطس فلان فخرج من أنفه جُلَعْلِعَة فسألته عن الكلمة فقال: هي خُنفساء نصفها حيوان ونصفها طين قال: فلا أنسى فرحي بهذه الفائدة.

فصل [الرفق بمن يؤخذ عنهم]

 

وليرفُق بمن يأخذ عنه ولا يكثر عليه ولا يطول بحيث يضجر.

 

وفي أمالي ثعلب: إنه قال حين آذوه بكثرة المسائل: قال أبو عمرو: لو أمكنت الناس من نفسي ما تركوا لي طوبة، أي آجرّة.

فصل [الحافظ]

 

فإذا بلغ الرتبة المطلوبة صار يدعى الحافظ كما أن من بلغ الرتبة العليا من الحديث يسمى الحافظ وعلم الحديث واللغة أخوان يجريان من واد واحد.

 

قال ثعلب في أماليه: قال لي سلمة: أصحابك ليس يحفظون قلت: بلى فلان حافظ وفلان حافظ قال: يغيرون الألفاظ ويقولون لي قال الفراء كذا وقال كذا وقد طالت المدة فأجهد أن أعرف ذلك فلا أعرفه ولا أدري ما يقولون.

فصل [وظائف الحافظ]

 

وظائف الحافظ في اللغة أربعة: أحدها وهي العليا: الإملاء كما أن الحفاظ من أهل الحديث أعظم وظائفهم الإملاء. وقد أملى حفاظ اللغة من المتقدمين الكثير. فأملى ثعلب مجالس عديدة في مجلد ضخم وأملى ابن دريد مجالس كثيرة رأيت منها مجلدًا وأملى أبو محمد القاسم بن الأنباري وولده أبو بكر ما لا يحصى وأملى أبو علي القالي خمسة مجلدات وغيرُهم وطريقتهم في الإملاء كطريقة المحدِّثين سواء يكتب المستملي أول القائمة: "مجلس أملاه شيخنا فلان بجامع كذا في يوم كذا" ويذكر التاريخ، ثم يورد المملي بإسناده كلامًا عن العرب والفصحاء فيه غريب يحتاج إلى التفسير ثم يفسره ويورد من أشعار العرب وغيرها بأسانيده ومن الفوائد اللغوية بإسناد وغير إسناد ما يختاره.

 

وقد كان هذا في الصدر الأول فاشيًا كثيرا ثم ماتت الحفاظ وانقطع إملاء اللغة عن دهر مديد واستمر إملاء الحديث، ولما شرعت في إملاء الحديث سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة وجددته بعد انقطاعه عشرين سنة من سنة مات الحافظ أبو الفضل بن حجر أردت أن أجدد إملاء اللغة وأحييه بعد دثوره فأمليت مجلسًا واحدًا فلم أجد له حَملة ولا من يرغب فيه فتركته.

 

وآخر من عَلِمتُه أَملى عَلَى طريقة اللغويين أبو القاسم الزجاجي له أمالٍ كثيرة في مجلد ضخم، وكانت وفاته سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، ولم أقف على أمال لأحد بعده.

 

قال ثعلب في أماليه: حضرت مجلس ابن حبيب فلم يُمْل فقلت: ويحك أَمْلِ مالك فلم يفعل حتى قمت وكان حافظًا صدوقًا في الحق وكان يعقوب أعلم منه وكان هو أحفظ للأنساب والأخبار منه.

 

قلت: في هذا توقير العالم مَنْ هو أجلُّ منه فلا يُملي بحضرته.

 

الوظيفة الثانية: الإفتاء في اللغة وليقصد التحري والإبانة والإفادة والوقوفَ عند ما يعلم وليقل فيما لا يعلم: لا أعلم وإذا سئل عن غريب وكان مفسرًا في القرآن فليقتصر عليه.

 

قال ثعلب في أماليه: قال لي محمد بن عبد الله بن طاهر: ما الهَلع فقلت: قد فسره الله تعالى ولا يكون أبين من تفسيره وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع وإذا ناله الخير بخل به ومنعه الناس.

ذكر من سئل من علماء العربية عن شيء فقال لا أدري

 

قال: القاضي أبو علي المُحسن بن التَّنُوخي في كتابه أخبار المذاكرة ونِشْوار المحاضرة حدثني علي بن محمد الفقيه المعروف بالمسرحي أحد خلفاء القضاة ببغداد قال: حدثني أبو عبد الله الزعفراني قال: كنت بحضرة أبي العباس ثعلب يومًا فسئل عن شيء فقال: لا أردي فقيل له: أتقول لا أدري وإليك تضرب أكباد الإبل وإليك الرحلة من كل بلد فقال للسائل: لو كان لأمك بعدد لا أدري بَعْر لاسْتَغْنَتْ.

 

قال القاضي أبو علي: ويشبه هذه الحكاية ما بلغنا عن الشَّعبي أنه سئل عن مسألة فقال: لا أدري فقيل له: فبأي شيء تأخذون رزق السلطان فقال: لأقول فيما لا أدري لا أدري.

 

وقال ابن أبي الدنيا في كتاب الأشراف: حدثني أبو صالح المرْوَزِيّ قال: سمعت أبا وهب محمد بن مزاحم قال: قيل للشَّعبي: إنا لنستحيي من كثرة ما تُسأل فتقول لا أدري فقال: لكنْ ملائكةُ الله المقربون لم يستحيوا حين سئلوا عما لا يعلمون أن قالوا: { لا عِلْمَ لَنَا إلا مَا عَلَّمْتَنَا إنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }.

 

وقال محمد بن حبيب: سألت أبا عبد الله محمد بن الأعرابي في مجلس واحد عن بضع عشرة مسألة من شعر الطِّرِماح يقول في كلها: لا أدري ولم أسمع أَفَأُحَدِّثُ لك برأيي أورده ياقوت الحموي في معجم الأدباء.

 

وفي أمالي ثعلب: قال الأخفش: لا أدري والله ما قول العرب وضع يديه بين مَقْمُورَتين يعني بين شَرَّتين.

 

وفي الغريب المصنف: قال الأصمعي: ما أدري ما الحَور في العين قال: ولا أعرف للصَّوت الذي يجيء من بطن الدابة اسمًا قال: والمِصْحاة إناء ولا أدري من أي شيء هو قال: ولا أدري لم سمي سامٌّ أبرص.

 

وسئل الأصمعي عن عُنْجُول فقال: دابة لم أقف على حقيقته نقله في الجمهرة.

 

وفيها: قال أبو حاتم: قلت للأصمعي: ممّ اشتقاق هَصَّان وهُصَيْص قال: لا أدري.

 

وقال أبو حاتم: أظنه مُعَرَّبًا وهو الصلب الشديد لأن الهَصّ: الظهر بالنَّبَطية.

 

وقال الأصمعي فيما زعموا: قيل لنصيب: ما الشَّلْشَال في بيت قاله فقال: لا أدري سمعته يقال فَقُلْتُه فقال ابن دريد: ماء شلشل إذا تَشَلْشَل قطرة في إثر قطرة.

 

وفيها: قال الأصمعي: لا أدري ممَّ اشتقاق جَيْهان وَجُهَيْنة وأَرْأَسَة: أسماء رجال من العرب.

 

قال ابن دريد في الجمهرة: جيئَل اسم من أسماء الضَّبُع: سألت أبا حاتم عن اشتقاقه فقال: لا أعرفه وسألت أبا عثمان فقال: إن لم يكن من جألتُ الصوف والشعر إذا جمعتهما فلا أدري.

 

وقال ابن دريد: أملى علينا أبو حاتم قال: قال أبو زيد: ما بني عليه الكلام ثلاثة أحرف فما زاد رَدّوه إلى ثلاثة وما نقص رَفعوه إلى ثلاثة مثل أب وأخ ودم وفم ويد.

 

وقال ابن دريد: لا أدري ما معنى قوله فما زاد ردوه إلى ثلاثة وهكذا أملى علينا أبو حاتم عن أبي زيد ولا أغيِّره.

 

وقال ابن دريد: الصُّبَاحية: الأسنة العِراض لا أدري إلى من نسبت.

 

وقال ابن دريد: أخبرنا أبو حاتم عن الأخفش قال: قال يونس: سألت أبا الدُّقَيش: ما الدُّقَيش فقال: لا أدري إنما هي أسماء نسمعها فنتسمى بها وقال أبو عبيدة: الدَّقْشة: دُوَيبَّة رقطاء أصغر من القطاة قال: والدُّقيش: شبيه بالقَشّ.

 

وقال ابن دريد: قال أبو حاتم: لا أدري من الواو هو أم من الياء قولهم: ضَحى الرجل للشمس يضْحى ومنه قوله تعالى: { لا تظْمَأُ فِيها وَلا تضْحَى } وقال أبو إسحاق النَّجَيْرمِي: تقول العرب: إن في ماله لمنتفدًا: أي سعة ولست أحفظ كيف سمعته بالفاء أو بالقاف.

ذكر من سئل عن شيء فلم يعرفه فسأل من هو أعلم منه

 

قال الزجاجي في أماليه: أخبرنا نِفطويه قال: قال ثعلب: سألنا بعض أصحابنا عن قول الشاعر:

 

جاءت به مُرْمَدًا ما مُلّا ** مانيّ ألّ خَمّ حين أَلَّى

 

فلم أدر ما أقول فصرت إلى ابن الأعرابي فسألته عنه ففسره لي فقال: هذا يصف قرصًا خبزته امرأة فلم تنضجه.

 

مرمدًا أي ملوَّثًا بالرماد ما مُلَّ أي لم يُملَّ في المَلَّة وهي الجمر والرماد الحار وما في مانِيَّ زائدة فكأنه قال: نيَّ أل والأل وجهه يعني وجه القرص وخم أي تغير حين ألَّى أي حين أبطأ في النضج.

فصل [عزو العلم إلى قائله]

 

ومن بركة العلم وشكره عزوه إلى قائله.

 

قال الحافظ أبو طاهر السِّلفي: سمعت أبا الحسن الصيرفي يقول: سمعت أبا عبد الله الصوري يقول: قال لي عبد الغني بن سعيد: لما وصل كتابي إلى عبد الله الحاكم أجابني بالشكر عليه، وذكر أنه أملاه على الناس وضمّن كتابه إليّ الاعترافَ بالفائدة وأنه لا يذكرها إلا عني، وأن أبا العباس محمد بن يعقوبَ الأصم حدثهم قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري قال: سمعت أبا عبيد يقول: مِنْ شكر العلم أن تستفيد الشيء فإذا ذكر لك قلت خفي عليَّ كذا وكذا ولم يكن لي به علم حتى أفادني فلان فيه كذا وكذا، فهذا شكر العلم. انتهى.

 

قلت: ولهذا لا تراني أذكر في شيء من تصانيفي حرفًا إلا معزوًا إلى قائله من العلماء مبينًا كتابه الذي ذكر فيه.

 

وفي فوائد النَّجَيْرَمِيِّ بخطه: قال العباس بن بكار للضبيّ: ما أحسن اختيارك للأشعار فلو زدتنا من اختيارك فقال: والله ما هذا الاختيار لي ولكن إبراهيم بن عبد الله استتر عندي فكنت أطوف وأعود إليه بالأخبار فيأنس ويحدثني ثم عرض لي خروج إلى ضيعتي أيامًا فقال لي: اجعل كتبك عندي لأستريح إلى النظر فيها فتركت عنده قمطرين فيهما أشعار وأخبار فلما عدت وجدته قد علم على هذه الأشعار وكان أحفظ الناس للشعر فجمعته وأخرجته فقال الناس: اختيار المفضّل.

ذكر من ظن شيئا ولم يقف فيه على الرواية فوقف عن الإقدام عليه

 

قال في الجمهرة: أحسب أنهم قالوا: أشَّ على غنمه يَئِس أشًّا مثل هشَّ سواء ولا أقف على حقيقته.

 

وقال ابن دريد: أحسبني قد سمعت جمل سِنْدَأْب صلْب شديد.

 

وقال أبو عبيد في الغريب المصنف: قال أبو عمرو: أحسبني قد سمعت رماح أزَنِيّة.

فصل [الرجوع إلى الصواب]

 

وإذا اتفق له أنه أخطأ في شيء ثم بَانَ له الصواب فليرجع ولا يصر على غلطه.

 

قال أبو الحسن الأخفش: سمعت أبا العباس المبرد يقول: إن الذي يغلط ثم يرجع لا يعد ذلك خطأ لأنه قد خرج منه برجوعه عنه وإنما الخطأ البَيِّن الذي يصر على خَطائِه ولا يرجع عنه فذاك يعد كذابًا ملعونًا.

ذكر من قال قولا ورجع عنه

 

قال في الجمهرة: أجاز أبو زيد: رثَّ الثوب وأرثَّ وأبى الأصمعي إلا أرثَّ قال أبو حاتم: ثم رجع بعد ذلك فأجاز رَثّ وأرثَّ رَثَاثَة ورثُوثة.

 

وقال في باب آخر: أجاز أبو زيد وأبو عبيدة: صَبَت الريح وأصبت ولم يجزه الأصمعي ثم زعموا أن أبا زيد رجع عنه.

 

وقال فيها: قال الأصمعي: يقال كان ذلك في صَبائه يعني في صِباه إذا فتحوه مَدّوه ثم ترك ذلك وكأنه شك فيه!

 

وفي الغريب المصنف: كان أبو عبيدة مرةً يروي: زَبقته في السجن أي حبسته بالزاي ثم رجع إلى الراء.

 

وفي الغريب المصنف أيضا: الدحْداح: القصير قال أبو عمرو بالدّال ثم شك فقال بالذال وبالدال ثم رجع فقال بالدال وهو الصواب.

[الرد على العلماء إذا أخطأوا]

 

وإذا تبين له الخطأ في جواب غيره من العلماء فلا بأس بالرد عليه ومناظرته ليظهر الصواب.

 

قال الفضل بن العباس الباهلي: كان أول من أغرى ابن الأعرابي بالأصمعي أن الأصمعي أتى ولد سعيد ابن سَلْم الباهلي فسألهم عما يَرْوُونه من الشعر فأنشده بعضهم القصيدة التي فيها:

 

سمين الضَّواحي لم تُؤَرِّقْه ليلةٌ ** وأنْعَمَ أبكارُ الهموم وعُونُها

 

فقال الأصمعي: من رَوَّاك هذا الشعر قال: مؤدب لنا يعرف بابن الأعرابي: قال: أحضروه فأحضروه فقال له: هكذا روَّيتَهم هذا البيت برفع ليلة قال: نعم فقال الأصمعي هذا خطأ إنما الرواية ليلةً بالنصب يريد: لم تؤرقه أبكار الهموم وعونها ليلةً من الليالي قال: ولو كانت الرواية ليلةٌ بالرفع كانت ليلة مرفوعة بتؤرقه فبأي شيء يرفع أبكار الهموم وعونها؟

فصل [متى يحسن السكوت عن الجواب]

 

وإذا كان المسؤولُ عنه من الدقائق التي مات أكثرُ أهلها فلا بأسَ أن يسكت عن الجواب إعزازا للعلم وإظهارا للفضيلة.

 

قال أبو جعفر النحاس في شرح المعلقات: حكي عن الأصمعي أنه قال: سألتُ أبا عمرو بن العلاء عن قوله:

 

زعموا أنَّ كلَّ مَنْ ضرب العَيْـ ** ر مُوالٍ لنا وأَنَّا الوَلاء

 

فقال: مات الذين يعرفون هذا.

 

وقال أبو عبيد في أماليه: حكي عن أبي عمرو بن العلاء أنه سُئِل عن قول امرئ القيس:

 

نطْعُنُهُمْ سُلْكَى ومَخْلُوجَةً ** كرَّك لأْمَيْنِ على نَابِل

 

فقال: قد ذهب من يُحْسِنه.

فصل

 

ولا بأس بالسكوت إذا رأى من الحاضرين ما لا يليق بالأدب.

 

قال ثعلب في أماليه: كنا عند أحمد بن سعيد بن سلم وعنده جماعة من أهلِ البصرة منهم أبو العالية والسدري وأبو معاوية وعافية فجرت بيننا وبينهم أبيات الشماخ فخُضْنَا فيها إلى أن ذكرنا قول ابن الأعرابي:

 

إذَا دعت غَوْثَها ضرَّاتُها فَزِعتْ ** أطباقَ نيٍّ على الأثْبَاج منْضودِ

 

قال ثعلب: فقلنا: ابن الأعرابي يقول: قرِعَت فضحكوا من ذلك فنحن كذلك إذ دخل ابن الأعرابي فسألته عن الأبيات وألححت عليه في السؤال فانقبض من إلحاحي فقلت له: مالك قد انقبضت قال: لأنك قد ألححت قال: كنت مع هؤلاء القوم في هذه الأبيات فلما جئتَ سألتك قال: كان ينبغي أن تتركهم حتى يسألوا هم، ثم تكلم إلى العصر، ما مِنْ إنسان يرُدُّ عليه حرفًا ثم انصرف. فأتيته يوم الثُّلاثاء فإذا أبو المكارم في صدر مجلسه فقال: سله عن الأبيات فسألته فأنشدني قرِعَتْ: فقلت: ما قرعت قال: إنه يشتد عليها الحَفْل إذا أبطأوا بحلبها حتى يجيءَ الِوطاب فَتُقْرَع لها العُلَب فتسكن لذلك والعُلَب من جلود الإبل وهي أطباق النِّيء فقال لي ابن الأعرابي: قد سمعت كما سمعت.

 

قال ثعلب في أماليه: من قال فَزِعت أي استغاثت بشحم ولحم كثير وكذا يروي أبو عمرو والأصمعي فزع: استغاث أي أراد أغاثها الشحم واللحم.

فصل [التثبت في تفسير غريب القرآن والحديث]

 

وليْتثبّت كل التثبت في تفسير غريب وقع في القرآن أو في الحديث.

 

قال المبرد في الكامل: كان الأصمعي لا يفسر شعرًا يوافق تفسيرُه شيئا من القرآن وسئل عن قول الشَّمَاخ:

 

طَوَى ظِمأها في بَيْضَة القيظ بعد ما ** جرى في عنان الشِّعْرَييْن الأَمَاعز

 

فأبى أن يفسر في عنان الشِّعْرَيَيْنِ.

 

وقال ابن دريد في الجمهرة: قال أبو حاتم: سألت الأصمعي عن الصَّرْف والعَدْل فلم يتكلم فيه.

 

قال ابن دريد: سألت عنه عبد الرحمن فقال الصرف: الاحتيال والتكلف والعَدْل: الفِدى والمِثْل فلم أدر ممن سمعه.

 

قال ابن دريد: وقال أبو حاتم: قلتُ للأصمعي: الرَّبة: الجماعة من الناس، فلم يقل فيه شيئا وأوهمني أنه تركه لأن في القرآن { رِبِّيُّونَ } أي جماعة منسوبة إلى الرَّبّ ولم يذكر الأصمعي في الأساطير شيئا.

 

قال في الجمهرة في باب ما اتفق عليه أبو زيد وأبو عبيد: وكان الأصمعي يشدد فيه ولا يجيز أكثره مما تكلمت به العرب من فعلت وأفعلت وطعن في الأبيات التي قالتها العرب واستشهد على ذلك.

 

فمن ذلك: بان لي الأمر وأَبان ونَارَ لي الأمر وأنار إلى أن قال: وسرى وأسرى ولم يتكلم فيه الأصمعي لأنه في القرآن وقد قرئ " فَأسرِ بأهْلِكَ " و " فَاسْرِ بأهْلِكَ ".

 

قال: وكذلك لم يتكلم في عصفت وأعصفت لأن في القرآن { رِيحٌ عَاصِفٌ }، ولم يتكلم في نَشَر الله الميت وأنْشَرَه.

 

ولا في سَحَته وأسحته لأنه قُرِئَ { فَيُسْحِتَكُمْ }.

 

ولا في رفث وأرفث.

 

ولا في جَلَوْا عن الدار وأَجْلَوْا.

 

ولا في سلك الطريق وأسلكه لأن في القرآن { مَا سَلَكَكُمْ في سَقَرَ }.

 

ولا في يَنَعت الثمر وأينعت لأنه قرئ " يَنْعِهِ " ويَانِعِهِ.

 

ولا في نَكِرته وأنكرته لأن في التنزيل { نَكِرَهُمْ } { وقَوْمٌ مُنْكَرُونَ }.

 

ولا في خلد إلى الأرض وأخلد.

 

ولا في كنَنْت الحديث وأكننته لأن في التنزيل { بَيْضٌ مَكْنُونٌ } { مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ }.

 

ولا في وعيت العلم وأوعيته لأن فيه { جَمَعَ فَأوْعى }.

 

ولا في وحي وأوحى.

 

قال في الجمهرة: الذي سمعت أن معنى الخليل الذي أصفى المودة وأصَحَّها ولا أزيد فيها شيئا قال: لأنها في القرآن [ يعني قوله تعالى: { واتَّخَذَ اللهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا } ].

 

وقال: الإدّ من الأمر: الفظيع العظيم، وفي التنزيل { لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إدًّا } والله أعلم بكتابه.

 

وقال: { وتَلَّه } إذا صرعه وكذلك فسر في التنزيل والله أعلم بكتابه.

 

وقال: زعم قوم من أهل اللغة أن اللات التي كانت تُعبد في الجاهلية صخرة كان عندها رجل يَلُثُّ السويق للحاج فلما مات عُبِدَتْ، ولا أدري ما صحة ذلك ولو كان ذلك كذلك لقالوا: اللاتّ يا هذا وقد قرئَ اللات والعُزَّى بالتخفيف والتشديد والله أعلم. ولم يجئ في الشعر إلا بالتخفيف، قال زيد بن عمرو بن نفيل:

 

تركت اللات والعزى جميعًا ** كذلك يفعل الجَلْدُ الصَّبور

 

وقد سَمَّوْا في الجاهلية زيد اللات بالتخفيف لا غير، فإن حملت هذه الكلمة في الاشتقاق لم أحب أن أتكلم فيها.

 

وقال: قد جاء في التنزيل { حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ } قال أبو عبيدة: عذابًا،، ولا أدري ما أقول في هذا.

 

وقال: الأَثَام لا أحب أن أتكلم فيه لأن المفسرين يقولون في قوله تعالى: { يَلقَ أَثامًا } هو واد في جهنم. وقال ابن دريد: روي عن علي رضي الله عنه.

 

أفْلَحَ مَنْ كانت له مِزَخَّهْ ** يَزُخُّهَا ثم ينام الفَخَّه

 

قال: أحسب الفخة النفخ في النوم وهذا شيءٌ لا أقدم على الكلام فيه.

فصل [تحرج الأصمعي]

 

قال المبرد في الكامل: كان الأصمعي لا يفسر ولا ينشد ما كان فيه ذكر الأنواء لقوله ﷺ: " إذا ذكرت النجوم فأَمسكوا " [3] وكان لا يفسر ولا ينشد شعرًا يكون فيه هجاء.

ذكر من عجز لسانه عن الإنابة عن تفسير اللفظ فعدل إلى الإشارة والتمثيل

 

قال الأزدي في كتاب الترقيص: أنشدني أبو رياش:

 

أمّ عيال ضَنْؤُها غيرُ أَمِرْ ** صَهْصَلِقُ الصَّوْت بعينيها الصَّبِرْ

 

تغدو على الْحي بعود منكسرْ ** وتقمطرّ تارة وتَقْذَحِرّ

 

لَوْ نُحِرَتْ في بيتها عَشرُ جُزُرْ ** لأصْبَحَتْ من لحمهن تعتذِرْ

 

بِحَلِفٍ سَحٍّ ودمع منهمر

 

قلت لأبي رياش: ما معنى تَقْذَحِرّ فقال: حدثني ابن دريد قال: حدثنا أبو حاتم قال أنشدناه الأصمعي فسألته عنه فقال: أنشدناه أبو عمرو بن العلاء فسألته عن الاقذِحْرَارِ فقال: أرأيت سِنّورًا بين رَوَاقِيد لم يزدني على هذا شيئا.

 

وقال في الصحاح: المقذحرّ: المتهيئ للسباب والشرّ تراه الدهرَ منتفخًا شبه الغضبان قال أبو عبيدة: هو بالذال والدال جميعًا والمقذعر مثله قال الأصمعي: سألت خَلفًا الأحمر عنه فلم يتهيأ له أن يُخرج تفسيره بلفظ واحد فقال: أما رأيت سِنَّورًا متوحشًا في أصل رَاقُود!

فصل [تنبيه الراوي على ما يخالفه]

 

وإذا كان له مخالف فلا بأس بالتنبيه على خلافه.

 

قال في الغريب المصنف: قال الكسائي: الذي يلتزق في أسفل القدر القُرارة والقُرورة وقال الفراء عن الكسائي: هي القُرَرة فاختلفتُ أنا والفراء فقال هو قُرَرة وقلت أنا قُرُرة.

فصل [التحري في الفتوى]

 

ويكون تحريه في الفتوى أبلغ مما يذكر في المذاكرة.

 

قال أبو حاتم السجستاني في كتاب الليل والنهار سمعت الأصمعي مرة يتحدث فقال: في ِحِمّرة الشتاء فسألته بعد ذلك هل يقال حمرة الشتاء؟ فجبن عن ذلك وقال: حِمرّة القيظ.

[الرواية والتعليم]

 

الوظيفة الثالثة والرابعة: الرواية والتعليم ومن آدابهما الإخلاص وأن يقصد بذلك نشر العلم وإحياءَه والصدق في الرواية والتحري والنصحَ في التعليم والاقتصار على القدر الذي تحمله طاقة المتعلم.

ذكر التثبت إذا شك في اللفظة هل من قول الشيخ أو رواها عن شيخه

 

قال القالي في المقصور والممدود: أنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال: أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:

 

وجاد بها الوُرّاد يحجز بينها ** سُدًى بين قَرقار الهدير وأَزْجما

 

أي بين هادر وأخرس، كذا قال ابن الأنباري فلا أدري رواه عن أبي العباس أو قاله هو.

 

وقال أيضا: حكى الفراء: لا ترجع الأمة على قَرْوَائها أبدًا كذا حكاه عنه ابن الأنباري في كتابه ولم يفسره فاستفسرناه فقال: على اجتماعها فلا أدري أشتقّه أم رواه.

ذكر التحري في الرواية والفرق بين مثله ونحوه

 

قال في الغريب المصنف عن الأصمعي: العُروة من الشجرة: الذي لا يزال باقيًا في الأرض لا يذهب وجمعه عُرَى وهو قول مهلهل: * شجرة العُرَى وعُرَاعِرُ الأقوام * قال أبو عبيدة في العروة مثله أو نحوه إلا أنه قال هذا البيت لشرحبيل، رجل من بني تغلب. أبو عمرو مثل قولهما في العُروة أو نحوه.

ذكر كيفية العمل عند اختلاف الرواة

 

قال القالي في أماليه: قرأت على أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد هذه القصيدة في شعر كَعبٍ الغَنَوي وأملاها علينا أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش وقال لي: قرئ على أبي العباس محمد بن الحسن الأحول ومحمد بن يزيد وأحمد بن يحيى قال: وبعضهم يروي هذه القصيدة لكعب بن سعد الغَنَوي وبعضهم يرويها بأسرها لسَهْم الغنوي وهو من قومه وليس بأخيه وبعضهم يروي شيئا منها لسَهْم.

 

قال: وزادنا أحمد بن يحيى عن أبي العالية في أولها بيتين قال: وهؤلاء كلهم مختلفون في تقديم الأبيات وتأخيرها وزيادة الأبيات ونقصانها وفي تغيير الحروف في متن البيت وعجزه وصدره.

 

قال أبو عليّ: وأنا ذاكر جميع ذلك. قال: والمرثي بهذه القصيدة يُكْنَى أبا المِغوار واسمه هرم وبعضهم يقول اسمه شبيب ويحتج ببيت رُوي في هذه القصيدة: * أقام وخَلَّى الظاعنين شبيبُ * وهذا البيت مصنوع والأول كأنه أصح لأنه رواه ثقة.

ذكر التلفيق بين روايتين

 

قال أبو سعيد السُّكَّري في شرح شعر هُذيل: يمتنع التلفيق في رواية الأشعار قال: كقول أبي ذؤيب:

 

دعاني إليها القلبُ إني لأَمْرِه ** سميعٌ فيما أدْري أَرُشْدٌ طلابُها

 

فإن أبا عمرو رواه بهذا اللفظ "دعاني وسميع" ورواه الأصمعي بلفظ عصاني بدل دعاني وبلفظ مطيع بدل سميع، قال: فيمتنع في الإنشاء ذكر دعاني مع مطيع أو عصاني مع سميع لأنه من باب التلفيق.

ذكر من روى الشعر فحرفه ورواه على غير ما روت الرواة

 

قال القالي في المقصور والممدود: أخبرني أبو بكر الأنباري: قال أنشد بعض الناس قول الشاعر:

 

سيغنيني الذي أغناك عنيْ ** فلا فقرٌ يدوم ولا غَناءُ

 

بفتح الغين وقال: الغَناء: الاستغناء، ممدود.

 

وقوله عندنا خطأ من وجهين، وذلك أنه لم يروه أحد من الأئمة بفتح الغين والشعر سبيلُه أن يحكى عن الأئمة كما تحكى اللغة ولا تبطل رواية الأئمة بالتظني والحَدْس والحجة الأخرى أن الغَناء على معنى الغِنى فهذا يبين لك غلط هذا المتقحم على خلاف الأئمة. انتهى.

 

قال محمد بن سلام: وجدنا رواة العلم يغلطون في الشعر ولا يَضْبط الشعْرَ إلا أهلُه وقد روي عن لَبيد:

 

باتت تَشَكَّى إليّ النفس مجهشةْ ** وقد حملتك سبعًا فوق سبعين

 

فإن تعيشي ثلاثًا تبلغي أملًا ** وفي الثَّلاثِ وفاءٌ للثمانين

 

ولا اختلاف في هذا أنه مصنوع تكثر به الأحاديث ويُستعان به على السمر عند الملوك، والملوك لا تَسْتَقْصِي.

 

وكان قَتادة بن دِعامة السَّدوسي عالمًا بالعرب وبأنسابها وأيامها ولم يأتنا عن أحد من علم العرب أصح من شيء أتانا عن قتادة.

 

أخبرنا عامر بن عبد الملك قال: كان الرجلان من بني مروان يختلفان في الشعر فيرسلان راكبًا وكان أبو بكر الهذلي يَروي هذا العلم عن قَتادة وأخبرني سعيد بن عبيد عن أبي عوانة قال: شهدت عامرَ بن عبد الملك يسأل قَتادة عن أيام العرب وأنسابها وأحاديثها فاستحسنته فعدت إليه فجعلت أسأله عن ذلك فقال: مالك ولهذا دَعْ هذا العلم لعامر وعُدْ إلى شأنك.

 

وقال القالي في أماليه: حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثني أبي عن أحمد بن عبيد عن الزيادي عن المطلب بن المطلب بن أبي وَدَاعة عن جده قال: رأيت رسول الله ﷺ وأبا بكر رضي الله عنه على باب بني شيبة فمرّ رجل وهو يقول:

 

يا أيُّها الرجل المحوِّل رحلَه ** ألا نزلت بآل عبد البار

 

هَبِلَتْكَ أُمُّكَ لو نزلت برحلهم ** مَنَعُوك من عُدْمٍ ومن إقْتَارِ

 

قال: فالتفت رسول الله ﷺ إلى أبي بكر فقال: أهكذا قال الشاعر قال: لا والذي بعثك بالحق لكنه قال:

 

يا أيها الرجل المحوِّل رحلَه ** ألا نزلت بآل عبد منافِ

 

هَبِلتْك أمك لو نزلت برحلهم ** منعوك من عُدْم ومن إقرَافِ

 

الخالطين فقيرَهم بغنيهم ** حتى يعود فقيرُهم كالكافي

 

وَيُكلِّلُونَ جِفانَهُمْ بسَدِيفهِم ** حتى تَغِيبَ الشَّمْسُ في الرَّجَّافِ

 

قال: فتبسم رسول الله ﷺ وقال: "هكذا سمعت الرواة ينشدونه".

فصل [الإمساك في الرواية عند الطعن في السن]

 

ومن آداب اللغوي أن يمسك عن الرواية إذا كَبِر ونسي وخاف التخليط.

 

قال أبو الطيب اللغوي في كتاب مراتب النحويين: كان أبو زيد قارب في سنه المائة فاختلَّ حِفْظُه ولم يختلّ عقله فأخبرنا عبد القدوس بن أحمد أنبأنا أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري أنبأنا الرياشي قال: رأيت أبا زيد ومعي كتابُه في الشجر والكلأ فقلت له: أقرأ عليك هذا فقال: لا تقرأه عليَّ فإني أنسيته.

ذكر طرح الشيخ المسألة على أصحابه ليفيدهم

 

قال ابن خالويه في شرح الدريدية: خرج الأصمعي على أصحابه فقال لهم: ما معنى قول الخنساء:

 

يذكّرني طلوعُ الشمس صخرًا ** وأَندُبُه لكل غروب شمس

 

لم خَصَّت هذين الوقتين فلم يعرفوا فقال: أرادت بطلوع الشمس للغارة وبمغيبها للقِرى. فقام أصحابه فقبَّلوا رجله.

 

وقال القالي في أماليه: حدثنا أبو بكر عن أبي حاتم عن الأصمعي قال: قال يومًا خَلَفٌ لأصحابه: ما قتولون في بيت النابغة الجعدي:

 

كأن مَقَطَّ شراسِيفِه ** إلى طَرَفِ القُنْبِ فَالمَنْقَبِ ل

 

وكان موضع فالمنْقَبِ فالقَهْبَلِس كيف كان يكون قوله:

 

لُطِمْن بتُرْس شديد الصِّفا ** قِ من خَشَب الجَوْزِ لم يُثْقَبِ

 

فقالا: لا نعلم، فقال: والآبَنس.

 

وقال لهم مرة أخرى: ما تقولون في قول النمر بن توليب:

 

ألمّ بصحبتي وَهُمُ هجودْ ** خيالٌ طارق من أُمِّ حِصْنِ

 

لو كان موضع من أم حصن من أم حفص كيف كان يكون قوله:

 

لها ما تشتهي عَسَلٌ مُصَفًّى ** إذا شاءت وحُوَّاري بسمن

 

قالوا: لا نعلم فقال: وحُوَّارى بَلَمص وهو الفالوذ.

فصل [امتحان القادم]

 

ولا بأس بامتحان من قدم ليُعْرف محلُّه في العلم ويُنزَل منزلته لا لقصد تعجيزه وتبكيته فإن ذلك حرام.

 

وفي فوائد النَّجَيْرَمِي بخطه: قال أبو عبد الله اليزيدي: قدم أبو الذوّاد محمد بن ناهض عَلَى إبراهيم بن المدير فقال: أريد أن أرى صاحبكم أبا العباس ثعلبًا - وكان أبو الذوّاد فصيحًا - فمضيت به إليه وعرفته مكانه فقربه وحاوره ساعة ثم قال له ثعلب: ما تُعَاني في بلادك قال: الإبل قال: فما معنى قول العرب للبعير: نعم معلق الشَّرْبة هذا فقال أبو الذوّاد: أراد سرعة هذا البعير إذا كان مع راكبه شربة أجزأته لسرعته حتى يُوَافِيَ الماء الآخر قال: أصبت فما معنى قولهم: بعير كريم إلا أن فيه شارب خَوَر فقال: الشوارب: عروق تكون في الحلق في مجاري الأكل والشرب فأراد أنه لا يستوفي ما يأكله ويشربه فهو ضعيف لأن الخَوَر: الضعف فقال ثعلب: قد جمع أبو الذوّاد علمًا وفصاحة فاكتبوا عنه واحفظوا قوله.

ذكر من سمع من شيخه شيئا فراجعه فيه أو راجع غيره ليتثبت أمره

 

قال ابن دريد في الجمهرة: سألت أبا حاتم عن باع وأباع فقال: سألت الأصمعي عن هذا فقال: لا يقال أباع فقلت قول الشاعر: * فليس جوادنا بمباع * فقال: أي غير معرض للبيع.

 

وقال: يقال: هوى له وأهوى، وقال الأصمعي: هوى من علو إلى سفل وأهوى إليه إذا غَشِيَه. قال ابن دريد: قلت لأبي حاتم: أليس قد قال الشاعر:

 

هوى زَهْدَم تحت العَجاج لحاجب ** كما انقضّ باز أقتمُ الريش كاسر

 

فقال: أحسب الأصمعي أُنْسي، وهذا بيت فصيح صحيح. وقال: سمع ابن أحمر يقول:

 

أهوى لها مِشْقَصًا حشْرًا فشَبْرقَها ** وكنت أدعو قَذَاها الإثْمِدَ القَرِدا

 

فاستعمل هذا ونسي ذاك.

 

وقال في الجمهرة: جمع فَعَل على أَفْعِلة في المعتل أجازه النحويون ولم تتكلم به العرب مثل: رَحَى وأرحية ونَدَى وأندية وقفا وأقفية قال أبو عثمان: سألت الأخفش: لم جمعت نَدَى على أندية فقال نَدى في وزن فَعل وجَمل في وزن فَعل فجمعت جملًا جِمالًا فصار في وزن نِداء فجمعت نِداء أندية قال: وهذا غير مسموع من العرب.

 

وفيها: تقول العرب للرجل في الدعاء عليه: أَرِبْتَ من يديك فقلت لأبي حاتم: ما معنى هذا فقال: شُلّت يده وسأل عبد الرحمن فقال: أن يسأل الناس بهما.

 

وقال في الجمهرة: قالوا ناب أعصل وأنياب عِصال وأنشد يقول: * وَفُرَّ عن أنيابها العِصال* فقلت لأبي حاتم: ما نظير أَعصَل وعِصَال فقال: أبْطَح وبِطَاح وأَجْرَب وجِراب وأَعْجَف وعِجاف.

 

وقال سأل النعمانُ بن المنذر رجلًا طعن رجلًا فقال: كيف صنعت فقال: طعنته في الكَبَّة طعنة في السَّبَّة فأنفذتُها من اللَّبة. فقلت لأبي حاتم: كيف طعنه في السَّبة وهو فارس؟ فضحك وقال: انهزم فتبعه فلما رهقه أكبّ ليأخذ بمَعرَفة فرسه فطعته في سبّته؛ أي دبره.

 

وقال القالي في أماليه: حدثني أبو بكر بن دريد قال: حدثني أبو حاتم: قال: قلت للأصمعي: أتقول في التَّهدد: أبْرق وأرْعد فقال: لا لست أقول ذلك إلا أن أرَى البَرْق أو أسمع الرَّعْد قلت: فقد قال الكميت:

 

أبرق وأرعد يا يزيـ ** د فما وعيدك لي بِضَائر

 

فقال: الكميت جُرْمُقانيّ [4] من أهل الموصل ليس بحجة، والحجة الذي يقول:

 

إذا جاوزت من ذات عرق ثَنيَّةًْ ** فَقُل لأبي قابوسَ ما شئت فارْعُد

 

فأتيت أبا زيد فقلت له: كيف تقول من الرعد البرق: فَعِلَت السماء؟ فقال: رَعَدَتْ وَبَرَقَت، فقلت: من التهدد؟ فقال: رَعَد وبَرَق وأَرْعد وأبرَق؛ فأجاز اللغتين جميعًا.

 

وأقبل أعرابي محرم فأردت أن أسأله فقال لي أبو زيد: دَعْني فأنا أعرف بسؤاله منك فقال: يا أعرابي كيف تقول: رَعَدت السماء وبرقت أَوْ أرعدت وأبرقت فقال: رعدت وبرقت فقال أبو زيد: فكيف تقول للرجل مِنْ هذا فقال: أمن الجَخِيف تريد يعني التهديد فقال: نعم فقال: أقول رَعَدَ وبَرَق وأرْعد وأبرق.

 

وفي الغريب المصنف: الزنجيل: الضعيف البدن من الرجال قال الأموي: الزِّنْجيل بالنون فسألت الفراء عنها فقال الزِّئجيل بالياء مهموز قال أبو عبيد: وهو عندي على ما قال الفراء لقولهم في بعض اللغات الزؤاجل.

 

وفيه: قال الأموي: جرح تَغَّار بالتاء إذا سال منه الدم وقال أبو عبيدة: نَغَّار بالنون قال أبو عُبيد: هو بالنون أشبه.

 

وقال ثعلب في أماليه: أنشدنا ابن الأعرابي:

 

ولا يدرك الحاجات من حيث تبتغي ** من الناس إلا المصبحون على رحل

 

قال ثعلب: قلنا لابن الأعرابي: أمعه آخر قال: لا، هو يَتِيم.

 

 

هامش

 

ضعيف الجامع 2023، وقال في صفة الفتوى: "لا يصح مرفوعا". وهو في سنن الدارمي من قول محمد بن سيرين.

 

 

ذو هنا بمعنى الذي، وهي لغة طيء.

 

 

في صحيح الجامع 545: "إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا"

 

الجرامقة قوم من العجم كانوا بالموصل.

 

======

 

 

النوع الثاني الأربعون

معرفة كتابة اللغة

 

 

 

 

من فوائد:

 

الأولى: قال ابن فارس في فقه اللغة: باب القول على الخط العربي وأول من كتب به:

 

يروى أن أول من كتب الكتاب العربي والسريانيّ والكتب كلها آدمُ عليه السلام قبل موته بثلثمائة سنة كتبها في طين وطبخه فلما أصاب الأرضَ الغرقُ وجد كل قوم كتابًا فكتبوه فأصاب إسماعيل عليه السلام الكتاب العربي.

 

قلت: هذا الأثر أخرجه ابن أشْتَة في كتاب المصاحف بسنده عن كعب الأحبار.

 

ثم قال ابن فارس: وكان ابن عباس يقول: أول من وضع الكتاب العربي إسماعيل عليه السلام، وضعه على لفظه ومنطقه.

 

قلت: هذا الأثر أخرجه ابن أَشْتَة والحاكم في المستدرك من طريق عكرمة عن ابن عباس، وزاد أنه كان موصولًا حتى فرقه بين ولده؛ يعني أنه وصل فيه جميع الكلمات ليس بين الحروف فرق هكذا: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم فرقه بين ابنيه هميسع وقيذر.

 

ثم قال ابن فارس: والروايات في هذا الباب تكثر وتختلف.

 

قلت: ذكر العسكري عن الأوائل في ذلك أقوالا فقال: أول من وضع الكتاب العربي إسماعيل عليه السلام وقيل مُرَامِر بن مُرَّة وأسلم بن جَدَرَة وهما من أهل الأنبار وفي ذلك يقول الشاعر:

 

كتبت أبا جاد وحُطِّي مرامر ** وسوّدت سربالي ولست بكاتب

 

وقيل: أول من وضعه أبجدُ وهوّز وحطي وكلمن وسعفص وقرشت وكانوا ملوكًا فسمي الهجاء بأسمائهم.

 

وأخرج الحافظ أبو طاهر السلفي في الطيوريات بسنده عن الشعبي قال: أول العرب الذي كتب بالعربية حرب بن أمية بن عبد شمس تعلم من أهل الحيرة وتعلم أهل الحيرة من أهل الأنبار.

 

وقال أبو بكر بن أبي داوود في كتاب المصاحف: حدثنا عبد الله بن محمد الزهري حدثنا سفيان عن مجالد عن الشعبي قال: سَألْنَا المهاجرين من أين تعلمتم الكتابة، قالوا: تعلمنا من أهل الحيرة، وسألنا أهل الحيرة: من أين تعلمتم الكتابة، قالوا: من أهل الأنبار.

 

ثم قال ابن فارس: والذي نقوله فيه: إن الخط توقيف وذلك لظاهر قوله تعالى: { الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلمِ عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } وقوله تعالى: { ن وَالْقَلَمِ ومَا يَسْطُرُونَ }. وإذا كان كذا فليس ببعيد أن يوَقَّف آدم عليه السلام أو غيرُه من الأنبياء عليهم السلام على الكتاب فأما أن يكون مخترع اخترعه من تلقاء نفسه فشيء لا يُعْلَم صحته إلا من خبر صحيح.

 

قلت: يؤيد ما قاله من التوقيف ما أخرجه ابن أَشْتَة من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أول كتاب أنزله الله من السماء أبوجاد.

 

وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي ذر أن النبي ﷺ قال: " أول من خط بالقلم إدريس عليه السلام ".

 

قال ابن فارس: وزعم قوم أن العرب العَارِبَة لم تعرف هذه الحروف بأسمائها وأنهم لم يعرفوا نحوًا ولا إعرابًا ولا رفعًا ولا نصبًا ولا همزًا، قالوا: والدليل على ذلك ما حكاه بعضهم عن بعض الأعراب أنه قيل له: أتهمز إسرائيل فقال: إني إذن لَرَجلُ سوء، قالوا: وإنما قال ذلك لأنّه لم يعرف من الهمز إلا الضغط والعصر. وقيل لآخر: أتجر فلسطين؟ فقال: إني إذن لقوي!

 

قالوا: وسمع بعض فصحاء العرب ينشده: * نحن بني عَلْقَمَة الأخيارا * فقيل له: لم نصبت بَني فقال: ما نصبته. وذلك أنه لم يعرف من النصب إلا إسناد الشيء.

 

قالوا: وحكى الأخفش عن أعرابي فصيح أنه سُئل أن ينشد قصيدة على الدال فقال: وما الدال؟

 

وحكى أن أبا حية النميري سئل أن ينشد قصيدة على الكاف فقال:

 

كفى بالنأي من أسماءَ كافِ ** وليس لحبها إذ طال شاف

 

قال ابن فارس: والأمر في هذا بخلاف ما ذهب إليه هؤلاء ومذهبنا فيه التوفيق فنقول: إن أسماء هذه الحروف داخلةٌ في الأسماء التي أعلم الله تعالى أنه علمها آدم عليه السلام وقد قال تعالى: { عَلَّمَهُ الْبَيَان } فهل يكون أولُ البيان إلا علم الحروف التي يقع بها البيان ولم لا يكون الذي علم آدم الأسماء كلَّها هو الذي علمه الألف والباء والجيم والدال فأما من حكى عنه الأعراب الذين لم يعرفوا الهمز والجر والكاف والدال فإنا لم نزعم أن العرب كلها مَدرًا ووبرًا قد عرفوا الكتابة كلَّها والحروف أجمعها وما العرب في قديم الزمان إلا كنحن اليوم فما كل أحد يعرف الكتابة والخط والقراءة. وأبو حية كان أمس وقد كان قبله بالزمن الأطول من كان يعرف الكتابة ويخط ويقرأ؛ وكان في أصحاب رسول الله ﷺ كاتبون منهم: عثمان وعلي وزيد وغيرهم، وقد عرضت المصاحف على عثمان فأرسل بكَتِفِ شاة إلى أبي بن كعب فيها حروف فأصلحها، أفيكون جهل أبي حية بالكتابة حجة على هؤلاء الأئمة؟ والذي نقوله في الحروف هو قولنا في الإعراب والعروض، والدليل على صحته هذا وأن القوم قد تَداولوا الإعراب أنا نستقرئ قصيدة الحطيئة التي أولها: * شاقتكَ أظعان لليلى دون ناظرةٍ بواكرْ * فنجد قوافيها كلها عند الترنم والإعراب تجئ مرفوعة، ولولا علم الحطيئة بذلك لأشبه أن يختلف إعرابها لأن تساويها في حركة واحدة اتفاقًا من غير قصد لا يكاد يكون.

 

فإن قال قائل: فقد تواترت الروايات بأن أبا الأسود أولُ من وضع العربية وأن الخليل أول من تكلم في العروض. قيل له: نحن لا ننكر ذلك بل نقول: إن هذين العِلْمين قد كانا قديمًا وأتت عليهما الأيام وقلّا في أيدي الناس ثم جددهما هذان الإمامان؛ وقد تقدم دليلنا في معنى الإعراب وأما العروض فمن الدليل على أنه كان متعارفًا معلومًا قول الوليد بن المغيرة منكرًا لقول من قال إن القرآن شعر: لقد عرضته على أقْرَاء الشعر هَزَجِه ورَجَزه وكذا وكذا فلم أره يشبه شيئا من ذلك أفيقول الوليد هذا وهو لا يعرف بحور الشعر! [ وقد زعم ناس أن علومًا كانت في القرون الأوائل والزمن المتقادم وأنها دَرَست وجددت منذ زمان قريب وترجمت وأصلحت منقولة من لغة إلى لغة وليس ما قالوا ببعيد وإن كانت تلك العلوم بحمد الله وحسن توفيقه مرفوضة عندنا ].

 

فإن قال: قد سمعناكم تقولون: إن العرب فعلت كذا ولم تفعل كذا: من أنها لا تجمع بين ساكنين ولا تبتدئ بساكن ولا تقف على متحرك وأنها تسمى الشخص الواحد بالأسماء الكثيرة وتجمع الأشياء الكثيرة تحت الاسم الواحد. قلنا: نحن نقول: إن العربَ تفعل كذا بعد ما وطّأناه أن ذلك توقيف حتى ينتهي الأمر إلى الموقف الأول.

 

ومن الدليل على عِرْفان القدماء من الصحابة وغيرهم بالعربية كتابتُهم المصحف على الذي يعلله النحويون في ذوات الواو والياء والهمز والمد والقصر، فكتبوا ذوات الياء باليا وذوات الواو بالألف ولم يصوروا الهمزة إذا كان ما قبلها ساكنًا في مثل: الخبء والدفء والملء، فصار ذلك كلّه حجة، وحتى كره من كره من العلماء ترك اتباع المصحف. انتهى كلام ابن فارس.

 

وقال ابن دريد في أماليه:

 

أخبرني السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن ابن الكلبي عن عوانة قال: أول من كتب بخطنا هذا وهو الجزم مُرَامِر بن مُرّة وأسلم بن جَدَرَة الطائيان ثم علموه أهل الأنبار فتعلمه بِشْر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك الكندي صاحب دُومَة الجَنْدَل وخرج إلى مكة فتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان فعلّم جماعة من أهل مكة فلذلك كثر من يكتب بمكة في قريش فقال رجل من أهل دومة الجندل من كندة يَمنُّ على قريش بذلك:

 

لا تجْحَدوا نَعْمَاء بِشْرٍ عليكمو ** فقد كان ميمونَ النقيبةِ أَزْهَرَا

 

أتاكم بخط الجَزْمِ حتى حفظتمو ** من المال ما قد كان شتى مبعثرا

 

وأتقنتمو ما كان بالمال مُهمَلًا ** وطامنتمو ما كان منه منفرا

 

فأجريتمُ الأقلام عَوْدًا وبَدأةً ** وضاهيتمو كتَّاب كسرى وقيصرا

 

وأُغْنيتمو عن مُسْنِد الحي حِمْير ** وما زَبَرت في الصحف أقيال حميرا

 

وقال الجوهري في الصحاح: قال شَرْقي بن القَطامي: إن أول من وضع خطنا هذا رجال من طيٍّ منهم مُرامر بن مرة، قال الشاعر:

 

تعلمت باجاد وآل مرامر ** وسودت سربالي ولست بكاتب

 

وإنما قال: آل مرامر لأنه قد سمى كل واحد من أولاده بكلمة من أبي جاد وهم ثمانية.

 

وقال أبو سعيد السِّيرافي: فصَّل سيبويه بين أبي جاد وهوَّز وحطي فجعلهن عربيات وبين البواقي فجعلهن أعجميات، وكان أبو العباس يجيز أن يكون كلهن أعجميات وقال من يحتج لسيبويه: جعلهن عربيات لأنهن مفهومات المعاني في كلام العرب وقد جرى أبو جاد على لفظ لا يجوز أن يكون إلا عربيًا تقول: هذا أبو جاد ورأيت أبا جاد وعجبت من أبي جاد قال أبو سعيد: ولا تبعد فيها العجمة لأن هذه الحروف عليها يقع تعليم الخط بالسرياني وهي معارف.

 

وقال [[المسعودي في تاريخهٍ: قد كان عدة أمم تفرقوا في ممالك متصلة منهم المسمى بأبي جاد وهوَّز وحطي وكلمن وسعفص وقرشيات وهم بنو المحصن بن جندل بن يصعب بن مدين بن إبراهيم الخليل عليه السلام.

 

وأحرف الجُمَّل هي أسماء هؤلاء الملوك وهي الأربعة والعشرون حرفًا التي عليها حساب الجُمَّل وقد قيل في هذه الحروف غير ذلك فكان أبجد ملك مكة وما يليها من الحجاز وكان هوز وحطي ملكين بأرض الطائف وما اتصل بها من أرض نجد وكلمن وسعفص وقرشيات ملوكًا بمدين وقيل: ببلاد مضر وكان كلمن على أرض مدين وهو ممن أصابه عذاب يوم الظُّلَّة مع قوم شعيب وكانت جارية ابنته بالحجاز فقالت ترثي كلمن أباها بقولها:

 

كلَمُونٌ هدَّ رُكني ** هلكه وسْط المحلَّهْ

 

سيد القوم أتاه الـ ** حتف ثَاوٍ وَسْطَ ظُلَّهْ

 

كونت نارًا فأضحت ** دار قومي مُضْمَحِله أ

 

وقال المنتصر بن المنذر المديني:

 

ألا يا شعيب قد نطقت مقالة ** أتيت بها عمرًا وحي بني عمرو

 

هُمُ ملكوا أرض الحجاز بأوْجُه ** كمثل شعاع الشمس في صورة البدر

 

وهُمْ قَطنوا البيت الحرام وزينوا ** قطورًا وفازوا بالمكارم والفخر

 

ملوك بني حطي وسعفص في الندي ** وهوّز أرباب الثَّنِية والحِجر

 

وقال الخطيب في المتفق والمفترق: أخبرنا علي بن المحسِّن التَّنُوخي: حدثنا أحمد بن يوسف الأزرق أخبرنا عمي إسماعيل بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول حدثني أبو الفوارس بن الحسن بن منبه أحمد اليربوعي حدثنا يحيى بن محمد بن حشيش المغربي القرشي حدثنا عثمان بن أيوب من أهل المغرب حدثنا بهلول بن عبيد التجيي عن عبد الله بن فرّوخ عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن أبيه قال: قلت لابن عباس: معاشرَ قريش من أين أخذتم هذا الكتاب العربي قبل أن يُبعث محمد ﷺ تجمعون منه ما اجتمع وتفرقون منه ما افترق مثل الألف واللام؟ قال: أخذناه من حرب بن أمية قال: فممن أخذه حرب قال: من عبد الله بن جُدْعان قال: فممن أخذه ابن جُدعان قال: من أهل الأنبار قال: فممن أخذه أهل الأنبار قال: من أهل الحيرة قال فممن أخذه أهل الحيرة قال: من طارئ طرأ عليهم من اليمن من كندة قال: فممن أخذه ذلك الطارئ قال: من الخفلجان بن الوهم كاتب الوحي لهود عليه السلام.

 

وفي فوائد النَّجَيْرَميّ بخطه: قال عيسى بن عمر النحوي: أملى عليَّ ذو الرُّمة شعرًا فبينا أنا أكتبه إذ قال لي: أصلح حرف كذا وكذا فقلت له: إنك لا تخطّ قال: أجل قدم علينا عراقي لكم فعلّم صبياننا فكنت أخرج معه في ليالي القمر فكان يخط لي في الرمل فتعلمته.

 

وقال القالي في أماليه: حدثني أبو المياس قال حدثني أحمد بن عبيد بن ناصح قال: قال الأصمعي: قيل لذي الرُّمة: من أين عرفتَ الميم لولا صِدْقُ مَنْ يَنْسُبُك إلى تعليم أولاد الأعراب في أكتَاف الإبل فقال: والله ما عرفتُ الميم إلا أني قدِمت من البادية إلى الريف فرأيت الصبيان وهم يجوزون بالفِجْرم في الأُوَق فوقفت حِيالهم أنظر إليهم فقال غلام من الغِلمة: قد أزَّفتم هذه الأوقة فجعلتموها كالميم فقام غلام من الغِلمة فوضع فمه في الأُوقة فَنَجْنَجه فأفْهقها فعلمت أن الميم شيء ضيق فشبهت عين ناقتي به وقد اسلَهمَّت وأعيت.

 

قال أبو المياس الفِجْرم: الجوز. قال القالي: ولم أجد هذه الكلمة في كتب اللغويين ولا سمعتها من أحد من أشياخنا غيره.

 

والأُوقة: الحفرة وقوله: أزَّفتم أي ضيقتم ونَجْنَجَه: حَرّكه وأفهقها: ملأها والمِنْجم: العقب وكل ما نتأ وزاد على ما يليه فهو مِنْجم أيضا واسْلَهَمّت: تغيرت والمسلهمّ: الضامر المتغير.

فائدة

 

قال الزجاجي في شرح أدب الكاتب: روي عن ابن عباس في قوله تعالى: { أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ } قال: الخط الحسن. وقال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: { اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْض إنِّي حَفِيظٌ عَلِيم } قال: كاتب حاسب وقال تعالى: { يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ } قال بعض المفسرين: هو الصوت الحسن وقال بعضهم: هو الخط الحسن.

 

وقال صاحب كتاب زاد المسافر: الخط لليد لسان وللخَلَدِ تَرجمان فرداءَته زَمَانة الأدب وجودته تبلغ بصاحبه شرائف الرتب وفيه المرافق العظام التي مَنّ الله بها على عباده فقال جل ثناؤه: { وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بالْقَلَم } وروي جبير عن الضحاك في قوله تعالى: { عَلَّمَهُ الْبَيَان } قال: الخط وقيل في قوله تعالى: { إنِّي حَفِيظٌ عَلِيم }: أي كاتب حاسب وهو لمحة الضمير ووحي الفكر وسفير العقل ومستودع السر وقيد العلوم والحِكم وعنوان المعارف وترجمان الهمم وأما قول الشيباني: ما استجدنا خط أحد إلا وجدنا في عوده خَوَرًا فهل يسف إليه الفقهاء ويتجافى عنه الكتاب والبلغاء ولإيثاره أبينه حرم أجوده وأحسنه.

 

ولما أعجب المأمون بخط عمرو بن مسعدة قال له: يا أمير المؤمنين لو كان الخط فضيلة لأوتيه النبي ﷺ. ولئن سرّ بما قاله عن ابن عباس فقد أنكره عليه كثير من عقلاء الناس، إذ الأنبياء عليهم السلام يجِلُّون عن أشياء ينال غيرهم بها خصائص المراتب ويُحْرِز بالانتماءِ إليها عقائل المواهب.

 

ومن أهل الجاهلية نفر ذو عدد كانوا يكتبون والعرب إذ ذاك من عزّ بزّ منهم بشر بن عبد الملك صاحب دُومة الجنْدَل وسفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو قيس بن عبد مناف بن زهرة وعمرو بن عمرو بن عدس.

 

وممن اشتهر في الإسلام بالكتابة من عِلْية الصحابة عمر وعثمان وعلي وطلحة وأبو عبيدة وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ويزيد بن أبي سفيان، وأقسم بالقلم في الكتاب الكريم وأحسن عديّ حيث شبه به قرن الرِّيم:

 

تُزْجِي أغَنَّ كأنَّ إبْرَةَ رَوْقِهِ ** قَلَمٌ أصاب من الدوَاة مِدَادَهَا

 

وهو أمضى بيد الكاتب من السيف بيد الكميَّ، وقد أصاب ابن الرومي في قوله شاكلة الرمي:

 

كذا قضى الله للأقلام إذْ بُرِيَتْ ** أن السيوف لها مذ أُرْهِفْت خَدَمُ

 

وكان المأمون يقول: لله دَرُّ القلم كيف يحوك وشي المملكة.

 

ووصفه عبد الله بن المعتز فقال: يخدم الإرادة ولا يمل الاستزادة فيسكت واقفًا وينطق سائرًا على أرض بياضها مظلم وسوادها مضيء.

 

وقال أرسطوطاليس: عقول الرجال تحت أسنان أقلامها.

 

وقال علماؤنا: إن أول من خط بالقلم إدريس عليه السلام، فمتى وضع الخط العربي وسُطِّر المسند الحميري. وقد ذكر أن لغة يونان عارية من حروف الحلق ومخالفة لسائر لغات الخلق.

 

======

النوع الثالث والأربعون

معرفة التصحيف والتحريف

 

 

 

 

أفرده بالتصنيف جماعةٌ من الأئمة منهم العسكري والدارقطني فأما العسكري فرأيت كتابه مجلدًا ضخمًا فيما صحَّف فيه أهل الأدب من الشعر والألفاظ وغير ذلك.

 

قال المعري: أصل التصحيف أن يأخذ الرجل اللفظ من قراءته في صحيفة ولم يكن سمعه من الرجال فيغيّره عن الصواب.

 

وقد وقع فيه جماعةٌ من الأجلاء من أئمة اللغة وأئمة الحديث، حتى قال الإمام أحمد بن حنبل: ومَنْ يَعْرَى من الخطأ والتصحيف.

 

قال ابن دريد: صحّف الخليل بن أحمد فقال: يوم بُغاث بالغين المعجمة وإنما هو بالمهملة؛ أورده ابن الجوزي.

 

ونظير ذلك ما أورده العسكري قال: حدثني شيخ من شيوخ بغداد قال: كان حيّان بن بِشر قد وُلِّي قضاء بغداد وكان من جملة أصحاب الحديث فروى يومًا حديث أن عَرْفجة قطع أنفُه يوم الكِلاب فقال له مستمليه: أيها القاضي إنما هو يوم الكُلاب فأمر بحبسه فدخل إليه الناس فقالوا: ما دَهَاك قال: قُطِعَ أنف عَرْفَجة في الجاهلية وابتليت به أنا في الإسلام.

 

وقال عبد الله بن بكر السهمي: دخل أبي علي عيسى بن جعفر وهو أمير بالبصرة فعزّاه عن طفل مات له ودخل بعده شبيب بن شبَّة فقال: أَبْشِر أيها الأمير فإن الطفل لا يزال محبنظيًا على بابِ الجنَّة يقول: لا أدخل حتى يدخلَ والداي فقال له أبي: يا أبا معمر دع الظاء والزم الطاء فقال له شبيب: أتقول هذا وما بين لابتيها أفصح مني فقال له أبي: هذا خطأ ثَان من أين للبصرة لابَة واللّاَبة: الحجارة السود والبصرة: الحجارة البيض.

 

أورد هذه الحكاية ياقوت الحموي في معجم الأدباء وابن الجوزي في كتاب الحمقى والمغفلين.

 

وقال أبو القاسم الزجاجي في أماليه: أخبرنا أبو بكر بن شقير قال أخبرني محمد بن القاسم بن خلاد عن عبد الله ابن بكر بن حبيب السهمي عن أبيه قال: دخلت على عيسى؛ فذكرها.

 

وفي الصحاح: قال الأصمعي: كنت في مجلس شعبة فروى الحديث فقال: تسمعون جَرْش طير الجنة بالشين فقلت: جَرْس فنظر إليّ وقال: خذوها منه فإنه أعلم بهذا منا.

 

قال الجوهري: ويقال: أجرس الحادي إذا حدا للإبل قال الراجز: * أَجرِش لها يابْنَ أبي كباش * قال: رواه ابن السكيت بالشين وألف الوصل والرواة على خلافه.

 

وقال أبو حاتم السجستاني: قرأ الأصمعي على أبي عمرو بن العلاء شعر الحطيئة فقرأ قوله:

 

وغررتني وزعمت أَنـ ** ك لابِنٌ بالصيف تَامِر

 

أي كثير اللبن والتمْر، فقرأها: "لا تني بالضيف تامُر" يريد: لا تتوانى عن ضيفك تأمر بتعجيل القِرَى إليه، فقال له أبو عمرو: أنت والله في تصحيفك هذا أشعر من الحطيئة.

 

وفي طبقات النحويين لأبي بكر الزبيدي: قال أبو حاتم: صَحَّف الأصمعي في بيت أَوْس:

 

يا عام لو صادفت أرماحنا ** لكان مَثْوَى خَدِّك الأحْزَما

 

يعني بالأحزم الحزم الغليظ من الأرض قال أبو حاتم: والرواة على خلافه وإنما هو الأَخْرم بالراء وهو طرف أسفل الكتف. أي كنت تقتل فيقطع رأسك على أخرم كتفك.

 

وفيما زعم الجاحظ أن الأصمعي كان يصحِّف هذا البيت:

 

سَلَعٌ ما ومثلُه عُشَرٌ ما ** عائلٌ ما وعالت البَيْقُورا

 

فكان ينشده وعالت النيقورا فقال له علماء بغداد: صحَّفت إنما هو البيقورا مأخوذة من البقر.

 

وقال العسكري: أخبرنا أبو بكر بن الأنباري قال: أخبرني أبي قال: قرأ القَطْربِليّ المؤدب على ثعلب بيت الأعشى:

 

فلو كنت في جُبٍّ ثمانين قَامَةً ** ورقيت أسبابَ السماء بسُلَّمِ

 

فقرأها "في حَب" بالحاء المهملة فقال له ثعلب: خرب بيتك هل رأيت حَبًّا قط ثمانين قامة؟ إنما هو جب.

 

وقال القالي في أماليه: أنشد أبو عبيد:

 

أشكو إلى الله عِيالًا دَرْدَقا مُقَرْقَمِينَ وعجوزًا شَمْلَقا

 

بالشين معجمة وهو أحد ما أُخِذ عليه. وروى ابن الأعرابي: سملقًا بالسين غير المعجمة وهو الصحيح.

 

وقال القالي: كان الطوسي يزعم أن أبا عبيد روى قَبْس بالباء قال: وهو تصحيف وكذا قال أحمد بن عبيد وإنما هو قَنْس بالنون وهو الأصل.

 

وفي المحكم: القَنْس: الأصل وهو أحد ما صحفه أبو عبيدة فقال القبس بالباء. انتهى.

 

قال القالي: وقول الأعشى:

 

تَرُوح على آل المحلِّق جَفْنة ** كجابية الشيخ العراقي تَفْهَق

 

كان أبو محرز يرويه كجابية السَّيح ويقول: الشيخ تصحيف والسيح: الماء الذي يَسِيح على وجه الأرض.

 

وأنشد أبو زيد في نوادره:

 

إن التي وضعت بيتًا مهاجرة ** بكوفة الخلد قد غالتْ بها غُول

 

قال الرِّياشيّ: الأصمعي يقول بكوفة الجند، ويزعم أن هذا تصحيف. وقال الجَرْمي: كوفة الخلد، أي أنها دار قرار لا يتحولون عنها.

 

وقال القالي في قول علقمة:

 

رَغا فوقهمْ سَقْب السماء فداحِص ** بشِكّته لم يُسْتَلَب وسليب

 

داحص فيه بالصاد غير معجمة، يقال: دَحَص برجله وفَحَص وكان بعض العلماء يرويه فداحِض ونسب فيه إلى التصحيف.

 

وقال أبو جعفر النحاس في شرح المعلقات: قال أبو عمرو الشيباني: بلغني أن أبا عبيدة روى قول الأَعشى:

 

إنِّي لعمر الذي حطت مناسمُها ** تَهوى وسِيقَ إليه الثَّافِر العَثَل

 

فأرسل إليه إنك قد صَحَّفْت إنما هو: الباقر الغيل، جمع غيل وهو الكثير، والباقر: بمعنى البقر. وقال أبو عبيدة الثافر: بمعنى الثفار، والعَثَل: الجماعة.

 

وقال ابن دريد في الجمهرة: الجُف: الجمع الكثير من الناس قال النابغة: * في جُف ثَعْلَب وَارِدِي الأمْرار * يعني ثعلبة بن عوف بن سعد بن ذبيان قال ابن دريد: وروى الكوفيون: في جف تغلب وهذا خطأ لأن تغلب بالجزيرة وثعلب بالحجاز وأمرار موضع هناك.

 

وفيها: الفلفل معروف ويسمون ثمر البَرْوق فلفلًا تشبيهًا به قال الراجز:

 

وانحَتَّ من حَرْشاء فَلْج خَرْدَلُهْ ** وانْتَفَضَ البَرْوَقُ سودًا فُلْفُلُهْ

 

قال ابن دريد: ومن روى هذا البيت قِلْقِلِه فقد أخطأ لأن القِلْقِل ثمر شجر من العِضَاه وأهل اليمن يسمون ثمر الغاب قِلْقِلًا.

 

وقال القالي في أماليه: قال نِفْطَويه: صحّف العتبي اسم نُقَيلة الأشجعي فقال نُفَيلة.

 

وقال الزجاجي في شرح أدب الكاتب: حدثنا أبو القاسم الصائغ عن عبد الله بن مسلم بن قتيبة قال: حدثنا أحمد ابن سعيد اللحياني وحدثنا أبو الحسن الأخفش قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يزيد المبرد قال: حدثني أبو محمد التوّزي عن أبي عمرو الشيباني قال كنا بالرَّقة فأنشد الأصمعي:

 

عَنتًا باطلًا وظُلْمًا كما تُعْـ ** نَزُ عن حُجَْرَةِ الرَّبيضِ الظِّباءُ

 

فقلت له: إنما هو تُعتَر من العتيرة والعَتْر الذَّبْح فقال الأصمعي: تُعْنَز أي تطعن بالعَنَزة وهي الحَرْبةُ وجعل يصيح ويشغب، فقلت: تكلم كلام النمل وأصب، والله لو نفخت في شَبُّور يهودي وصحت إلى التناد ما نفعك شيء ولا كان إلا تُعتَر ولا رويته أنت بعد هذا اليوم إلا تعتر؛ فقال الأصمعي: والله لا رويته بعد هذا اليوم إلا تُعْنَزُ.

 

وفي شرح المعلقات لأبي جعفر النحاس: روي أن أبا عمرو الشيباني سأل الأصمعي كيف تروي هذا البيت فقال: تُعنَز فقال له أبو عمرو صحّفت إنما هو تُعْتر فقيل لأبي عمرو: تحرّز من الأصمعي، فإنك قد ظفرت به، فقال له الأصمعي: ما معنى هذا البيت؟

 

وضَرْبٍ كآذان الفِراءِ فُضُولُه ** وَطعْنٍ كإيزَاغِ المخَاضِ تَبُورُها

 

ما يريد بالفراء ههنا وكانوا جلوسًا على فروة فقال له أبو عمرو: يريد ما نحن عليه فقال له الأصمعي: أخطأت وإنما الفِراء ههنا جمع فَرَأ وهو الحمار الوحشي.

 

وقال محمد بن سلام الجمحي: قلت ليونس بن حبيب إنَّ عيسى بن عمر قال: صحَّف أبو عمرو بن العلاء في الحديث: اتقوا على أولادكم فَحْمة العشاء فقال بالفاء وإنما هي بالقاف، فقال يونس: عيسى الذي صحَّف ليس أبا عمرو، وهي بالفاء كما قال أبو عمرو لا بالقاف كما قال عيسى.

 

وفي فوائد النَّجَيْرَمِيّ بخطه: قرأ رجل على حماد الراوية شعر الشماخ فقرأ:

 

تَلوذُ ثعالِبُ الشَّرَفيْن منها ** كما لاذ الغريم من التِّبيع

 

فقال: هو السِّرْقين فقبح عليه حماد فقال الرجل: إن الثعالب أولع شيء بالسِّرْقين فقال: حماد انظروا يصحف ويفسّر.

 

وفيها: قال الأخفش: أنشدت أبا عمرو بن العلاء:

 

قَالتْ قُتَيْلةُ ما له ** قد جُلِّلَتُ شيبًا شَواتُه

 

أم لا أراه كما عهدت ** صَحَا وأقْصر عاذلاتُه

 

ما تعجبين من امرئ ** أن شاب قد شابت لِداتُه

 

فقال أبو عمرو: كبرت عليك رأس الراء فظننتها واوًا، قلت: وما سراته قال: سراة البيت: ظهره، قال الأخفش: ما هو إلا شَواته، ولكنه لم يسمعها.

 

وفيها: قال أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري عن الطوسي قال: كنا عند اللحياني فأمْلى علينا: مثقل استعان بذقنه فقال له يعقوب بن السكيت: بِدَفَّيْه فوَجَم.

 

ثم أملى يومًا آخر: هو جاري مكاشري فقال له ابن السكيت: مكاسري أي كِسر بيتي إلى كِسر بيته فقطع اللحياني المجلس وقطع نوادِرَه.

 

وفيها: قال الطوسي: صحَّف أبو عمرو الشيباني في عجز بيت فقال: * فُرْعُلة ما بين أَدْمَانَ فالكُدي * فقيل له: إنما هو:

 

رمينا بها شهبى بُوانَة عوّدا ** فُرْعُلة منا بين أَدْمَان فالكُدي

 

وفيها: قال أبو إسحاق الزجاجي: ما سمعت من ثعلب خطأ قط إلا يومًا أنشد: * يلوذ بالجُود من النَّيْل الدَّوَل * فقال له بعض الكتاب: أنشدَناه الأحول: بالجوْبِ وقال: يريد التُّرس فسكت ثعلب وما قال شيئا.

 

وفيها: قالوا: صحف الطوسي في شعر حاتم: * إذا كان بعض الخبز مسحًا بخرقة * وإنما هو: إذا كان نفض الخبز مسحًا بخرقة.

 

وفيها: قال السكري: سمعت يعقوب بن السكيت يقول: صحَّف ابن دَأْب في قول الحارث بن حلّزة:

 

أيها الكاذب المبلِّغ عنا ** عبد عمرو وهل بذاك انْتِهاءُ

 

وإنما هو عند عمرو.

 

وفي كتاب ليس لابن خالويه: الناس كلهم قالوا: قد بلّع فيه الشيب إذا وخطه القَتِير إلا ابن الأعرابي فإنه قال: بلّغ بالغين معجمة وصحَّف.

 

وهذا الكلام يعزى إلى رؤبة وذلك أنه قال ليونس النحوي: إلى كم تسألني عن هذه الخزعبلات وألوقها لك وأروقها الآن وقد بلّغ منك الشيب.

 

وفيه: الهِمْيغ: الموت الوَحِيّ بالغين معجمة، رواه الخليل بالعين غير معجمة.

 

وفيه: جمع أبا عمرو بن العلاء وأبا الخطاب الأخفش مجلس فأنشد أبو الخطاب:

 

قالت قُتيلة ما له ** قد جُلِّلتْ شيبًا شواته

 

فقال أبو عمرو: صحّفت يا أبا الخطاب إنما هو سَراتُه وسراة كل شيء أعلاه ثم انصرف أبو عمرو فقال أبو الخطاب: والله إنها لفي حفظه ولكنه ما حضره، فسأل جماعة من الأعراب فقال قوم: سَرَاته وقال آخرون: شَوَاته، فعلم أن كل واحد منهما ما رَوَى إلا ما سَمِع.

 

وفيه: جمع المفضل والأصمعي مجلس فأنشد المفضل:

 

وذاتُ هِدْمٍ عارٍ نَواشِرُها ** تُصْمِتُ بالماء تَوْلبًا جَذِعا

 

فقال الأصمعي: صحفت إنما هو جَدِعًا أي سيء الغذاء فصاح المفضل، فقال له: والله لو نفخت في ألف شَبُّور لما أنشدته بعد هذا إلا بالدال.

 

وفيه: جمع أبا عمرو الجَرْمي والأصمعي مجلِس فقال الجَرميّ: ما في الدنيا بيت للعرب إلا وأعرف قائله فقال: ما نشك في فضلك - أيدك الله - ولكن كيف تنشد هذا البيت:

 

قَدْ كُنّ يَخْبَأْنَ الوجوه تَسَتُّرًا ** فالآن حِينَ بَدَأْنَ لِلنُّظَّارِ

 

قال: بدأن، قال: أخطأت، قال: بَدَيْن قال: أخطأت، إنما هو بَدَوْن من بدا يبدو إذا ظهر؛ فأفحمه.

 

وفيه: من أسماء الشمس يوح وصحَّفه ابن الأنباري فقال: بُوح وإنما البوح النفس وجرى بينه وبين أبي عمر الزاهد في هذا كل شيء قالت الشعراء فيهما حتى أخرجنا كتاب الشمس والقمر لأبي حاتم فإذا فيه يوح كما قال أبو عمر.

 

وفيه: اختلف المعمري والنحويان في الظَّرَوْرى فقال أحدهما: الكيّس وقال الآخر: الكَبْش فقال كل منهما لصاحبه: صَحَّفْتَ وكُتِب بذلك إلى أبي عمر الزاهد فقال: من قال إن الظَّرَوْرَى الكبش فهو تيس وإنما الظَّرَوْرَى: الكيِّس العاقل.

 

وفيه: قال ابن دريد: القَيْس: الذكر قال أبو عمر: هذا تصحيف إنما هو فَيْش والقَيْس: القِرْد ومصدر قاس يقيس قَيْسًا.

 

وفي شرح الكامل لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد البَطْلَيوسي قول الراجز:

 

لم أر بؤسًا مثلَ هذا العام ** أرهنت فيه للشقا خَيْتامي

 

وحق فخري وبني أعمامي ** ما في الفروق حفنتا حتامي

 

صحفه بعضهم فقال في إنشاده حثام بثاء مثلثة وهو - بتاء مثناة: بقية الشيء.

 

ونقلت من خط الشيخ بدر الدين الزركشي في كراسة له سماها عمل من طَبَّ لمن حب:

 

صحف ابن دريد قول مهلهل:

 

أنكحها فَقْدُها الأَرَاقِم ** في جَنْبٍ وكان الحِباءُ من أَدَم

 

فقال: الخِباء بالخاء المعجمة، وإنما هو بالمهملة.

 

وصحَّف أيضا قول قَيْس بن الخَطِيم يصف العين: * تغترق الطرف وهي لاهية * فرواه بالعين غير معجمة وإنما هو بالمعجمة فقال فيه المفجع:

 

ألسْتَ ممَّا صحفت تغترق الط ** رف بجهل فقلت تعترق

 

وقلت كان الخِباء من أدم ** وهو حِباء يُهْدى ويُصْطَدَقُ

 

وأورد ذلك التيجاني في كتاب تحفة العروس، وأورد البيت الأول بلفظ:

 

ألم تصحف فقلت تعترق الط ** رف بجهل مكان تغترق

 

وفي طبقات النحويين للزبيدي: قال الفراء: صحَّف المفضل الضبي قول الشاعر:

 

أفاطم إني هالك فتبيَّني ** ولا تَجْزَعي كلُّ النساء تَئِيمُ

 

فقال يتيم، وإنما هو تَئِيم.

 

قال ابن أبي سعيد قال أبو عمرو الشيباني: يقال: في صدره عليَّ حَسيكة وحَسيفة وكان أبو عبيدة يصحِّف فيهما فيقول: حشيكة وحشيفة قال أبو عمرو: فأرسلت إليه يا أبا عبيدة إنك تصحف في هذين الحرفين فارجع عنهما، قال: قد سمعتهما.

 

وقال الزبيدي: حدثني قاضي القضاة منذر بن سعيد قال: أتيت أبا جعفر النحاس فألفتيه يُملي في أخبار الشعراء شعر قَيس بن مُعاذ المجنون حيث يقول:

 

خليليّ هل بالشام عينٌ حزينة ** تُبَكِّي على نَجْدٍ لعلي أعينها

 

قد أسْلَمَها الباكون إلا حَمَامَةً ** مُطَوَّقةً باتَتْ وباتَ قَرينُها

 

فلما بلغ هذا الموضع قلت: باتا يفعلان ماذا أعزك الله؟ فقال لي: وكيف تقول أنت يا أَنْدَلسي؟ فقلت: بانت وبان قرينها.

 

وقال في الجمهرة: الغضغاض بالغين المعجمة في بعض اللغات: العِرْنِين وما وَالاهُ من الوجه، قال أبو عمر الزاهد: هذا تصحيف إنما هو العَضْعاض بالعين غير معجمة. قال ابن دريد: وقال قوم: العُضَّاض بالتشديد.

 

وفي الصحاح: اجْفَأظَّت الجِيفة اجْفِئْظاظًا: انتفخت قال ثعلب: وهو بالحاء تصحيف.

 

وفي الجمهرة: يقال: أنّ الرجل الماء إذا صبَّه، وفي بعض كلام الأوائل: أُنّ ماءً وأغْلهِ، أي صُبّ ماء وأغْلهِ، وقال ابن الكلبي: إنما هو أُزّ ماء: وزعم أنّ أُنَّ تصحيف.

 

وقال الأزهري في التهذيب: قال الليث: الرَّصَع: فِرَاخ النحل وهو خطأ قال ابن الأعرابي: الرَّضَع: فراخ النحل بالضاد معجمة رواه أبو العباس عنه وهو الصواب والذي قاله الليث في هذا الباب تصحيف.

 

وقال ابن فارس في المجمل: حدثني العباس بن الفضل قال: حدثنا ابن أبي دؤاد قال: حدثنا نَصْر بن علي الجُهْضُمِي قال: حدثنا الأصمعي قال: أنشدنا أبو عمرو بن العلاء:

 

فما جَبُنُوا أنا نَشُدّ عليهمُ ** ولكن رأوا نارًا تَحُسُّ وتَسْفَعُ

 

قال: فذكرت ذلك لشعبة فقال: ويلك إنما هو:

 

فما جَبُنُوا أنا نشدُّ عليهمُ ** ولكن رأوا نارًا تُحشّ وتَسْفَعُ

 

قال الأصمعي: وأصاب أبو عمرو وأصاب شعبة، ولم أر أحدًا أعلم بالشعر من شُعبة. تُحش: توقد، وتحس: تمس وتشوي.

 

وفي بعض المجاميع: صحّف حماد بن الزبرقان ثلاثة ألفاظ في القرآن لو قرئ بها لكان صوابًا وذلك أنه حفظ القرآن من مصحف ولم يقرأه على أحد: اللفظ الأول { وَمَا كان اسْتِغْفَارُ إبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا } أبَاهُ، يريد إيّاه.

 

والثاني: " بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي غِرَّةٍ وشِقَاق ".

 

والثالث: { لِكلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ } يَعْنيهِ.

 

وروى الدارقطني في التصحيف عن عثمان بن أبي شيبة: أنه قرأ على أصحابه في التفسير: ألم { تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأصْحَابِ الفِيلِ } يعني قالها كأوّل البقرة.

 

وقال ابن جني في الخصائص: باب في سقطات العلماء:

 

حكي عن الأصمعي أنه صحَّف قول الحُطَيئة: * وغررتني وزعمت أنك لابن بالصيف تامر * فأنشده لا تَنِي بالضيف تامر، أي تأمر بإنزاله وإكرامه.

 

وحُكي أن الفراء صحف فقال: الحراصل الجيل، يريد: الحُر أصل الجبل.

 

وأخبرنا أبو صالح السليل بن أحمد عن أبي عبد الله محمد بن العباس اليزيدي عن الخليل بن أسد النُّوشَجاني عن التوّزي قال: قلت لأبي زيد الأنصاري: أنتم تنشدون قول الأعشى: * بِساباطَ حتى مات وهو مُحَزْرَق * وأبو عمرو الشيباني ينشدها مُحَرْزَق فقال: إنها نَبَطية وأم أبي عمرو نَبَطية فهو أعلم بها منا.

 

وذهب أبو عبيد في قولهم: لي عن هذا الأمر مَندوحة أي متسع إلى أنه من قولهم: انْداح بطنه أي اتّسع. وهذا غلط لأن انداح انفعل وتركيبه مُندَوَح ومَنْدُوحة مفعولة وهي من تركيب نَدَح والنّدْح: جانب الجبل وطرفه وهو إلى السعة وجمعه أَنْداح أفلا ترى إلى هذين الأصلين تباينًا وتباعدًا فكيف يجوز أن يشتق أحدهما من صاحبه!

 

وذهب ابن الأعرابي في قولهم: يوم أَرْوَنان إلى أنه من الرُّنّة وذلك أنها تكون مع البلاء والشدة. قال أبو عليّ: وهذا غلط لأنه ليس في الكلام أَفْوَعَال وأصحابنا يقولون: هو أفْعلان من الرُّونة وهي الشدة في الأمر.

 

وذهب ثعلب في قولهم: أسكُفّه الباب إلى أنها من قولهم: اسْتكَفّ أي اجتمع وهذا أمر ظاهر الشناعة لأن أسْكُفَّة أُفْعُلّة والسين فيها فاء وتركيبها من سكف وأما استكف فسينه زائدة، لأنه استفعل وتركيبه من كفف، فأين هذان الأصلان حتى يجتمعا!

 

وذهب ثعلب أيضا في تَنّور إلى أنه تَفْعُول من النار وهو غلط إنما هو فَعّول من لفظ ت ن ر، وهو أصل لم يستعمل إلا في هذا الحرف وبالزيادة كما ترى. ومثله مما لم يستعمل إلا بالزيادة: حَوْشب وكوكب وشَعَلَّع وهَزَنْبَزَان ومَنْجنون؛ وهو باب واسع جدًا.

 

ويجوز في التَّنُّورِ أن يكون فَعْنُولًا ويقال إن التنور لفظة اشترك فيها جميع اللغات من العرب وغيرهم، وإن كان كذلك فهو ظريف إلا أنه على كل حال فعُّول أو فَعْنول.

 

التواطخ من الطيخ وهو الفساد وهذا عجب وكأنه أراد أنه مقلوب منه.

 

ويحكى عن خلف أنه قال وعن ثعلب أيضا أنه قال: أخذت على المفضَّل الضَّبيِّ في مجلس واحد ثلاث سقطات: أنشد لامرئ القيس:

 

نمسُّ بأعْرافِ الجِياد أكُفَّنا ** إذا نحنُ قمنا عن شواء مُضَهّب

 

فقلت: عافاك الله، إنما هو نمشّ أي نمسح، ومنه سمي منديل الغَمَر مشوشًا.

 

وأنشد للمخبّل السعدي:

 

وإذا ألمّ خيالُها طرقت ** عيني فماءُ جفونِها سجمُ

 

فقلت: عافاك الله، إنما هو طرفت.

 

وأنشد للأعشى: ساعَةً أكبرَ النهارُ كما شـ ** دَّ مُحيلٌ لَبُونَه اعْتَامًا

 

فقلت: عافاك الله، إنما هو مخيل بالخاء معجمة: رأى خال السحابة فأشفق منها على بُهْمِه فشدّها.

 

وأما ما تعقّب به أبو العباس المبرد كتاب سيبويه في المواضع التي سماها مسائل الغلط فقلما يلزم صاحبَ الكتاب منه إلا الشيء النَّزْر، وهو أيضا مع قلته من كلام غير أبي العباس.

 

وحدثنا أبو علي عن أبي بكر عن أبي العباس أنه قال: إن هذا كتاب كنا عملناه في الشبيبة والحداثة، واعتذر منه.

 

وأما كتاب العين ففيه من التخليط والخَلَلِ والفساد ما لا يجوز أن يُحمل على أصغر أتباع الخليل فضلًا عنه نفسه، وكذلك كتاب الجمهرة.

 

ومن ذلك اختلاف الكسائي وأبي محمد اليزيدي عند أبي عبيد الله في الشِّراء أممدود هو أم مقصور فمده اليزيدي وقصره الكسائيّ وتراضيا ببعض فصحاء كانوا بالباب فمده على قول اليزيدي.

 

ومن ذلك ما رواه الأعمش في حديث عبد الله بن مسعود أَن رسولَ الله ﷺ كان يتَخَوّلُنا بالموعظة مخافة السآمة وكان أبو عمرو بن العلاء حاضرًا عنده فقال الأعمش: يتخولنا فقال أبو عمرو: يتخوننا فقال الأعمش: وما يُدريك فقال أبو عمرو: إن شئت أن أعلمك أن الله تعالى لم يعلمك من العربية حرفًا أعْلَمْتُكَ فسأل عنه الأعمش فأخبر بمكانه من العلم فكان بعد ذلك يُدْنِيه ويسأله عن الشيء إذا أَشكل عليه.

 

وسُئِل الكسائي في مجلس يونس عن أَوْلق ما مثاله من الفعل فقال: أفعل، فقال له مروان: استحييت لك يا شيخ والظاهر عندنا أنه فوعل من قولهم: أُلِقَ الرجل فهو مألوق.

 

وسئل الكسائي أيضا في مجلس يونس عن قولهم: لأضربن أيُّهم يقوم لم لا يقال: لأضربنّ أيَّهم فقال: أيّ هكذا خلقت.

 

ومن ذلك إنشاد الأصمعي لشُعبة بن الحجاج قولَ فَرْوَة بن مُسَيْك:

 

فما جبنوا أنا نشّد عليهم ** ولكن رأوا نارًا تَحُس وتَسْفع

 

قال شُعبة: ما هكذا أنشدنا سماك بن حرب قال: * ولكن رأوا نارًا تُحَش وتَسْفع * قال الأصمعي: فقلت: تحس من قول الله تعالى: { إذْ تَحُسُّونَهُمْ بإذْنِهِ }: أي تقتلونهم وتُحش: توقد، فقال لي شعبة: لو فرغتُ للزمتك.

 

وأنشد رجل من أهل المدينة أبا عمرو بن العلاء قول ابن قيس:

 

إنّ الحوادثَ بالمدينةِ قد ** أوجعنني وقرعْنَ مَرْوَتيّه

 

فانتهره أبو عمرو وقال: ما لنا ولهذا الشعر الرخو، إن هذه الهاء لم تدخل في شيء من الكلام إلا أرْخَته، فقال له المديني: قاتلك الله ما أجهلك بكلام العرب قال الله تعالى: { مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } وقال: { يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ }. فانكسر أبو عمرو انكسارًا شديدًا.

 

وقال أبو حاتم: قلت للأصمعي: أتجيز إنك لتُبْرق لي وتُرْعِد فقال: لا إنما هو تبرُق وترعُد فقلت له: فقد قال الكميت:

 

أبْرق وأرْعد يا يزيـ ** د فما وعيدُك لي بضائر

 

فقال: ذاك جُرمُقاني من أهل الموصل ولا آخذ بلغته، فسألت عنها أبا زيد الأنصاري فأجازها فنحن كذلك إذ وقف علينا أعرابيّ محرِم فأخذنا نسأله فقال: لستم تحسنون أن تسألوه ثم قال له: كيف تقول: إنك لتُبرق لي وتُرعِد فقال له الأعرابي: أفي الجَخيف تعني أي في التهدد فقال: نعم قال الأعرابي: إنك لتُبرِق لي وتُرْعِد فعدت إلى الأصمعي فأخبرته، فأنشدني:

 

إذا جاوزت من ذاتِ عرْقَ ثِنّيةً ** فقل لأبي قابوس ما شئت فارْعُد

 

ثم قال لي: هذا كلام العرب.

 

وقال أبو حاتم أيضا: قرأت على الأصمعي رجز العجاج حتى وصلت إلى قوله: * جَأْبًا ترى بِلِيته مُسَحَّجًا * فقال: تليلَه مسحّجا [ فقلت بليتِه فقال: هذا لا يكون ] فقلت له: أخبَرَني مَن سمعه من فِلْق في رُؤْبة أعني أبا زيد الأنصاري. فقال: هذا لا يكون. قلت: جعل مَسَحَّجًا مصدرًا أي تسحيجًا. فقال: هذا لا يكون. فقلت: فقد قال جرير: * ألم تَعْلَمْ بمُسَّرَحِي القَوَافِي* أي تسريحي، فكأنه توقف. قلت: فقد قال تعالى: { وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّق }. فأمسك.

 

وقال أبو حاتم: كان الأصمعي ينكر زَوْجة ويقول: إنما هو زوج ويحتج بقوله تعالى: { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجكَ }. قال: فأنشدته قول ذي الرُّمة:

 

أذو زوجة بالمِصْرِ أم ذو خصومة ** أراك لها بالبصرة اليومَ ثَاوِيًا

 

فقال: ذو الرُمة طالما أكل المالح والبقل في حوانيت البقالين. قال: وقد قرأنا عليه من قبل لأَفصح الناس فلم ينكره:

 

فبكى بناتي شَجْوَهُنَّ وزوجتي ** والطامعون إليّ ثم تصدّعوا

 

وقال آخر:

 

مِنْ منزلي قد أخرجتني زوجتي ** تهِرّ في وجهي هَرِير الكلْبِة

 

وحكى أبو عبد الله محمد بن العباس اليزيدي عن أحمد بن يحيى عن سلمة قال: حضر الأصمعي وأبو عمرو الشيباني عند أبو السَّمْراء فأنشده الأصمعي:

 

بضرب كآذان الفِراء فضولُه ** وطعن كتَشْهاقِ العَفَاهمّ بالنَّهْقِ

 

ثم ضرب بيده إلى فَرْو كان بقُرْبِه يوهم أن الشاعر أراد فروًا فقال أبو عمرو: أراد الفَرْوَ! فقال الأصمعي: هكذا روايتكم.

 

وحكى الأصمعي قال: دخلت على حماد بن سلمة وأنا حَدَث فقال لي كيف تنشد قول الحطيئة: أولئك قوم إن بنوا أَحْسَنُوا ماذا؟ فقلت:

 

أولئك قوم إن بَنَوْا أحسنوا البِنَا الأصمعي وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا

 

فقال: يا بني أحسنوا البُنَى يقال: بني يبني بِنَاءً في العمران وبنى يبنو بُنىً يعني في الشرف.

 

وأخبرنا أبو بكر محمد بن علي بن القاسم الذهبي بإسناد عن أبي عثمان أنه كان عند أبي عبيدة فجاء رجل فسأله: كيف تأمر من قولنا: عُنيت بحاجتك فقال له أبو عبيدة اعْنَ بحاجتي فأومَأْتُ إلى الرجل أن ليس كذلك فلما خَلَوْنا قلت له: إنما يقال لِتُعْنَ بحاجتي فقال لي أبو عبيدة: لا تدخل عليّ قلت: لِمَ قال: لأنك كنت مع رجل خوزي سرق مني عامًا أول قطيفة لي فقلت: لا والله ما الأمر كذا ولكنك سمعتني أقول ما سمعت.

 

وحدثنا أبو بكر محمد بن علي المراغي قال: حضر الفراء أبا عمر الجَرمي فأكثر سؤاله إياه فقيل لأبي عمر: قد أطال سؤالك أفلا تَسْأَلُه أنت فقال له أبو عمر: يا أبا زكرياء ما الأصلُ في قُمْ قال: اقْوُم قال: فصنعوا ماذا قال: استثقلوا الضمة على الواو فأسكنوها ونقلوها إلى القاف فقال له أبو عمر: هذا خطأ الواو إذا سكن ما قبلها جرت مجرى الصحيح ولم تستثقل الحركات فيها.

 

ومن ذلك حكاية أبي عمر مع الأصمعي وقد سمعه يقول: أنا أعلم الناس بالنحو فقال له لأصمعي: يا أبا عمر كيف تنشد قول الشاعر:

 

قد كنَّ يخبأْنَ لوجُوه تستُّرًا ** فالآنَ حين بَدَأْنَ للنُّظَّارِ

 

بدأن أو بدين فقال أبو عمر: بدأن فقال الأصمعي: يا أبا عمر أنت أعلم الناس بالنحو! يمازحه إنما هو بَدَوْن أي ظهرن فيقال: إن أبا عمر تغفل الأصمعي فجاءه يومًا وهو في مجلسه فقال له: كيْف تصغر مختارًا فقال الأصمعي: مخيتير فقال له عمر: أخطأت إنما هو مخيِّر أو مخيير بحذف التاء لأنها زائدة.

 

وحدثني أبو علي قال: اجتمعت مع أبي بكر الخياط عند أبي العباس العمري بنهر معقل فتجارينا الكلام في مسائل وافترقنا فلما كان الغدُ اجتمعت معه عنده وقد أحضر جماعةً من أصحابه يسألونني فسألوني فلم أر فيهم طائلًا فلما انقضى سؤالهم قلت لأكبرهم: كيف تبني من سفرجل مثل عَنْكَبُوت فقال سفرروت فلما سمعت ذلك قمت في المجلس قائمًا وصفقت بين الجماعة: سفرروت فالتفت إليهم أبو بكر فقال: لا أحسن الله جزاءكم ولا أكثر في الناس مثلكم فافترقنا فكان آخر العهد بهم.

 

وقال الرياشي:

 

وذاتُ هِدْمٍ عَارٍ نَوَاشِرُها ** تُصِمت بالماء تَوْلبًا جَذَعًا

 

فقلت: هذا تصحيف لا يوصف التَّوْلَب بالإجذاع وإنما هو جَدِعًا وهو السيء الغذاء فجعل المفضل يشغب فقلت له: تكلّم كلام النمل وأصب لو نفخت في شَبُّور يَهُودِي ما نفعك شيء.

 

وقال محمد بن يزيد: حدثنا أبو محمد التوّزي عن أبي عمرو الشيباني قال: كنا بالرَّقة فأنشد الأصمعي: عَنَتا باطلًا وظلمًا كما تُع نَز عن حُجْرة الرَّبِيضِ الظِّبَاءُ فقلت: يا سبحان الله تعتر من العَتيرة فقال الأصمعي:

 

عَنَتا باطلا وظلما كما تُعـ ** نَز عن حُجرة الرَّبيض الظباء

 

فقلت: يا سبحان الله، تعتر من التعيرة، فقال الأصمعي: تعنز أي تطعن بعَنَزة قال: فقلت لو نفخت في شَبُّور اليهودي وصِحْتَ إلى التنادي ما كان إلا تُعتر ولا ترويه بعد اليوم تعنز فقال: والله لا أعود بعدها إلى تعتر.

 

وأنشد الأصمعي أبا توبة ميمون بن حفص مؤدب عمر بن سعيد بن سلم بحضرة سعيد:

 

واحدة أَعضَلَكم شَأْنُها ** فكيفَ لو قُمْت على أَرْبَع

 

ونهض الأصمعي فدار على أَربع يُلبِّس بذلك على أبي توبة فأجابه أبو توبة بما يشاكل فعل الأصمعي فضحك سعيد: وقال: ألم أنْهَك عن مجاراته في هذه المعاني! هذه صِنَاعته.

 

ومن ذلك إنكار الأصمعي على ابن الأعرابي ما كان رواه ابن الأعرابي لبعض ولد سعيد بن سلم بحضرة سعيد بن سلم لبعض بني كلاب:

 

سمينُ الضواحي لم تُؤَرِّقْهُ ليلةً ** وأنعَمَ أبكارُ الهموم عُونُها

 

ورفع ابن الأعرابي ليلة ونصبها الأصمعي وقال: إنما أراد لم تؤرقه أبكار الهموم وعونها ليلةً وأنعم أي زاد على ذلك فأُحضر ابن الأعرابي وسئل عن ذلك فرفع ليلة فقال الأصمعي لسعيد: مَن لم يحسن هذا القدر فليس موضعًا لتأديبِ ولدك فنحَّاه سعيد فكان ذلك سبب طعن ابن الأعرابي على الأصمعي.

 

وقال الأثرم عليّ بن المغيرة: مثقل استعان بذقنه، ويعقوب بن السكيت حاضر فقال يعقوب: هذا تصحيف وإنما هو استعان بدَفَّيْه فقال الأثرم: إنه يريد الرياسة بسرعة ودَخَل بيته.

 

وقال أبو الحسن لأبي حاتم: ما صنعتَ في كتاب المذكر والمؤنث قال: قلت: قد صنعت فيه شيئا قال: فما تقول في الفِرْدوس قلت: مذكر قال: فإن الله تعالى يقول: { الَّذِين يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }. قال: قلت: ذهب إلى الجنة فأَنَّث، قال أبو حاتم: فقال لي التوّزي: يا غافل ما سمعت الناس يقولون: أسألك الفردوس الأعلى فقلت له: يا نائم الأعلى ههنا أفعل لا فُعْلى!

 

وقال أبو عثمان: قال لي أبو عبيدة: ما أكذب النحويين يقولون: إن هاء التأنيث لا تدخل على ألف التأنيث: سمعت رُؤْبَة ينشد: * فكر في عَلْقي وفي مُكور * فقلت له: ما واحد العَلْقى فقال: علقاة، قال أبو عثمان: فلم أفسر له لأنه كان أغلظ من أن يفهم مثل هذا.

 

انتهى ما أورده ابن جني.

خاتمة

 

ذكر المحدِّثون أن من أنواع التصحيف: التصحيف في المعنى.

 

وقال ابن السكيت: يقال: ما أصابتنا العَامَ قَابة أي قَطْرة من مطر قال: وكان الأصمعي يصحّف في هذا ويقول: هو الرعد وكذا ذكر التِّبريزي في تهذيبه، وتعقّب ذلك بعضهم فقال: لا يُسَمَّى هذا تصحيفًا وهو إلى الغلط أقرب.

ذكر بعض ما أخذ على كتاب العين من التصحيف

 

قال أبو بكر الزبيدي في استدراكه:

 

ذَكر في باب همع: الهِمِيْع: الموت فصحّفه والصواب الهِميْغ بالغين المعجمة.

 

وذكر في باب قفع: القُفَاعيّ من الرجال: الأحمر وهو غلط والصواب فُقَاعيّ يقال: هو أحمر فُقَاعيّ للذي يُخَالِط حمرتَه بياض.

 

وذكر في باب عنك: عَرَق عانك: أصفر والصواب عاتك.

 

وذكر في باب زعل: وذكر في باب معط: المُمَعّط: الطويل والصواب المُمغَّط بالغين المعجمة.

 

وذكر في باب ذعر: ائذعرّ القوم: تفرقوا والمعروف ابْذَعرّ بالباء والذي ذكر تصحيف.

 

وذكر في باب عفر: مَعافر العرفط: شيء يخرج منها مثل الصمغ وإنما هي المغافير بالغين معجمة.

 

وذكر في باب معر: رجل أَمْعَر الشعر وهو لون يَضْرِب إلى الحمرة والصواب أمغر مشتق من المَغْرة.

 

وذكر في باب وَعق: الَوَعِيق: صوت قُنْب الدابة وإنما هو الوغيق بالغين معجمة رويناه عن إسماعيل مُسْنَدًا إلى اللِّحياني.

 

وذكر في باب عسو: عسا الليل: أظلم وإنما هو غسا بالغين معجمة.

 

وذكر في باب الرباعي: عَلْهَضْتُ رأس القارورة والرجل: عالجته والصواب بالصاد غير معجمة.

 

يقال للعود الذي يضم العَرَاصِيف حُنْكة وحِناك والرواية عن أبي زيد حُبْكة وحِباك فيما أخبرني به إسماعيل وروى أبو عبيد بالنون فصحَّف كتصحيف صاحب العين.

 

وذكر في باب جَحل: الجَحل: أولاد الإبل وهو غلط إنما هو الحجل بالحاء قبل الجيم.

 

وذكر في باب لحص: التَّلحيص: استقصاء خبر الشيء وبيانه وإنما هو التَّلْخِيص بالخاء المعجمة.

 

وأنشد في باب حصف للأعشى: * تأوي طوائفها إلى محصوفة * والصواب: مخصوفة بالخاء معجمة يعني سَوْداء كثيفة.

 

وذكر في باب سحب: السَّحْب: شدة الأكل والشرب وإنما هو السَّحْت.

 

وذكر في باب حزل: الاحتزال: الاحتزام بالثوب وهو باللام غلط إنما هو الاحتزاك - عن أبي عمرو الشيباني.

 

وذكر في باب حذل: الحُذَال: شيء يخرج من السمن وهو غلط والصواب شيء يخرج من السَّمُر كالدم والعرب.

 

وذكر في باب حثل: المحثئل: الذي غضب وتنفَّش للقتال وإنما هو المجثئلّ بالجيم عن الأصمعي.

 

وذكر في باب حبر: الحبير: زبد اللغام وإنما هو الخبير بالخاء المعجمة.

 

وذكر في باب بحر: بنات بحر: ضَرْبٌ من السحاب والصواب بنات بخر وبنات مخر عن أبي عمرو.

 

وذكر في باب مرح: مَرّحْت الجلد: دهنته قال الطِّرِمَّاح:

 

سَرَتْ في رَعِيلٍ ذي أَدَاوَي مَنُوطَةٍ ** بِلَبَّاتِها مَدْبُوغَةٍ لم تُمَرّح

 

وإنما هو مَرَخْتَ الجلد. والبيت من قصيدة قافيتها على الخاء المعجمة وبعده:

 

إذا سَرْبَخٌ غَطَّتْ مجالَ سَرَاتهِ ** تمطَّتْ فحطّت من أرجاء سَرْبَخ

 

والسَّرْبخ: الأرض الواسعة.

 

وذكر في باب حوت: وذكر في باب الرباعي: الزحزبّ: الذي قوي واشتد وغَلُظ والصواب بالخاء المعجمة.

 

وذكر في باب كهم: الكَهْكامة: المتهيّب قال الهُذَلِيّ:

 

ولا كَهْكامَة بَرَمٌ ** إذا ما اشتدت الحِقَب

 

وإنما هو الكَهْكاهة بالهاء وكذا هو في البيت عن أبي عبيد وغيره.

 

وذكر في باب همس: الهَمْسَة: الكلام والحركة وإنما هي بالشين المعجمة.

 

وذكر في باب هزأ: هَزَأَه البرد: إذا أصابه في شدة والصواب هَرَأه بالراء والزاي تصحيف.

 

وذكر في باب الرباعي: القُرْهد: الناعم التَّارّ وإنما هو الفُرْهد بالفاء.

 

وذكر في باب خف: الخَفَّانة: النعامة السريعة والمعروف الحَفَّان: صِغَار النَّعَام بالحاء غير المعجمة عن الأصمعي واحدته حَفّانة.

 

وذكر في باب فخ: الفَخِيخ: صوت الأفعى وإنما هو بالحاء غير المعجمة.

 

وذكر في باب قلخ: القَلَخ في الأسنان: الصفرة التي تعلوها وإنما هو بالحاء غير المعجمة.

 

وذكر في باب لخج: اللخَج: أسوأ الغَمَص وإنما هو اللحَج بالحاء غير المعجمة.

 

وذكر في باب خجب: جخْجَبي: قبيلة من الأنصار وإنما هو بالحاء غير المعجمة.

 

وذكر في باب خشب: الأخْشَب من الرجال: الذي لم يُحْلَق عنه شعره وإنما هو الأحسب بالحاء والسين غير معجمتين.

 

وذكر في باب فضخ: انْفَضَخَت القُرْحة إذا انفتحت والصواب بالجيم.

 

وذكر في باب خصل: وذكر في باب خصب: الخِصْب: حية بيضاء وهي الحِضْب بالحاء غير المعجمة والضاد المعجمة عن أبي حاتم.

 

وذكر في باب ختر: الخِيتار: الجوع الشديد وهو الخِنْتار بالنون عن الأصمعي.

 

وذكر في باب مَيخ: مَاخ يمَيخ مَيْخًا: تَبَخْتَر والصواب مَاح بالحاء غير المعجمة.

 

وذكر في باب توخ: تَاخَت الإصبع تَتُوخ توْخًا في الشيء الرخو والمعروف بالثاء المثلثة.

 

وذكر في باب الرباعي: المُخْرَنفِش: المغتاظ وهو بالحاء غير المعجمة عن الأصمعي.

 

وذكر المُخْرَنْمِش: الساكت وهو بالسين غير المعجمة.

 

وذكر في غش: لقيته غُشَيْشَان النهار والصواب بالعين غير المعجمة تصغير العَشِيّ.

 

وذكر في باب فدغ: وذكر في باب غبث: الغبِيثَة: طعام يُطْبَخ ويجعل فيه جراد وهي العبيثة بالعين غير المعجمة عن الآمدي.

 

وذكر في باب رغل: رَغَلها رَغْلًا: رضعها في عَجَلَةٍ والصواب بالزاي عن أبي زيد وقد صحّف أبو عبيد هذا الحرف أيضا.

 

وذكر في باب رغم: الرَّغام: ما يسيل من الأنف وهو بالعين غير المعجمة عن أبي زيد.

 

وذكر في باب غلم: الغَيْلم: مَنْبَع الماء في الآبار وهو بالعين غير المعجمة عن الفراء والآمدي.

 

وذكر في باب غسو: شيخ غَاسٍ: طال عمره والمعروف بالعين غير المعجمة.

 

وذكر في باب الرباعي: الغَمَلّس: الخبيث الجريء وهو بالعين غير المعجمة عن أبي عمرو بن العلاء.

 

وذكر في قشذ: وذكر في باب قتل: القِتْوَلُّ من الرجال: العَيي وهو بالثاء المثلثة عن أبي زيد.

 

وذكر في باب ذلق: ضَبٌّ مَذْلوق: مستخرج من جُحْره والصواب بالدال غير المعجمة.

 

وذكر في باب المضاعف: أن الفِعالة من القوة قِوَاية وأنشد:

 

ومَالَ بأعناق الكَرى غالباتُهُ ** فإني على أمر القِواية حَازِمُ

 

وهذا تصحيف أنشدنيه إسماعيل فإني على أمر الغِوَاية.

 

وذكر في باب قبأ: قبِئت من الشراب وقَبأت: إذا امتلأت والصواب قئبت بتقديم الهمزة على الباء عن الفراء.

 

وذكر في باب وقظ: الوَقْظ: حوض لا أعضاد له يجتمع فيه ماء كثير والمعروف بالطاء غير المعجمة.

 

وذكر في قنو: قانيت الرجل: دَانَيْتُه والصواب بالفاء.

 

وذكر في باب نشظ: النَّشْظ: اللسع في سرعة واختلاس وهو بالطاء غير المعجمة.

 

وذكر في باب ضم: الضِّم والضمضام: الداهية الشديدة وأحسبه تصحيفًا لأنه يقال للداهية الشديدة: صمصام وصمى بالصاد غير المعجمة.

 

وذكر في باب ضيأ: ضيَّأَت المرأة: كثر ولدها وهو عندي غلط والصواب ضَنَأت.

 

وذكر في باب سدف: السَّدف: سواد الشخص وهو بالشين المعجمة.

 

وذكر في باب نسف: النَّسْفة: حجارة ينسف بها الوسخ عن القدم وهو بالشين المعجمة عن أبي عمرو.

 

وذكر في باب ترم: التَّرَم: شدة العض وهو بالباء ولا أعرف الترم.

 

وذكر في باب درب: الدَّرَب: فساد المعدة وهو بالذال المعجمة.

 

وذكر في بابن نتم: أَنْتَم الشيخ إذا كبر ووَلّى والصواب بالثاء المثلثة.

 

وذكر في باب ربذ: شيء ربيذ: بعضُه على بعض والصواب رثيد بالثاء من قولك رثدت المتاع.

 

وذكر في باب ذنب: الذِّنَّب والذِّنَّابة: القصير وهو بالدال غير المعجمة عن الفراء.

 

وذكر في باب ذرأ: ذَرَأْت الوضين: بسطته على الأرض والصواب درأته بالدال غير المعجمة.

 

هذا غالب ما ذكر أنه صحَّف فيه صاحب كتاب العين.

ذكر ما أخذ على صاحب الصحاح من التصحيف

 

أنشد على الدبدبة بموحدتين:

 

عَاثور شرٍّ أيما عاثُور ** دبدبة الخيلِ على الجسور

 

قال التِّبريزي: الصواب دَنْدنة بنونين وهو أن تسمع من الرجل نغمة ولا تفهم ما يقول ومنه الحديث: لا أحسن دَنْدنتك ولا دندنة مُعاذ وكان أبو محمد الأسود ينشد هذا البيت استشهادًا على ذلك.

 

قال الجوهري: الذُّنابي: شبه المخاط يقع من أنوف الإبل.

 

قال ابن بَرِّي: هكذا في الأصل بخط الجوهري وهو تصحيف والصواب الذُّنانَى بالنون.

 

وهكذا قرأناه على شيخنا أبي أسامة جنادة بن محمد الأزدي وهو مأخوذ من الذنين وهو الذي يسيل من أنف الإنسان والمعزي.

 

قال الجوهري: اللَّجِز: مقلوب اللَّزِج وأنشد لابن مُقْبل:

 

يَعْلُون بالمردَقُوش الوَرْد ضاحِيةً ** على سعابِيبِ ماء الضَّالة اللَّجز

 

قال في القاموس: هذا تصحيف فاضح والصواب في البيت اللَّجِن بالنون والقصيدة نونية.

 

قال الجوهري: احتَقَّ الفرس أي ضمر.

 

قال التَّبريزي: هذا تصحيف والصواب أحْنَق الفرس بالنون على أفعل إذا ضَمُر ويبس ويقال ذلك أيضا لغير الفرس من ذوات الحوافر والخُفّ وخيل محانِق ومحانيق إذا وصفت بالضمر وفرس محنِق بكسر النون وقال بعض أهل اللغة: احتقّ المال بالتاء على افتعل إذا سمن وأثرى سِمَنه وحَقّت الماشية من الربيع واحتقَّت إذا سمنت منه. انتهى.

 

قال الجوهري: والعَانِك: الأحمر يقال: دَمٌ عَانِك وقال الأزهري: هذا تصحيف وإنما هو بالتاء في صفة الحمرة.

 

قال الجوهري: نقتُّ المخ أَنْقُته نَقْتًا لغة في نَقَوْته إذا استخرجته كأنهم أبدلوا الواو تاء.

 

قال أبو سهل الهَروي: الذي أحفظه نَقَثْت العظم أَنْقثه نقثًا إذا استخرجت مخه وانتقثه انتقاثًا بالثاء المعجمة بثلاث نقط من فوق ويقال أيضا نقيته أنقيه وانتقيته انتقاء مثله بياء بنقطتين من تحت.

 

قال الجوهري: تَنَجْنج لحم الرجل: كَثُر واسترخى.

 

قال أبو سهل: هذا تصحيف والصواب تَبَجْبَجَ بباءين.

 

قال الجوهري: رجل شِرْدَاخ القدم أي عظيمها عريضها.

 

قال الهروي: هذا تصحيف وإنما هو شِرْدَاح بحاء غير معجمة قال التِّبريزي: الصحيح بالمعجمة كما قال الجوهري والهروي هو الذي صحّف.

 

قال الجوهري: رجل قُتَرِد وقُتَارِد ومُقترد إذا كان كثير الغنم والسِّخال عن أبي عبيد.

 

قال الهروي: الذي أحفظه قُثَرِد بضم القاف وفتح الثاء المثلثة وكسر الراء وهو مقصور من قثارد ومقثرد بالثاء معجمة بثلاث نقط فيها كلها.

 

وكذلك قرأتها على شيخنا أبي أسامة في الغريب المصنف وكذلك أيضا وجدته بخطِّ أبي موسى الحامض.

 

قال الجوهري: الجَيْذَر: القصير.

 

قال الهروي: هذا تصحيف والصواب الجيدَر بالدال غير معجمة.

 

قال الجوهري: وَطْب جَشِر أي وسخ.

 

قال الهروي: هذا تصحيف وإنما هو حَشِر بحاء غير معجمة.

 

قال الجوهري: والحَبير: لُغَامُ البعير.

 

قال الهروي: هذا تصحيف والصواب الخبير بالخاء المعجمة.

 

قال الجوهري: العرارة: اسم فرس قال الشاعر:

 

تسائلني بنو جُشَمِ بن بكرٍ ** أَغرّاء العَرَارة أم بَهِيمُ

 

قال الهروي: هذا تصحيف في اللفظ والبيت معًا والصواب العَرادة بالدال.

 

وفي القاموس: قول الجوهري: فابهَتي عليها أي فابهيتها - لأنه لا يقال بَهَت عليه - تصحيف والصواب فانْهَتِي عليها بالنون لا غير.

 

وفيه: شَمْخ بن فَزارة بالخاء بطن وصحّف الجوهري في ذكره بالجيم.

 

وفيه: قول الجوهري إذا كانت الإبل سِمَانًا قيل: بها زِرّة تصحيف قبيح وتحريف شنيع وإنما هي بَهازرَة على مثال فَعَالِلَة.

 

قال أبو أحمد العسكري في كتاب التصحيف وقد ذكر ما يشكل ويصحف من أسماء الشعراء فقال: وهذا باب صَعْبٌ لا يكاد يضبطه إلا كثيرُ الرواية غزير الدِّرَاية وقال لي أبو الحسن علي بن عبدوس الأرّجاني وكان فاضلًا متقدمًا وقد نظر في كتابي هذا فلما بلغ إلى هذا الباب قال لي: كم عدة أسماء الشعراء الذين ذكرتهم قلت: مائة ونيّف فقال: إني لأعجب كيف استتبّ لك هذا فقد كنا ببغداد والعلماء بها متوفرون - وذكر أبا إسحاق الزجاجي وأبا موسى الحامض وأبا بكر بن الأنباري واليزيدي وغيرهم - فاختلفنا في اسم شاعر واحد وهو حريث بن محفض وكتبنا أربع رقاع إلى أربعة من العلماء وأجاب كل واحد منهم بما يخالف الآخر فقال بعضهم: مخفض بالخاء والضاد المعجمتين وقال بعضهم: محفص بالحاء والصاد غير معجمتين وقال آخرون: ابن محيصن فقلنا: ليس لهذا إلا أبو بكر بن دريد فقصدناه في منزله وعرفناه ما جرى فقال ابن دريد: أين يذهب بكم هذا مشهور وهو جريث بن مُحفّض بالحاء غير معجمة مفتوحة والفاء مشددة والضاد منقوطة وهو من بني تيم تيم بني مازن وتمثَّل الحجاج بشعره على المنبر.

 

قال أبو الحسن بن عبدوس: فلم يفرج عنا غيره.

 

قال العسكري: واجتمع يومًا في منزلي بالبصرة أبو رياش وأبو الحسين بن لَنْكك فتَقاوَلا فكان فيما قال أبو رياش لأبي الحسين: أنت كيف تحكم على الشعر والشعراء وليس تفرق بين الرَّقَبَان والزَّفَيَان فأجاب أبو الحسين ولم يقنع ذاك أبا رياش وقاما على شغب قال العسكري: فأما الرَّقَبان بالراء والقاف وتحت الباء نقطة فشاعر جاهلي قديم يقال له: أشْعَر الرَّقَبان أما الزَّفَيان بالزاي والفاء وتحت الياء نقطتان فهو من بني تميم يعرف بالزَّفيان وكان على عهد جعفر بن سليمان وهو الزفيان بن مالك بن عوانة قال: وذكر أبو حاتم آخر يقال له الزَّفيان وأنه كان مع خالد بن الوليد حين أقبل من البَحْرَيْنِ. انتهى.

 

==================

النوع الرابع والأربعون

معرفة الطبقات والحفاظ والثقات والضعفاء

 

 

 

 

قد ألّف في ذلك الكثير. فمن ذلك: طبقات النحاة لأبي بكر الزبيدي وطبقات النحاة البصريين لأبي سعيد السِّيرافي ومراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي.

 

قال أبو الطيب اللغوي في كتاب مراتب النحويين: قد غلب الجهل وفَشَا حتى لا يدري المتصدر للعلم من رَوَى ولا من رُوِي عنه ولا مِن أين أخذ علمه، وحتى إن كثيرا من أهل دهرنا لا يفرقون بين أبي عُبيدة وأبي عُبيد وبين الشيء المنسوب إلى أبي سعيد الأصمعي أو أبي سعيد السكَّري أو أبي سعيد الضرير، ويحكون المسألة عن الأحمر فلا يدرون: أهو الأحمر البصري أو الأحمر الكُوفِي ولا يصلون إلى العلم بمزية ما بين أبي عمرو بن العلاء وأبي عمرو الشيباني ولا يفصلون بين أبي عمر عيسى بن عمر الثقفي وبين أبي عمر صالح بن إسحاق الجَرمي، ويقولون: قال الأخفش فلا يفرقون بين أبي الخطاب الأخفش وأبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش البَصريَّيْن وبين أبي الحسن علي بن المبارك الأخفش الكوفي وأبي الحسن علي بن سليمان الأخفش صاحب محمد بن يزيد وأحمد بن يحيى، وحتى يظن قوم أن القاسم بن سلّام البغدادي ومحمد بن سلّام الجُمَحي صاحب الطبقات أخوَان. ولقد رأيت نسخةً من كتاب الغريب المصنف وعلى ترجمته تأليف أبي عبيد القاسم بن سلّام الجمحي وليس أبو عبيد بجُمحي ولا عربي وإنما الجمحي محمد مؤلف كتاب طبقات الشعراء وأبو عبيد في طبقة من أخذ عنه إلى غير هذا.

 

إلى أن قال: واعلم أن أكثر آفات الناس الرؤساء الجهال والصدور الضلال، وهذه فتنةُ الناس على قديم الأيام وغابر الأزمان فكيف بعَصْرِنا هذا وقد وصلنا إلى كدر الكدر وانتهينا إلى عكر العكر وأُخِذ هذا العلم عَمّن لا يعلم ولا يحسّ ولا يفقه، ولا يحسن يفهم الناس ما لا يفهم ويعلمهم عن نفسه وهو لا يعلم يتقلَّد كل علم ويدعيه ويركب كل إفك ويحكيه ويجهل ويَرَى نفسه عالمًا ويعيب مَنْ كان من العيب سالمًا ثم لا يرضى بهذا حتى يعتقد أنه أعلم الناس ولا يُقْنِعه ذلك حتى يظنّ أن كل من أخذ عنه هذا العلم لو حشروا لاحتاجوا إلى التعليم منه فهو بلاء على المتعلمين وَوَبالٌ على المتأدبين ولقد بلغني عن بعض من يختصّ بهذا العلم ويرويه ويزعم أنه يُتقنه ويَدْرِيه أنه أسند شيئا فقال عن الفراء عن المازني فظن أن الفراء الذي هو بإزاء الأخفش كان يروي عن المازني، وحدث عن آخر أنه روى مناظرة جرت بين ابن الأعرابي والأصمعي وهما ما اجتمعا قط، وابن الأعرابي بإزاء غلمان الأصمعي وإنما كان يردّ عليه بعد؛ وحريّ بمن عَمِي عن معرفة قوم أن يكونَ عن علومهم أعمى وأضلّ سبيلًا.

 

قال: فَرَسمتُ في هذا الكتاب ما يفتح القفلة ولا يسع العقلاء الجهل به.

 

ثم قال: واعلم أنَّ أول ما اختل من كلام العرب وأحوج إلى التعلم الإعراب لأن اللَّحْنَ ظهر في كلام الموالي والمتعربين من عهد النبي $ فقد روينا أن رجلًا لحن بحضرته فقال: أرْشِدُوا أخاكم فقد ضلّ.

 

وقال أبو بكر: لأن أقرأ فأُسْقِط أحبُّ إليَّ من أن أقرأ فألحن.

 

وقد كان اللَّحنُ معروفًا بل قد روينا من لفظ النبي ﷺ أنه قال: أنا مِنْ قريش ونشأت في بني سعد فأنى لي اللحن! وكتب كاتب لأبي موسى الأشعري إلى عمر فلحن فكتب إليه عمر: أن اضرِبْ كاتبك سوطًا واحدًا. وكان علي بن المديني لا يغيِّر الحديثَ وإن كان لحنًا إلا أن يكون من لفظ النبي ﷺ، فكأنه يُجَوِّز اللحن على مَنْ سواه.

 

ثم كان أول من رسم للناس النحو أبو الأسود الدؤلي وكان أبو الأسود أخذ ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان أعلم الناس بكلام العرب وزعموا أنه كان يجيب في كل اللغة.

 

قال أبو الطيب: ومما يدل على صحة هذا ما حدثنا به محمد بن عبد الواحد الزاهد: أخبرنا أبو عمرو بن الطُّوسي عن أبيه عن اللَّحيانيِّ في كتاب النوادر قال: حدثنا الأصمعي قال: كان غلام يطيف بأبي الأسود الدؤلي يتعلَّم منه النحو فقال له يومًا: ما فعل أبوك قال: أخذته حمى فضخته فضخًا وطبخته طبخًا وفنخته فنخًا فتركته فرخًا قال: فما فعلت امرأةُ أبيك التي كانت تشارُّه وتجارُّه وتضارّه وتزارّه وتهارّه وتمارّه قال: طلقها وتزوج غيرها فحظيت عنده ورضيت وبظيت قال: وما بظيت يا بنَ أخي قال: حرف من العربية لم يبلغْك قال: لا خيرَ لك فيما لم يبلغني منها.

 

وأبو الأسود أولُ من نقط المصحف واختلف الناس إلى أبي الأسود يتعلمون منه العربية وفرَّع لهم ما كان أصله فأخذ ذلك عنه جماعة.

 

قال أبو حاتم: تعلَّم منه ابنه عطاء بن أبي الأسود ثم يحيى بن يَعْمَرَ العدواني كان حليف بني ليث وكان فصيحًا عالمًا بالغريب ثم ميمون الأقرن ثم عَنْبسة بن معدان المهري وهو الذي يقال له عَنْبسة الفيل. قال: وأما فيما روينا عن الخليل فإنه ذكر أن أبرعَ أصحابِ أبي الأسود عَنْبَسَة الفيل وأن ميمونًا الأقرن أخذ عنه بعد أبي الأسود فَرَأَس الناس بعد عنْبَسَة وزاد في الشرح. ثم توفي وليس في أصحابه أحدٌ مثل عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي وكان يقال: عبد الله أعلم أهل البصرة وأنقلهم ففرَّع النحو وقاسه وتكلم في الهمز حتى عمل فيه كتاب مما أملاه وكان رئيسَ الناس وواحدهم.

 

وقال أبو حاتم: قال داود بن الزبرقان عن قتادة قال: أول من وضع النحو بعد أبي الأسود يحيى ابن يعمَر وقد أخذ عنه عبد الله بن أبي إسحاق.

 

وكان في عصر عبد الله بن أبي إسحاق أبو عمرو بن العلاء المازني وله أخ يقال له أبو سفيان وكان أخذ عمن أخذ عنه عبد الله قال: قال الخليل: فكان عبد الله يُقَدَّم على أبي عمرو في النحو وأبو عمرو يُقَدَّم عليه في اللغة وكان أبو عمرو سيّدَ الناس وأعلمَهم بالعربية والشعر ومذاهب العرب وأخبرونا عن أبي حاتم عن الأصمعي قال: قال أبو عمرو: كنت رأسًا والحسن حيّ.

 

قال أبو الطيب: ولم يؤخذ على أبي عمرو خطأ في شيء من اللغة إلا في حرف قصر عن معرفته عِلم من خَطّأه فيه وروايته:

 

أخبرنا جعفر بن محمد أخبرنا عليّ بن حاتم وغيره عن الأصمعي عن يونس قال: قيل لأبي عمرو بن العلاء ما الثفر قال: الاست فقيل له: إنه القُبُل فقال: ما أقرب ما بينهما فذهب قوم من أهل اللغة إلى أن هذا غلط من أبي عمرو وليس كما ظنوا فقد نص أبو عمرو الشيباني وغيره على أن الثُّفر: الدبر والثفر من الأنثى: القبل.

 

قال الخليل: وأخذ العلم عن أبي عمرو جماعة منهم: عيسى بن عمر الثقفي وكان أفْصحَ الناس وكان صاحب تَقْعِير واستعمال للغريب في كلامه.

 

ويونس بن حبيب الضبي وكان متقدَّمًا وكان النحوُ أغلب عليه. قال أبو عبيدة: اختلفتُ إلى يونس أربعين سنة أملأ كل يوم ألواحي من حفظه.

 

وأبو الخطاب الأخفش؛

 

فكان هؤلاء الثلاثة أعلم الناس وأفصحهم.

 

وألَّف عيسى بن عمر كتابين في النحو أحدهما مبسوط سمَّاه الجامع والآخر مختصر سماه المكمل قال محمد بن يزيد: قرأت أوراقًا من أحد كتابي عيسى بن عمر وكان كالإشارة إلى الأصول وفيهما يقول الخليل بن أحمد:

 

بطل النحو الذي ألفتمو ** غير ما ألف عيسى بن عمر

 

ذاك إكمال وهذا جامع ** فهما للناس شَمْسٌ وقمر

 

وأبو الخطاب المذكور أول من فَسَّر الشعر تحت كل بيت وما كان الناس يعرفون ذلك قبله وإنما كانوا إذا فرغوا من القصيدة فسَّروها.

 

قال أبو الطيب: وكان في هذا العصر عمر الراوية أبو حفص إلا أنه لم يؤلف شيئا ولم يأخذ عنه من شُهِر ذكره فبلغنا أن سوار بن عبد الله لما ولي القضاء دخل عليه عمر الراوية يهنِّئُه فقال له سوار: يا أبا حفص إن خصمين ارتفعا إليَّ اليوم في جارية فلم أدْرِ مَا قَالا قال فما قالا قال: إن الخصم ذكر أنها ضَحْيَاء قال: بلى أيها القاضي إنها التي لا ينبت الشعر على عانتها.

 

وممن أخذ عن أبي عمرو أبو جعفر الرؤاسي عالم أهل الكوفة ولم يناظر هؤلاء الذين ذكرنا ولا قريبًا منهم قال أبو حاتم: كان بالكوفة نَحْويٌّ يقال له أبو جعفر الرؤاسي وهو مطروح العلم ليس بشيء وأهل الكوفة يعظمون من شأنه ويزعمون أن كثيرا من علومهم وقراءتهم مأخوذ عنه.

 

قلت: الأمرُ كذلك وأبو جعفر هذا هو أستاذ الكسائي وهو أول من وضع من الكوفيين كتابًا في النحو وكان رجلًا صالحًا وقيل: إنّ كل ما في كتاب سيبويه وقال الكوفيّ كذا إنما عَني به الرؤاسي هذا وكتابه يقال له الفَيْصل وكان له عم يقال له مُعاذ بن مسلم الهرّاء وهو نحوي مشهور وهو أول من وضع التصريف.

 

ثم قال أبو الطيب: ولا يذكر أهل البصرة يحيى بن يَعمر في النحويين وكان أعلم الناس وأفصحهم لأنه استبد بالنحو غيرُه ممن ذكرنا وكانوا هم الذين أخذ الناس عنهم وانفرد يحيى بن يَعمَر بالقراءة والذين ذكرنا من الكوفيين فهم أئمتهم في وقتهم وقد بينا منزلتهم عند أهل البصرة فأما الذين ذكرنا من علماء البصرة فرُؤَساء علماء معظمون غير مدافَعين في المِصْرَيْن جميعًا ولم يكن بالكوفة ولا في مصر من الأمصار مثل أصغرهم في العلم بالعربية.

 

ثم أخذ النحو عن عيسى بن عمر الخليل بن أحمد الفُرْهودي فلم يكن قبلَه ولا بعده مثله وكان أعلمَ الناس وأذكاهم وأفضل الناس وأتقاهم. قال محمد بن سلّام: سمعت مشايخنا يقولون: لم يكن للعرب بعد الصحابة أذكى من الخليل بن أحمد ولا أجمع ولا كان في العَجَم أَذْكَى من ابن القفع ولا أجمع، وقال أبو محمد التوّجي: اجتمعنا بمكة أدباء كل أُفق فتذاكرنا أمر العلماء حتى جرى ذكرُ الخليل فلم يبق أحد إلا قال: الخليلُ أذكى العرب وهو مِفْتَاحُ العلوم ومصرفها.

 

قال أبو الطيب: وأبدع الخليل بدائع لم يُسبق إليها فمن ذلك تأليفه كلام العرب على الحروف في الكتاب المسمى كتاب العين، واختراعه العروض وأحدث أنواعًا من الشعر ليست من أوزان العرب.

 

وكان في العصر ثلاثة هم أئمة الناس في اللغة والشعر وعلوم العرب لم يُر قبلهم ولا بعدهم مثلهم عنهم أُخِذ جلّ ما في أيدي الناس من هذا العلم بل كلّه وهم: أبو زيد وأبو عبيدة والأصمعي، وكلهم أخذوا عن أبي عمرو اللغة والنحو والشعر ورووا عنه القراءة ثم أخذوا بعد أبي عمرو عن عيسى بن عمر وأبي الخطاب الأخفش ويونس بن حبيب وعن جماعة من ثقات الأعراب وعلمائهم مثل أبي مهدية وأبي طفيلة وأبي البيداء وأبي خيرة بن لقيط وأبي مالك عمرو بن كَرْكَرَة صاحب النوادر من بني نمير وأبي الدقيش الأعرابي وكان أفصحَ الناس وليس الذين ذكرنا دونه، وقد أخذ الخليل أيضا من هؤلاء واختلف إليهم.

 

وكان أبو زيد أحفظَ الناسِ للغة بعد أبي مالك وأوسَعهم رواية وأكثرَهم أخذًا عن البادية. وقال ابن مناذر: كان الأصمعي يُجِيب في ثلث اللغة وكان أبو عبيدة يجيب في نصفها وكان أبو زيد يجيب في ثلثيها وكان أبو مالك يجيب فيها كلها. وإنما عنى ابن مناذر توسعهم في الرواية والفُتْيا لأن الأصمعي كان يضيق ولا يجوّز إلا أصح اللغات ويلج في ذلك ويمحك وكان مع ذلك لا يجيب في القرآن ولا في الحديث فعلى هذا يزيد بعضهم على بعض.

 

وأبو زيد من الأنصار وهو من رواة الحديث ثقة عندهم مأمون وكذلك حاله في اللغة وقد أخذ عنه اللغة أكابرُ الناس منهم سيبويه وحَسْبُك قال أبو حاتم عن أبي زيد: كان سيبويه يأتي مجلسي وله ذُؤابتان قال: فإذا سمعتُه يقول: وحدثني من أثق بعربيته فإنما يريدني وكبر سن أبي زيد حتى اختلّ حفظُه ولم يختلّ عقله ومن جلالة أبي زيد في اللغة ما حدثنا به جعفر بن محمد: حدثنا محمد بن الحسن الأزْدِي عن أبي حاتم عن أبي زيد قال: كتب رجل من أهل رَامَهُرْمُز إلى الخليل يسأله كيف يقال: ما أوقفك هاهنا ومن وأقفك فكتب إليه: هما واحد قال أبو زيد: ثم لقيني الخليل فقال لي في ذلك فقلت له: إنما يقال مَن وقفك وما أوقفك قال: فرجع إلى قولي.

 

وأما أبو عبيدة فإنه كان أعلم الثلاثة بأيام العرب وأخبارهم وأجمَعهم لعلومهم وكان أَكملَ القوم قال عمر بن شبّة: كان أبو عبيدة يقول: ما التقى فَرسان في جاهلية ولا إسلام إلا عرفتهما وعرفت فارسيهما وهو أول من ألف غريب الحديث حدثنا علي بن إبراهيم البغدادي سمعت عبد الله بن سليمان يقول: سمعت أبا حاتم السِّجِسْتَانِي يقول: جاء رجل إلى أبي عبيدة يسأله كتابًا وسيلة إلى بعض الملوك فقال لي: يا أبا حاتم اكتب عني والحن في الكتاب فإن النحو محدود أي محروم صاحبه.

 

وأما الأصمعي فكان أتقنَ القوم باللغة وأعلمَهم بالشعر وأحضرهم حفظًا وكان قد تعلم نَقْدَ الشعر من خلف الأحمر.

 

وهو خَلَف بن حَيَّان ويكنى أبا محمد وأبا محرز.

 

قال أبو حاتم عن الأصمعي: كان خَلَف مولى أبي بردة بن أبي موسى الأشعري أعتقه وأعتق أبَوَيْهِ وكان أعلم الناس بالشِّعر وكان شاعرًا ووضع على شعراء عبد القيس شعرًا كثيرا موضوعًا وعلى غيرهم وأخذ ذلك عنه أهلُ البصرة وأهلُ الكوفة أخبرنا محمد بن يحيى: أخبرنا محمد بن يزيد قال: كان خلف أخذ النحو عن عيسى بن عمر وأخذ اللغة عن أبي عمرو ولم يُرَ أحد قط أعلم بالشعر والشعراء منه وكان يُضرب به المثل في عمل الشعر وكان يعمل على ألسنة الناس فيُشَبّه كلَّ شعر يقوله بشعر الذي يضعه عليه ثم نَسَك فكان يختم القرآن في كل يوم وليلة وبذل له بعض الملوك مالًا عظيمًا خطيرًا على أن يتكلم في بيت شعر شكرًا فيه فأبى ذلك وعليه قرأ أهل الكوفة أشعارَهم وكانوا يقصدونه لما مات حَمَّاد الراوية لأنه كان قد أكثر الأخذ عنه وبلغ مبلغًا لم يقاربه حماد فلما تَنَسَّك خرج إلى أهل الكوفة فعرّفهم الأشعار التي قد أدخلها في أشعار الناس فقالوا له: أنت كنت عندنا في ذلك الوقت أوثقَ منك الساعة فبقي ذلك في دواوينهم إلى اليوم.

 

أخبرنا جعفر بن محمد أخبرنا علي بن سهيل أخبر أبو عثمان الأشْنانْدَاني أخبرنا التوّزيّ قال خرجتُ إلى بغداد فحضرت حَلْقة الفراء فلما أنس بي قال ما فعل أبو زيد قلت: مُلازِمٌ لبيته ومسجده وقد أسنّ فقال: ذاك أعلم الناس باللغة وأحفظُهم لها ما فعل أبو عبيدة قلت: ملازم لبيته ومسجده على سُوء خلُقه فقال: أما إنه أكملُ القوم وأعلمهُم بالشعر وأتقنهم للغة وأحضرهم حفظًا ما فعل الأخفش يعني سَعيد بن مَسعدة قلت: مُعافى تركته عازمًا على الخروج إلى الرَّي قال: أما إنه إن كان خرج فقد خرج معه النحو كله والعلمُ بأصوله وفروعه.

 

قال أبو الطيب: ولم يَرَ الناس أحضرَ جوابًا وأتقن لما يحفَظ من الأصمعي ولا أصدقَ لهجة، وكان شديد التألُّه فكان لا يفسر شيئا من القرآن ولا شيئا من اللغة له نظير واشتقاق في القرآن وكذلك الحديث تحرُّجًا وكان لا يفسر شعرًا فيه هجاء ولم يرفع من الأحاديث إلا الأحاديث اليسيرة وكان صدوقًا في كل شيء من أهل السُّنة فأما ما يحكي العوام وسُقَّاط الناس من نوادر الأعراب ويقولون: هذا مما اختلقه الأصمعي ويحكون أن رجلًا رأى عبد الرحمن ابن أخيه فقال: ما فعل عمك فقال: قاعد في الشمس يكذب على الأعراب فهذا باطل وكيف يقول ذلك عبد الرحمن ولولا عمُّه لم يكن شيئا مذكورًا وكيف يكذب عمه وهو لا يَرْوِي إلا عنه وأنّى يكون الأصمعي كذلك وهو لا يفتي إلا فيما أجمع عليه العلماء ويقف عما ينفردون عنه ولا يجيز إلا أفصحَ اللغات ويلحّ في دفع ما سواه!

 

وكان أبو زيد وأبو عبيدة يخالفانه ويناوئانه كما يناوئهما فكلهم كان يطعن على صاحبه بأنه قليل الرواية ولا يذكره بالتزوير ولا يتهم أحدُهم صاحبَه بالكذب لأنهم يبعدون عن ذلك وكتب إليّ أبو روق الهمذاني قال سمعت الرِّياشي يقول: سمعت الأصمعي يقول: أحفظ اثني عشر ألف أرجوزة فقال له رجل: منها البيت والبيتان فقال: ومنها المائة والمائتان وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: عجائب الدنيا معروفة معدودة منها الأصمعي.

 

قال أبو الطيب: ولم يحك الأصمعي ولا صاحباه عن الخليل شيئا من اللغة لأنه لم يكن فيها مثلهم، ولكن الأصمعي قد حكى عنه حكايات وكان الخليل أسَنَّ منه.

 

وأخَذَ النحو عن الخليل جماعةٌ لم يكن فيهم ولا في غيرهم من الناس مثلُ سيبويه وهو أعلمُ الناس بالنحو بعد الخليل وألّف كتابه الذي سماه قران النحو وعقد أبوابه بلفظه ولفظ الخليل.

 

وأخذ أيضا عن الخليل حمادُ بن سلمة وكان أخذ عن عيسى بن عمر قبله.

 

وأخذ عن الخليل أيضا اللغة والنحو النَّضر بن شُمَيل المازني وهو ثقةٌ ثَبت صاحب غريب وشعر ونحو وحديث وفقه ومعرفة بأيام الناس.

 

وأبو محمد اليزيدي وقد أخذ قبله عن أبي عمرو العربية والقراءة وهو ثقة.

 

وممن أخذ عن الخليل المؤرّج بن عمرو السَّدوسي وعلي بن نصر الجهْضَمِيّ؛ إلا أن النحو انتهى إلى سيبويه.

 

وأخذ عن يونس بن حبيب ممن اختصّ به دون غيره قُطْرُب واسمه محمد بن المستنير وكان حافظًا للغة كثيرَ النوادر والغرائب.

 

وأخذ عنه أيضا وعن خلف الأحمر أبو عبد الله محمد بن سلّام الجُمَحي صاحب كتاب طبقات الشعراء وهو ثقة جليل روى عنه أبو حاتم والرياشي والمازني والزيادي وأكابر الناس.

 

وأخذ النحو عن سيبويه جماعة برع منهم أبو الحسن سعيد بن مَسعدة الأخفش المجاشعي من أهل بلْخ وكان غلام أبي شَمِر وعلى مذهبه في الاعتزال وكان أسنَّ من سيبويه ولكن لم يأخذ عن الخليل ولم يكن ناقصًا في اللغة أيضا وله فيها كتب مستحسنة وكان أخذ عن أبي مالك النميري.

 

وكان للكوفيين بإزاء من ذكرنا من علماء البصرة المفضَّل بن محمد الضبي وكان عالمًا بالشعر وكان أوثق من روى الشعر من الكوفيين ولم يكن أعلمهم باللغة والنحو إنما كان يختص بالشعر وقد روى عنه أبو زيد شعرًا كثيرا.

 

قال أبو حاتم: كان أوثق مَنْ بالكوفة من الشعراء المُفضل الضبي وكان يقول: إني لا أحسن شيئا من الغريب ولا من المعاني ولا تفسير الشعر وإنما كان يروي شعرًا مجردًا.

 

ثم كان خالد بن كُلثوم صاحب العلم بالشعر وكان أوسع في العربية من المفضَّل.

 

وكان من أوسعهم رواية حماد الراوية: وقد أخذ عنه أهل المِصْرَيْن وخلف الأحمر وروى عنه الأصمعي شيئا من شعره.

 

أخبرنا جعفر بن محمد أخبرنا محمد بن الحسن الأَزْدِي أخبرنا أبو حاتم قال: قال الأصمعي: كل شيء في أيدينا من شعر امرئ القيس فهو عن حَمَّاد الراوية إلا شيئًا سمعناه من أبي عمرو بن العلاء.

 

قال أبو الطيب: وحماد مع ذلك عند البصريين غيرُ ثِقَة ولا مأمون أخبرنا جعفر بن محمد حدثنا إبراهيم بن حميد قال أبو حاتم: كان بالكوفة جماعة من رُوَاة الشعر مثل حمّاد الراوية وغيره وكانوا يصنعون الشعر ويقتنون المصنوع منه وينسُبونه إلى غير أهله وقد حدثني سعيد بن هريم البرجمي قال: حدثني من أثق به أنه كان عند حماد حتى جاء أعرابي فأنشده قصيدة لم تعرف ولم يدر لمن هي فقال حماد: اكتبوها فلما كتبوها وقام الأعرابي قال: لمن ترون أن نجعلها فقالوا أقوالًا فقال حماد: اجعلوها لطَرَفَة.

 

وقال الجاحظ: ذكر الأصمعي وأبو عبيدة وأبو زيد عن يونس أنه قال: إني لأعجب كيف أخذ الناس عن حماد وهو يلحن ويكسر الشعر ويصحّف ويكذب، وهو حماد بن هرمز الديلمي.

 

قال أبو حاتم: قال الأصمعي: جالستُ حمادًا فلم أجد عنده ثلثمائة حرف ولم أرضَ راويته، وكان قديمًا.

 

وفي طبقته من الكوفيين أبو البلاد وهو مِنْ أرواهم وأعلمهم وكان أعمى جيِّد اللسان وهو مولى لعبد الله بن غطَفان، وكان في زمن جرير والفرزدق.

 

قال أبو حاتم: فأما مثل ابن كناسة ومحمد بن سهل فإنهما كانا يعرفان شعر الكُمَيْتِ والطرِمّاح وكانا مولّدين لا يحتج الأصمعي بشعرهما وكان ابن كناسة يكنى أبا يحيى وهو محمد بن عبد الأعلى بن كناسة توفي بالكوفة سنة سبع ومائتين.

 

قال أبو الطيب: والشعر بالكوفة أكثر وأجمع منه بالبصرة ولكنَّ أكثره مصنوع ومنسوب إلى مَنْ لم يَقُلْهُ وذلك بَيِّن في دواوينهم.

 

وكان عالمَ أهل الكوفة وإمامَهم غير مدافَع أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي.

 

أخبرنا محمد بن عبد الواحد أخبرنا ثعلب قال: أَجْمَعُوا على أن أكثر الناس كلِّهم رواية وأوسعَهم علمًا الكسائي وكان يقول: قلما سمعت في شيء فعلت إلا وقد سمعت فيه أفعلت. قال أبو الطيب: وهذا الإجماع الذي ذكره ثعلب لا يدخل فيه أهلُ البصرة.

 

وأخذ الناس علم العربية عن هؤلاء الذين ذكرنا من علماء المِصْريَنْ. وكان ممن برع منهم محمد أبو عبد الله بن محمد التوّجي ويقال التوّزي. وأبو علي الجِرْمازي. وأبو عمر صالح بن إسحاق الجَرْمي.

 

وكانوا يأخذون عن أبي عبيدة وأبي زيد والأصمعي والأخفش، وهؤلاء الثلاثة أكثر أصحابهم.

 

وكان دون هؤلاء في السن أبو إسحاق إبراهيم الزيادي وأبو عثمان بكر بن محمد المازني وأبو الفضل العباس بن الفرج الرِّياشي وأبو حاتم سهل بن محمد السِّجِسْتاني وكان التوّجيُّ أطلعَ القوم في اللغة وأعلمهم بالنحو بعد الجَرمي والمازني.

 

قال المبرد: كان أبو زيد أعلم من الأصمعي وأبي عبيدة بالنحو وكانا بعد متقاربين قال: وكان المازني أخذ من الجَرْمي وكان الجرمي أعوصهما.

 

قال أبو الطيب: وكان المازني من فضلاء الناس وعظمائهم ورُوَاتهم وثِقَاتهم وكان أبو حاتم في نهاية الثقة والإتقان والعلم الواسع بالإعراب وكُتُبُه في نهاية الاستقصاء والحسن والبيان؛ وزعموا أنه كان يُظْهِر السُّنة ويضمر الاعتزال.

 

ودون هذه الطبقة جماعة منهم أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن قُرَيْب ابن أخي الأصمعي وقد روي عن عمه علمًا كثيرا وكان ربما حكى عنه ما يجد في كتبه من غير أن يكون سمعه من لفظه.

 

وأبو نصر أحمد بن حاتم الباهلي وزعموا أنه كان ابن أخت الأصمعي وليس هذا بثبت ورأيت جعفر بن محمد ينكره وكان أَثبتَ من عبد الرحمن وأسنّ وقد أخذ عن الأصمعي وأبي عبيدة وأبي زيد وأقام ببغداد فربما حكى الشيء بعد الشيء عن أبي عمرو الشيباني. وأخذ الناس العلم عن هؤلاء.

 

وأخذ النحو عن المازني والجَرمي جماعة برع منهم أبو العباس المبرد فلم يكن في وقته ولا بعده مثلُه وعنه أخذ أبو إسحاق الزجاج وأبو بكر بن السَّراج ومَبْرَمان وأكابر من لَقِينا من الشيوخ.

 

وأخذ اللغة عنهما - أعني المازني والجَرْمي - وعن نُظَرائهما جماعةٌ فاختَصَّ بالتّوجي أبو عثمان سعيد بن هارون الأشنانداني صاحب المعاني.

 

وبرع من أصحاب أبي حاتم أبو بكر بن دريد الأزدي فهو الذي انتهى إليه عِلْمُ لغة البَصْريين وكان أحفظ الناس وأوسعهم علمًا وأقدرهم على شعر وما ازدحم العلمُ والشعرُ في صدر أحد ازدحامَهما في صدر خلف الأحمر وابن دريد وتصدَّر ابن دريد في العلم ستين سنة.

 

وفي طبقته في السن والرواية أبو علي عيسى بن ذكْوان.

 

وكان أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدِّينَوَرِي أخذ عن أبي حاتم والرِّياشي وعبد الرحمن ابن أخي الأصمعي وقد أخذ ابن دريد عن هؤلاء كلهم وعن الأشنانداني إلا أن ابن قتَيْبَة خلط علمه بحكايات عن الكوفيين لم يكن أخذها عن ثقات.

 

فهذا جمهور ما مضى عليه علماءُ البصرة وفي خلال هؤلاء قومٌ علماء لم نذكرهم لأنهم لم يشتهروا ولم يُؤْخذ عنهم وإنما شهرة العالم بمصنَّفاته والرواية عنه.

 

وكان ممن أخذ عن سيبويه والأخفش رجل كان يعرف بالناشئ ووضع كتبًا في النحو مات قبل أن يُتمها وتؤخذ عنه قال المبرد: لو خرج علم الناشئ إلى الناس لما تقدمه أحد.

 

وكان ممن أخذ عن الخليل وأبي عبيدة كيسان وكان مُغَفَّلًا وقال الأصمعي: كيسان ثقة ليس بمتزيد.

 

وأما علماءُ الكوفيين بعد الكسائي فأعلمهم بالنحو الفراء وقد أخذ علمه عن الكسائي وهو عُمْدَتُه ثم أخذ عن أعراب وثق بهم مثل أبي الجراح وأبي مرْوان وغيرهما وأخذ نبذًا عن يونس وعن أبي زياد الكلابي وكان الفراء وَرِعًا متدينًا وكان يخالف الكِسائي في كثير من مذاهبه.

 

ومِمَّن أخذ عن الكسائي أبو عليّ الأحمر.

 

وأبو الحسن عليّ بن حازم اللِّحياني صاحب النوادر وقد أخذ اللِّحياني أيضا عن أبي زيد وأبي عبيدة والأصمعي إلا أن عمدته الكسائي.

 

وكذلك أهل الكوفة كلهم يأخذون عن البَصْرِيين وأهل البصرة يمتنعون من الأخذ عنهم لأنهم لا يرون الأَعْرَاب الذين يَحْكُونَ عنهم حجة ويذكرون أن في الشعر الذي يرونه ما قد شرحناه فيما مضى ويحملون عليه غيره.

 

أخبرنا جعفر بن محمد أخبرنا إبراهيم بن حميد قال: قال أبو حاتم: إذا فسَّرْتُ حروف القرآن المختلف فيها وحكَيْتُ عن العرب شيئا فإنما أحكيه عن الثقات منهم مثل أبي زيد والأصمعي وأبي عبيدة ويونس وثِقاتٍ من فصحاء الأعراب وحَمَلَةِ العلم ولا ألتفت إلى رواية الكِسائي والأحمر والأموي والفراء ونحوهم.

 

قال أبو الطيب: فلم يزل أهل المِصْرَيْن على هذا حتى انتقل العلم إلى بغداد قريبًا وغلب أهلُ الكوفة في بغداد وخدموا الملوك فقدَّموهم فَأُرْغِب الناس في الروايات الشاذة وتفاخروا بالنوادر وتباهَوْا بالترخيصات وتركوا الأصول واعتمدوا في الفروع فاختلط العلم.

 

وكان من علمائهم في هذا العصر - أعني عصر الفراء - أبو محمد عبد الله بن سعيد الأموي أخذ عن الأعراب وعن أبي زياد الكلابي وأبو جعفر الرؤاسي ونبذ عن الكسائي وله كتاب نوادر وليس عِلْمُه بالواسع.

 

وفي طبقته أبو الحسن علي بن المبارك الأخفش الكوفي وأبو عِكْرمة الضبي صاحب كتاب الخيل وأبو عدنان الراوية صاحب كتاب القِسِيّ ونِعْمَ الكتاب في معناه بعد كتاب أبي حاتم وقد روى أبو عدنان عن أبي زيد كتبَه كلها.

 

ومن أعلمهم باللغة وأحفظهم وأكثرهم أخذًا عن ثقات الأعراب أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني صاحب كتاب الجيم وكتاب النوادر وهما كتابان جليلان فأما النوادر فقد قرئ عليه وأخذناه روايةً عنه أخبرنا به أبو عمر محمد بن عبد الواحد أخبرنا ثعلب عن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه وأمّا كتاب الجيم فلا رواية له لأن أبا عمرو بَخِل به على الناس فلم يقرأه عليه أحد.

 

وقد روى عنه أبو الحسن الطوسي وأبو سعيد الضرير وأبو سعيد الحسن بن الحسين السكري وأجلُّ من روى عنه أبو نصر الباهلي وأبو الحسن عليّ اللِّحياني ثم يعقوب بن السِّكِّيت فأما الطوسي والسكري فإنهما راويتان وليسا إمامين.

 

وأما أبو عبد الله محمد بن زياد الأعرابي فإنه أخذ العلم عن المُفَضَّل الضبي وهو أحفظُ الكوفيين للغة وقد أخذ علَم البصريين وعلَم أبي زيد خاصة من غير أن يسمعَه منه وأخذ عن أبي زياد وجماعة من الأعراب مثل الفضيل وعجرمة وأبي المكارم وقوم لا يَثِقُ بأكثرهم البصريون وكان ينحرف عن الأصمعي ولا يقول في أبي زيد إلا خيرًا وكان أبو نصر الباهلي يتعنت ابن الأعرابي ويكذّبه ويدعي عليه التزيُّدَ ويزيّفه وابن الأعرابي أكثر حفظًا للنوادر منه وأبو نصر أشد تثبتًا وأمانة وأوثق.

 

وأما أبو عبيد القاسم بن سلّام فإنه مصنِّف حسن التأليف إلا أنه قليل الرواية يقتطعه عن اللغة علوم افتنَّ فيها فأما كتاب الغريب المصنف فإنه اعتمد فيه على كتاب عمله رجل من بني هاشم جمعه لنفسه وأخذ كتبَ الأصمعي فبوّب ما فيها وأضاف إليها شيئا من علم أبي زيد وروايات عن الكوفيين وأما كتابه في غريب الحديث فإنه اعتمد فيه على كتاب أبي عبيدة مَعْمَر بن المُثَنّى في غريب الحديث وكذلك كتابه في غريب القرآن منتزع من كتاب أبي عبيدة وكان مع هذا ثقة وَرِعًا لا بأس به وقد روي عن الأصمعي وأبي عبيدة ولا نعلمه سمع من أبي زيد شيئا.

 

قلت: قد صرح في عدة مواضع من الغريب المصنف بسماعه منه قال: وسمع من الفراء والأموي والأحمر وأبي عمرو وذكر أهلُ البصرة أن أكثر ما يَحْكِيه عن علمائهم من غير سماع إنما هو من الكتب وقد أخذت عليه مواضع من كتابه الغريب المصنف وكان ناقصَ العلم بالإعراب.

 

وكان في هذا العصر من الرواة ابن بجدة وأبو الحسن الأَثْرم فكان ابن بجدة يختص بعلم أبي زيد وروايته وكان الأثرم يختص بعلم أبي عبيدة وروايته وكان أبو محمد سلمة بن عاصم راوية الفراء وفيه وَرَعٌ شديد.

 

وانتهى علم الكوفيين إلى أبي يوسف يعقوب بن إسحاق السِّكِّيت وأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب وكانا ثقتين أمينين ويعقوب أسن وأقدم وأحسن الرجلين تأليفًا وثعلب أعلمهما بالنحو.

 

وكان يعقوب أخذ عن أبي عمرو والفراء وكان يحكى عن الأصمعي وأبي عبيدة وأبي زيد من غير سماع إلا ممن سمع منهم وقد أخذ عن ابن الأعرابي شيئا يسيرًا.

 

وكان ثَعْلَب يعتمد على ابن الأعرابي في اللغة وعلى سلمة في النحو وكان يروى عن ابن بجدة كتب أبي زيد وعن الأثرم كتب أبي عبيدة وعن أبي نصر كتب الأصمعي وعن عمرو بن أبي عمرو كتب أبيه وكان ثقة متقنًا يستغني بشهرته عن نعته.

 

وأما أبو جعفر محمد بن حبيب فإنه صاحبُ أخبار وليس في اللغة هناك وقد أخذ عن سلمة ابنه أبو طالب المفضّل وقد أخذ أيضا عن يعقوب وثعلب وقد نظرتُ في كتبه فوجدته مُخَلِّطًا متعصِّبًا وردّ أشياء من كتاب العين أكثرُها غير مردود واختار اختيارات في اللغة والنحو ومعاني القرآن غيرُها المختار.

 

وأما القاسم بن محمد بن بشار الأنباري ومن روي عنه مثل أحمد بن عبيد الملقب أبا عصيدة فإن هؤلاء رواةٌ أصحابُ أسفار لا يُذكرون مع من ذكرنا.

 

وجملة الأمر أن العلم انتهى إلى من ذكرنا من أهل المِصْريْن على الترتيب الذي رتبناه وهؤلاء أصحابُ الكتب والمرجوعُ إليهم في علم العرب وما أخللنا بذكر أحد إلا لسبب: إما لأنه ليس بإمامٍ ولا معوَّل عليه وإما لأنه لم يخرج من تلامذته أحد يُحيِي ذِكْرَه ولا من تأليفه شيء يلزم الناس نشره كإمساكنا عن ذكر اليزيديين وهم بيتُ علم وكلُّهم يرجعون إلى جدهم أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي وهو في طبقة أبي زيد والأصمعي وأبي عبيدة والكسائي وعلمُه عن أبي عمرو وعيسى بن عمر ويونس وأبي الخطاب الأكبر وقد روي عن أبي عمرو القراءة المشهورة في أيدي الناس إلا أن علمه قليل في أيدي الرواة إلا في أهل بيته وذريته وهو ثقة أمين مقدَّم مكين ولا علم للعرب إلا في هاتين المدينتين.

 

فأما مدينةُ الرسول $ فلا نعلم بها إمامًا في العربية. قال الأصمعي: أقمت بالمدينة زمانًا ما رأيت بها قصيدة واحدة صحيحة إلا مصحفة أو مصنوعة.

 

وكان بها ابن دَأْب يَضَعُ الشعر وأحاديثَ السَّمر وكلامًا ينسُبه إلى العرب فسقط وذهب علمه وخَفِيت روايته وهو عيسى بن يزيد بن بكر بن دَأْب يكنى أبا الوليد وكان شاعرًا وعِلْمُه بالأخبار أكثر.

 

وممن كان يجري مجرى ابن دَأْب الشَّرْقِيّ بن القطَامِي وكان كذابًا. قال أبو حاتم: حدثنا الأصمعي قال: حدثنا بعض الرواة قال: قلت للشرقي: ما كانت العرب تقول في صلاتها على موتاها قال: لا أدري قلت: فاكْذِب له قال: كانوا يقولون: رُوَيْدَك حتى تبعثَ الخلقَ بَاعِثة فإذا أنا به يوم الجمعة يحدث به في المقصورة.

 

وممن كان بالمدينة أيضا عليّ الملقب بالجمل وَضَع كتابًا في النحو لم يكن شيئا.

 

وأما مكة فكان بها رجل من الموالي يقال له ابن قسطنطين شَدَا شيئا من النحو ووضع كتابًا لا يُسَاوِي شيئا.

 

وأما بغداد فمدينة مُلْك وليست بمدينة عِلْم وما فيها من العلم فمنقول إليها ومجلوب للخُلَفَاءِ وأتباعهم قال أبو حاتم: أهل بغداد حشو عسكر الخليفة لم يكن بها مَنْ يُوثق به في كلام العرب ولا من تُرْتضى روايته فإن ادَّعى أحد منهم شيئا رأيته مخلِّطًا صاحبَ تطويل وكثرة كلام ومكابرة.

 

قال أبو الطيب: والأمرُ في زماننا على هذا أضعاف ما عَرَفَ أبو حاتم.

 

قال: فهذه جملة تعرف بها مراتب علمائنا وتقدمهم في الأزمان والأسنان ومنازلهم من العلم والرواية.

 

انتهى كلام أبي الطيب في كتاب مراتب النحويين ملخصًا.

 

وقال ابن جني في كتاب الخصائص: باب في صدق النَّقَلة وثقة الرُّوَاة والحمَلة:

 

هذا موضع من هذا الأمر لا يعرف صحته إلا من تصوَّرَ أحوال السلف وعرف مقامهم من التوقير والجلالة واعتقد في هذا العلم الكريم ما يجب اعتقادُه له وعلم أنه لم يوفَّق لاختراعه وابتداء قوانينه وأوضاعه إلا البَرّ عند الله سبحانه الْحَظِيظ بما نوَّه به وأعلى شأنه أو لا يعلم أن أمير المؤمنين هو البادئ به المُنَبِّه عليه، والمُنشِئه والمُشِير إليه، ثم تحقق ابن عباس به واقتفاء علي رضي الله عنه أبا الأسود إياه هذا بعد تنبيه رسول الله ﷺ وحضه على الأخذ بالحظِّ منه ثم تتالي السلف عليه. واقتفاؤهم آخرًا على أول طريقة ويكفي من بعد ما يعرف من حاله ويشاهد به من عفة أبي عمرو بن العلاء ومن كان معه ومجاور أزمانه.

 

حدثنا بعضُ أصحابنا حديثًا يرفعه قال: قال أبو عمرو بن العلاء: ما زدت في شعر العرب إلا بيتًا واحدًا يعني ما يروى للأعشى من قوله:

 

وأنكرتْني وما كان الذي نكِرت ** من الحوادث إلا الشيبَ والصَّلَعَا

 

أفلا ترى إلى هذا البدر الباهر والبحر الزاخر الذي هو أبو العلماء وكهفهم ويَدُ الرواة وسيفهم كيف تخلُّصه من تبعات هذا العلم وتحرجه وتراجعه فيه إلى الله تعالى وتحوّبه حتى إنه لما زاد فيه - على سعته وانبثاثه وتراميه وانتشاره - بيتًا واحدًا وفقه الله تعالى للاعتراف به عنوانًا على توفيق ذَوِيه وأهله.

 

وهذا الأصمعي وهو صَنَّاجة الرواة والنقلة وإليه محط الأعباء والثقلة ومنه تجبى الفِقَر والمُلَح وهو ريحانة كل مُغتَبِق ومُصْطَبح كانت مشيخة القراء وأماثلهم تحضره وهو حَدَث لأخذ قراءة نافع عنه ومعلوم قدر ما حذف من اللغة فلم يثبته لأنه لم يقو عنده إذ لم يسمعه فأما إسفاف من لا عِلْم له وقول من لا مُسكة به: إن الأصمعي كان يزيد في كلام العرب ويفعل كذا ويقول كذا فكلام معفو عليه غير معبوء به ولا منقوم من مثله حتى كأنه لم يتأدّ إليه توقفه عن تفسير القرآن وحديث رسول الله ﷺ وتَحَوّبه من الكلام في الأَنْوَاء ويكفيك من ذا خشية أبي زيد وأبي عبيدة وهذا أبو حاتم بالأمس وما كان عليه من الجد والانهماك والعِصْمَةِ والاستمساك.

 

وقال لنا أبو عليّ: يكاد يُعْرَف صدقُ أبي الحسن ضرورة وذلك أنه كان مع الخليل في بلد واحد ولم يحكِ عنه حرفًا واحدًا هذا إلى ما يعرف من عقل الكسائي وعِفَّتِهِ وصَلَفِه ونزاهته حتى إن الرشيد كان يُجْلِسه ومحمد بن الحسن على كرسيين بحضرته ويأمرهما ألا ينزعجا لنهضته.

 

وحكى أبو الفضل الرياشي قال: جئتُ أبا زيد لأقرأ عليه كتابه في النبات فقال: لا تقرأه عليّ فإنني قد أُنْسِيته وحَسْبُنا من هذا حديث سيبويه وقد خط بكتابه وهو ألف ورقة عِلْمًا مبتكرًا ووَضْعًا متجاوزًا لما يسمع ويرى قلما تُسْند إليه حكاية أو تُوصَل به رواية إلا الشاذ الفذ الذي لا حفل به ولا قدر فلولا تحفُّظ مَنْ يليه ولزومه طريق ما يعنيه لكثرت المَحْكِيَّات عنه ونِيطتْ أسبابها به لكن أخلد كلُّ إنسان منهم إلى عصمته وادّرع جِلْبَابَ ثقته وحمى جانبه من صدقه وأمانته ما أريد من صون هذا العلم الشريف لذويه.

 

فإن قلت: فإنا نجدُ علماء هذا الشأن من البلدين والمتحلّين به من المِصْرين كثيرا ما يهجِّن بعضُهم بعضًا فلا يترك له في ذلك سماءً ولا أرضًا قيل: هذا أدلُّ دليلٍ على كرم هذا الأمر ونزاهة هذا العلم ألا ترى أنه إذا سبق إلى أحدهم ظِنَّةٌ أو توجهت نحوه شبهة سُبّ بها وبُرِئ إلى الله منه لمكانها ولعل أكثَر ما يُرمى بسقطة في رواية أو غمزة في حكاية محمي جانب الصدق فيها برئ عند الله من تبعتها لكن أخذت عنه إما لاعْتِنَانِ شبهة عرضت له أو لمن أخذ عنه وإما لأن ثالِبَه ومُتَعَيِّبَه مقصر عن مغزاه مغضوض الطرف دون مداه وقد عرض الشبهة للفريقين ويعترض على كلا الطريقين فلولا أن هذا العلم في نفوس أهله والمتفيئين بظله كريم الطرفين جدد السمتين لما تسابُّوا بالهجنة فيه ولا تنابزوا بالألقاب في تحصين فروجه ونواحيه ليطووا ثوبه على أعدل غُرره ومطاويه نعم وإذا كانت هذه المناقضات والمنافسات موجودة بين السلف القديم وبين باقيه بالمنصب والشرف العميم ممن هم سُرُج الأنام والمؤتم بهديهم في الحلال والحرام ثم لم يكن ذلك قادحًا فيما تنازعوا فيه ولا عائدًا بطرف من أطراف التَّبعَة عليه جاز مثل ذلك أيضا في علم العرب الذي لا يخلص جميعه للدين خلوصَ الكلام والفقه له ولا يكاد يعدم أهلُه الأنس به والارتياح لمحاسنه.

 

ولله أبو العباس أحمد بن يحيى وتقدمه في نفوس أصحاب الحديث ثقة وأمانة وعصمة وحَصانة وهم عيار هذا الشأن وأساس هذا البنيان وهذا أبو علي كأنه ما بَعُدَ منا أو لم تَبِن به الحال عنا كان من تحرّيه وتأدبه وتحرجه كثير التوقف فيما يحكيه دائم الاستظهار.

 

والإيراد لما يرويه فكان تارة يقول: أنشدت لجرير فيما أحسِب، وأخرى قال لي أبو بكر فيما أظن وأخرى في غالب ظني كذا وأرى أنني قد سمعت كذا.

 

هذا جزء من جملة وغصن من دوحة وقطرة من بحر مما يقال في هذا الأمر وإنما أنسنا بذكره ووكلنا الحال فيه إلى تحقيق ما يضاهيه انتهى كلام الخصائص والله أعلم.

 

 

 

 

==============

النوع الخامس والأربعون

معرفة الأسماء والكنى والألقاب

 

 

 

 

فيه أربعة فصول:

[الأول في معرفة اسم من اشتهر بكنيته أو لقبه أو نسبه]

 

وهو نوعان:

[أحدهما فيما يتعلق بأئمة اللغة والنحو]

 

أبو الأسود الدؤلي: قال أبو الطيب اللغوي: اختلف في اسمه فقال عمر بن شبَّة: اسمه عمرو ابن سُفيان بن ظالم وقال: الجاحظ: اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان. انتهى.

 

أبو عمرو بن العلاء: اختلف في اسمه على واحد وعشرين قولًا: أصحّها زَبّان بزاي معجمة والبقية: جَبْر جُنَيْد جَزْء حُمَيْد رَبّان براء مهملة عُتَيْبَة عُثْمان عُرْيان عقبة عمَّار عَيَّار عُيَيْنَة فائد قَبِيصة مَحْبوب محمد يحيى وقيل: اسمه كنيته وسبب الاختلاف فيه أنه كان لجلالته لا يُسأل عن اسمه قال أبو الطيب: أبو عمرو بن العلاء وأخوه أبو سُفْيان زعم النيسابوري أن اسميهما كنيتاهما.

 

أبو الخطاب: الأخفش الكبير: اسمه عبد المجيد بن عبد الحميد.

 

أبو جعفر الرؤاسي: محمد بن الحسن.

 

أبو مالك: عمرو بن كِرْكِرَة.

 

أبو زيد: سعيد بن أَوْس.

 

أبو عبيدة: مَعْمَر بن المُثَنَّى.

 

الأصمعي: عبد الملك بن قُرَيب.

 

سيبويه: عمرو بن عثمان بن قَنبَر.

 

أبو محمد اليزيدي: يحيى بن المبارك وولده إبراهيم صاحب كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه وولده الآخر محمد وولدا محمد هذا: أبو جعفر أحمد وأبو العباس الفضل.

 

قُطْرب: محمد بن المستنير.

 

أبو الحسن الأخفش الأوسط: سعيد بن مسعدة.

 

الكِسائيّ: علي بن حمزة.

 

أبو عمر الجَرْمي: صالح بن إسحاق.

 

أبو عمرو الشيباني: إسحاق بن مرار.

 

الفراء أبو زكريا: يحيى بن زياد.

 

اللِّحياني: علي بن حازم.

 

أبو عثمان المازني: بكر بن محمد.

 

الرّياشي: العباس بن الفرج.

 

أبو حاتم السِّجسْتاني: سهل بن محمد.

 

أبو نصر صاحب الأصمعي، ويقال إنه ابن أخته: أحمد بن حاتم الباهلي.

 

ابن الأعرابي: أبو عبد الله محمد بن زياد.

 

المبرد أبو العباس: محمد بن يزيد.

 

ثعلب أبو العباس: أحمد بن يحيى.

 

ابن السِّكيت أبو يوسف: يعقوب بن إسحاق.

 

الزجاج أبو إسحاق: إبراهيم.

 

ابن السريّ أبو بكر بن السرَّاج: محمد بن السري.

 

مَبْرَمان: محمد بن علي بن إسماعيل.

 

أبو عثمان الأُشْنَانْدَاني: سعيد بن هارون.

 

أبو بكر بن دريد: محمد بن الحسن.

 

نِفْطويه: إبراهيم بن محمد بن عرفة.

 

ابن قُتيبة أبو محمد: عبد الله بن مسلم.

 

أبو الحسن بن كَيْسان: محمد بن أحمد.

 

أبو منصور الأزهري: محمد بن أحمد بن الأزهري.

 

أبو بكر الزبيدي: محمد بن الحسن.

 

أبو عمر الزاهد المطرز غلام ثعلب: محمد بن عبد الواحد.

 

العزيزي أبو بكر: محمد بن عزيز.

 

أبو الطيب: عبد الواحد بن علي.

 

أبو بكر ابن القوطية: محمد بن عمر.

 

أبو علي القالي: إسماعيل بن القاسم البغدادي.

 

الأنباري أبو محمد: القاسم محمد بن بشار وولده الإمام أبو بكر: محمد بن القاسم.

 

ابن فارس أبو الحسين: أحمد بن فارس.

 

أبو جعفر النحاس: أحمد بن محمد بن إسماعيل.

 

أبو نصر الجوهري صاحب الصحاح: إسماعيل بن حمَّاد.

 

أبو علي الفارسي: الحسن بن أحمد.

 

أبو سعيد السِّيرافي: الحسن بن عبد الله.

 

ابن خالَوْيه: الحسين بن أحمد.

 

ابن دَرَسْتَويه: عبد الله بن جعفر.

 

أبو القاسم الزجاجي: عبد الرحمن بن إسحاق.

 

أبو الفَتح ابن جني: عثمان.

 

كُراع [النمل]: علي بن الحسن.

 

أبو عبيد الهَرَوي صاحب الغريبين: أحمد بن محمد بن عبد الرحمن.

 

أبو منصور الجواليقي: موهوب بن أحمد.

 

الخطيب التِّبْريزي أبو زكرياء: يحيى بن علي.

 

ابن سِيده: علي بن أحمد.

 

الأعلم: يوسف بن سليمان.

 

ابن بابشاذ: طاهر بن أحمد.

 

ابن الخشاب: عبد الله بن أحمد.

 

ابن بري أبو محمد: عبد الله.

 

أبو محمد البَطَلْيوسي: عبد الله بن محمد السيد.

 

ابن القَطَّاع أبو القاسم: علي بن جعفر.

 

الكمال أبو البركات ابن الأنباري: عبد الرحمن بن محمد.

 

الزَّمخْشَري: محمود بن عمر.

 

ابن الشَّجري: هبة الله بن علي.

 

رضي الدين الصغاني: الحسن بن محمد. انتهى.

القسم الثاني فيما يتعلق بشعراء العرب الذين يحتج بهم في العربية

 

امرؤ القيس بن حُجْر الكندي: في اسمه أقوال قيل: عدي وقيل: مُلَيْكة حكاهما العسكري في كتاب التصحيف وقيل: حُنْدُج حكاه ابن يسعون في شرح شواهد الإيضاح.

 

النابغة الذُّبياني: اسمه زياد بن معاوية.

 

النابغة الجَعْدي الصحابي: اسمه قيس بن عبد الله.

 

الأعشى: اسمه ميمون بن قيس.

 

المتلمِّس: اسمه جرير بن عبد المسيح.

 

تأبط شرًا: اسمه ثابت بن جابر.

 

الفَرَزْدق: اسمه همّام بن غالب.

 

الأخطل: اسمه غياث بن غوث.

 

الراعي: اسمه عبيد بن حصين.

 

البَعيث: اسمه خِراش بن بشر.

 

ذو الرُّمة: اسمه غَيْلان بن عقبة وهو الذي يقول: * أنا أبو الحارث واسمي غيْلان *

 

القَطَامي: اسمه عمرو بن شُيَيْم.

 

العجاج: اسمه عبد الله بن رؤبة.

الفصل الثاني في معرفة كنية من اشتهر باسمه أو لقبه أو نسبه

 

وهو قسمان:

[أحدهما في أئمة اللغة والنحو]

 

ميمون الأقرن: قال الخليل: كان يُكْنى أبا عبد الله، نقله أبو الطيب.

 

يحيى بن يَعْمَر: كنيته أبو سليمان ذكره السِّيرافي.

 

عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي: أبو بحر.

 

عيسى بن عمر الثَّقفي: أبو عمر.

 

يونس بن حبيب: أبو عبد الرحمن.

 

مُعاذ الهرَّاء: أبو مسلم.

 

الخليل بن أحمد: أبو عبد الرحمن.

 

الأصمعي: أبو سعيد.

 

سيبويه: قال أبو الطيب: كان يكنى أبا بشر وأبا الحسن وأبا عثمان وأثبتُها أبو بشر.

 

النَّضْر بن شميل يكنى أبا الحسن.

 

المؤرج السُّدوسي يكنى أبا الفيل أو أبا الفَيْد.

 

المفضل بن محمد الضبي: أبو العباس وقيل أبو عبد الرحمن.

 

الكِسائي: أبو الحسن.

 

الرّياشي: أبو الفضل.

[الثاني في شعراء العرب]

 

عقد لذلك ابن دريد بابًا في الوشاح قال فيه:

 

امرؤ القَيْس بن حُجْر: أبو الحارث.

 

زهير بن أبي سُلمى: أبو بُجَير.

 

نابغة بني ذُبيان: أبو أمامة وأبو عَقْرب.

 

أوس بن حجر: أبو شُرَيح.

 

لَبيد بن ربيعة: أبو عُقَيل.

 

طَرَفة بن العبد: أبو عمرو.

 

عَبِيد بن الأبرص: أبو دُودَان.

 

الأعشى بن قَيس: أبو بَصير.

 

أعشى هَمْدان: أبو المصبح.

 

الحطيئة: أبو مُلَيكة.

 

الشّماخ: أبو سعد.

 

مُزَرِّد: أبو ضرار.

 

الأخطل: أبو مالك.

 

عبد الله بن همام السَّلُولي: أبو عبد الرحمن.

 

الكُمَيْت بن زيد: أبو المُسْتَهِل.

 

يزيد بن مُفَرِّغ الحميري: أبو المُفَرِّغ.

 

مهلهل بن ربيعة: أبو ربيعة.

 

الأسود بن يَعْفُر: أبو نَهْشَل.

 

عمرو بن معد يكرب: أبو ثور.

 

عَدِيّ بن زيد: أبو عمر.

 

بشر بن أبي خازم: أبو حاضر.

 

الفرزدق: أبو فِراس وكان يكنى في شبابه أبا مليكة.

 

جرير: أبو حَزْرَة.

 

الطرِمَّاح بن حكيم: أبو نصر.

 

جميل: أبو عمرو.

 

الأحوص: أبو عاصم.

 

نُصيب: أبو مِحْجَن.

 

عبد الله بن قيس الرُّقيَّات: أبو هاشم.

 

عدي بن حاتم: أبو طريف.

 

حاتم الطائي: أبو سَفّانة.

 

عدي بن الرقاع: أبو دؤاد.

 

زيد الخيل: أبو مُكْنِف.

 

كعب بن زهير: أبو المضرب.

 

حسان بن ثابت: أبو الوليد.

 

كعب بن مالك: أبو عبد الله.

 

عبد الله بن رَواحة: أبو عمرو.

 

عباس بن مِرْداس: أبو الهَيثم.

 

عنترة العبسي: أبو المغَلِّس.

 

العجاج: أبو الشعثاء.

 

رؤبة بن العجاج: أَبو الجحاف.

 

تأبط شرًا: أبو زهير.

 

أمية بن أبي الصلت: أبو عثمان.

 

ذو الرُّمة: أبو الحارث.

الفصل الثالث في معرفة الألقاب وأسبابها

 

وهي قسمان

[أحدهما ألقاب أئمة اللغة والنحو]

 

عَنْبسة الفيل: قال الزمخشري في ربيع الأبرار: لقب بذلك لأن مَعْدان أباه كان يروض فيلًا للحجاج.

 

قلت: فينبغي أن يكون اللقب لأبيه لا له.

 

سيبيويه: لَقب إمام النحو وهو لفظ فارسي معناه رائحة التفاح قيل: كانت أمه ترقصه بذلك في صغره وقيل: كان من يلقاه لا يزال يَشَمُّ منه رائحة الطِّيب فسمي بذلك وقيل: كان يعتاد شم التفاح وقيل: لُقِّب بذلك لِلَطَافَتِه لأن التفاح من لطيف الفواكه البَطَلْيَوْسِي في شرح الفصيح: الإضافة في لغة العجم مقلوبة كما قالوا: سيبويه والسيب التفاح وويْه رائحته والتقدير رائحة التفاح.

 

قُطْرُب: لازم سيبويه وكان يُدْلج إليه فإذا خرج رآه على بابه فقال له: ما أنت إلا قُطْرُبُ ليل فلقب به.

 

المبرد: قال السِّيرافي: لما صنف المازني كتابه الألف واللام سأل المبرد عن دقيقِه وعويصهِ فأجابه بأحسن جواب فقال له: قم فأنت المبرد بكسر الراء أي المثْبِت للحق فغيَّره الكوفيون وفتحوا الراء.

 

ثعلب: إمام الكوفيين اسمه أحمد بن يحيى.

 

الأخفش: جماعة يأتون في نوع المتفق والمفترق.

 

السِّكِّيت: والد أبي يوسف يعقوب بن السِّكِّيت قال الحافظ أبو بكر الشِّيرازي في كتاب الألقاب: قال علي بن إبراهيم القطان القَزويني: سئل ثعلب: هل رأيت السِّكيت فقال: نعم وكان لي أخًا أو شبيهًا بالأخ وكان سكِّيتًا كما سمي.

 

شبّة: والد عمر بن شبة اسمه يزيد وإنما لقب شَبّة لأن أمه كان ترقصه وتقول: يا بِأَبي وشبَّا ** وعاش حتى دَبَّا. ذكره الشِّيرازي في الألقاب.

 

نِفْطَوَيْهِ: اسمه إبراهيم بن محمد بن عرفة لقب بذلك تشبيهًا بالنِّفط لدَمَامَتِه وأدمته وجعل على مثال سيبيويه في النحو إليه قال الزَّمْلكانيّ في شرح المفصل: نِفْطَوَيْه يجوز فتح نونه والأكثر كسرها وقال ياقوت الحموي: قد جعله ابن بسام بضم الطاء وسكون الواو وفتح الياء.

 

النبَّاح: قال ابن دَرَسْتويه في شرح الفصيح: كان أبو عمر الجَرْمي يلقب النباح لكثرة مناظرته في النحو وصياحه.

 

سُبُّخْت: هو لقب لأبي عبيدة مَعْمر بن المُثَنَّى أنشد ثعلب: فخذ من سلح كيسان ** ومن أظفار سُبُّخْت

 

أبو القُنْدَيْن: لقب الأصمعي قال أبو حاتم: قيل له ذلك لكبر خُصْييه ذكره ابن سيده في المحكم.

 

مُعاذ الهَرّاء: قال في الصحاح: قيل له ذلك لأنه كان يبيع الثياب الهَرَوية.

[الثاني ألقاب شعراء العرب]

 

قال أبو عبد الله محمد بن داوود بن الجراح في كتابه الذي ألفه في إحصاء من يسمى عمرًا من شعراء العرب في الجاهلية والإسلام:

 

هاشم جد رسول الله ﷺ اسمه عُمْرو وكنيته أبو فضلة وإنما سمي هاشمًا لما قال مطرود بن كعب الخزاعي فيه:

 

عمْرو العُلَى هَشَم الثريدَ لقومه ** ورجالُ مَكةَ مُسْنِتُون عِجافُ

 

وفي الصحاح: إنما قيل مضر الحَمْراء وربيعة الفرس لأنهما لما اقتسما الميراث أعطى مضر الذهب وهو مؤنث وأعطى ربيعة الخيل.

 

وفي أمالي القالي: أخبرني أبو بكر قال: حدثني أبو عبد الله قال: حدثني محمد بن عبد الله القَحْطَبِي قال: إنما سُمِّي الأخْطل لأن ابني جُعَال تحاكما إليه أيُّهما أَشْعَر فقال:

 

لعمرك إنني وابني جُعَال ** وأمَّهما لإسْتار لَئِيم

 

فقيل له: إن هذا الخَطَل من قولك فسمي الأَخْطل.

 

وكان الأخْطَل في صغره يلقب دَوْبلا لأن أمه كانت ترقِّصه به. ذكره الأزدي في كتاب الترقيص.

 

وفي نوادر ابن الأعرابي: الفِنْد اسمه شَهْل بن شيبان وإنما سمي الفِنْد لأنه قال يوم قَضّة: أما ترضوْن أن أكون لكم فِنْدًا.

 

وفي الغريب المصنف: قال الأصمعي: كان يقال لُطَفيل الغَنَوي في الجاهلية مُحبِّر لتحسينه الشعر.

 

وفي طبقات الشعراءِ لمحمد بن سلّام: إنما سمي الفرزدق تشبيهًا لوجهه بالخُبْزة.

 

وإنما سمي الراعي لكثرة وصفه الإبل وحُسْنِ نعته لها.

 

وفي أمالي ثعلب: ندَّت إبل لإلياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان فندَّت أولادُه في طلبها وهم ثلاثة: عامر وعمرو وعُمير فأدركها عامر فسمي مُدْرِكة وأما عمر فاقتنص أرنبًا واشتغل بطبخها وقال: ما زلت في طَبْخ فسمي طابخة وأما عمير فانْقَمَع في البيت فسمي قَمَعة فلما أبطؤوا على أمهم ليلى خرجت في إثرهم فقال الشيخ لجارية لهم يقال لها نائلة: تقرفصي في إثر مولاتك أي أسرعي فقالت ليلى: ما زلت أُخَنْدِف في إثركم أي أُهَروِل فسميت خِنْدِفًا وقالت نائلة: أنا قَرْفَصْت في إثر مولاتي فقال الشيخ: فأنت قرفاصة.

 

وفي العمدة لابن رشيق: علقمة الفحل بن عبدة لُقّب بالفحل لأن امرأ القيس خاصمه في شعره إلى امرأته فحكمت عليه لعلقمة فطلقها وتزوجها عَلْقمة فسمي الفحل لذلك وقيل: بل كان في قومه آخر يسمى علقمة الخصيّ.

 

وفي شرح المقامات للمطرزي: كان يقال للأعشى صنّاجة العرب لكثرة ما تغنّت بشعره.

 

وفي نوادر ابن الأعرابي: الأغْربة في الجاهلية (يعني السودان) عَنترة وخُفَافُ بن نُدْبَة السُّلَمى وندبة أمه وأبو عُمَيْر بن الحُبَاب السُّلَمي وسُلَيْكُ بن السُّلَكة وهي أمه واسم أبيه يثربي وهشام بنُ عُقْبة بن أبي مُعَيط مخضرم وتأبَّط شَرًّا والشَّنْفرى.

 

وفي الصحاح: كان عنترة العبسي يلقب الفَلْحاء لفَلَحة كانت به وهي شَقٌّ في الشَّفَة السفلى وإنما لم يقولوا: الأفلح ذهبوا به إلى تأنيث الشفة.

 

وفيه: الشويعر لقب محمد بن حمران الجُعفي، لقبه بذلك امرؤ القيس بقوله:

 

أبلغا عني الشُّويعرَ أني ** عَمْدَ عَيْنٍ قَلَّدتُهن حَريمًا

 

وفي المحكم: زعموا أن زيادًا الذُّبياني قال الشعر على كبر السن فسمي نَابغة وقيل: بل سُمِّي بذلك لقوله: * وقد نبغت لنا منهم شؤون *

 

وفي الصحاح: ماء السماء: لقب عامر بن حارثة الأزْدي وهو أبو عمرو مُزيقيًا سمي بذلك لأنه كان إذا أجدب قومُه مَا نَهم حتى يأتيهم الخِصْب فقالوا: هو ماء السماء لأنه خَلَفٌ منه وماء السماء أيضا لقب أم النذر بن امرئ القيس بن عمرو اللَّخْمِي وهي ابنة عوف بن جُشَم بن النَّمِر بن قاسط وسُمّيت بذلك لجمالها.

 

وقال التِّبريزي في تهذييه: عُبَيْد الله بن قيس الرُّقيَّات كان ابن الأنباري يختار الرفع ويقول: إنه لقب به لتشبيبه بثلاث نسوة أسماؤهن رُقَيَّة وقال غيره: الرُّقَيَّات جداته فهو مضاف.

 

وفي الصحاح: إنما أُضِيف إليهن لأنه تزوَّج عدة نسوة وافق أسماؤهن كلهن رُقَيّة فنسب إليهن هذا قول الأصمعي.

 

وفي الصحاح: المنْتحِل لقب شاعر من هُذيل وهو مالك بن عُوَيْمر وجُهُنَّام لقب عمرو بن قَطَن من بني سعد بن قيس بن ثعلبة وكان يهاجي الأعشى.

 

وفي الأغاني: ثابت بن قُطْنة هو ثابت بن كعب لقِّب قطنة لأن سهمًا أصابه في إحدى عينيه فذهب بها فكان يجعل عليها قُطْنة.

 

وقال ابن فارس في المجمل: حدثني أحمد بن شعيب عن ثعلبة قال: سمي الحُطيئة لدمَامتِه والحطيئة: الرجل القصير.

 

وقال ابن دريد في الجمهرة: نبغ الرجل إذا قال الشعر بعد ما يُسِنّ أو يكون مُفحَمًا ثم ينطق به وبه سميت النوابغ: الذُّبياني والجَعْدي والشَّيْباني.

ذكر من لُقب ببيت شعر قاله

 

قال ابن دريد في الوشاح: من الشعراء من غَلَبَتْ عليهم ألقابهم بشعرهم حتى صاروا لا يُعْرفون إلا بها.

 

فمنهم منبه بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر وهو أعصُر وإنما سمي أعْصُر بقوله:

 

أعُمَيرُ إن أبَاكَ غيَّر لونَه ** مرُ الليالي واختلافُ الأَعْصُر

 

ومنهم امرؤ القيس بن ربيعة بن مُرَّة التغلبِي وهو مهَلهِل سمي بقوله:

 

لَمَا توعَّر في الكُراع هجينُهم ** هلْهَلْتُ أثأر جابرًا أو صِنْبِلًا

 

قلت: وفي طبقات الشعراء لمحمد بن سلّام أن اسمه عديّ وأنه سُمّي مُهَلهلًا لهْلهَلَة شعره كهلهلة الثوب وهو اضطرابُه واختلافه. وفي الصحاح: يقال: سُمّي مهلهلًا لأنه أول من أرق الشعر.

 

ومنهم معاوية بن تميم وهو الشَّقِر وسمي الشَّقِر بقوله:

 

قد أحمل الرمح الأصمّ كُعوبُه ** به من دماءِ القومِ كالشَّقِرات

 

ومنهم قيل بن عمرو بن الهجيم سمي بليلًا لقوله:

 

وذي نَسَبٍ ناءٍ بعيد وَصَلْته ** وذي رَحمٍ بَلّلْتُها بِبِلالِها

 

ومنهم عمرو بن سعيد بن مالك سمي المرقِّش بقوله:

 

الدارُ قَفْر والرُّسوم كما ** رَقّشَ في ظَهْرِ الأدِيمِ قَلَمْ

 

ومنهم عبد الله بن خالد سمي المِكْواة لقوله:

 

وإني لأَكْوِي ذا النَّسَا من ظُلاعِه ** وذا الفَلق المعمّى وأكْوي النَّوَاظرا

 

ومنهم خالد بن عمرو بن مرة سُمِّي الشَّرِيد بقوله:

 

وأنا الشريد لمن يُعرّفُني ** حامِي الحَقِيقَةِ ما له مِثْلُ

 

ومنهم عمر بن ربيعة سُمِّي المستوغِر بقوله:

 

يَنِشُّ الماء في الرَّبَلات منها ** نَشِيشَ الرَّضْف في اللبن الوَغِير

 

ومنهم صُرَيم بن مَعْشَر التغلبِي سُمِّي أُفْنونًا بقوله:

 

منَّيْتِنَا الودَّ يا مَضْنون مَضْنُونا ** أزماننا إنّ للشّبانِ أُفْنُونا

 

ومنهم شاس بن نهار العبدي، سمي الممزَّق بقوله:

 

فإن كنتُ مَأْكولًا فكُن خيرَ آكل ** وإلا فأَدْرِكْنِي وَلَمَّا أُمَزَّقِ

 

ومنهم عائذ بن مِحْصَن العبدي سمي المثقِّب بقوله:

 

ظهرن بِكِلَّةٍ وسَدَلْنَ أخرى ** وثَقَّبْن الَوَصَاوِصَ لِلْعُيونِ

 

ومنهم عامر بن زيد مَنَاة العَبْدي سُمي الحصيص بقوله:

 

قَدْ حَصَّت البَيْضَةُ رأسَ امرئ ** جَلْدٍ على الأهوال صَبَّارِ

 

ومنهم ربيعة بن ليث العبدي، سُمي المطلع بقوله:

 

فإن لم أزُرْ سعدى بجُرْد كأنها ** صُدُورُ القَنَا يَطْلُعنَ من كل مَطْلعِ

 

ومنهم مالك بن جَنْدل سُمي الذَّهَاب لقوله:

 

وما سَيْرهن إذ علون قُرَاقِرًا ** بذي أمم ولا الذَّهَّاب ذَهَّاب

 

ومنهم جرير بن عبد المسيح الضَّبي سُمي المتلمِّس بقوله<